- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أمم تصنع القادة ام قادة تصنع الأمم
حجم النص
بقلم د.ميثم مرتضى الكناني.
لو تابعنا حركة التاريخ لوجدنا تفعلا متواصلا بين الفرد والجماعة والتاثير متبادل , فقد تجد تصرف الشخص في مكان ما وفق نمطية معينة وبمجرد انتقاله الى مكان اخر تختلف فيه العادات وتختفي باثرها القيود المفروضة اجتماعيا سنجد نفس الشخص وقد تغيرتعاطيه مع الاشياءوتغير سلوكه الى حد كبير وهي خصلة فيزياوية تفسر الانتقالة الحادة بين وسطين متطرفين في درجات الحرارة فمن المؤكد ان الجسم المار بينهما سينكسر ان مر بهذا الاتجاه او يذوب ان مر بالاتجاه الاخر , ومقابل هذا التاثير الذي تفرضه الجماعة على الفرد والذي لا يقتصر على السلوكيات وانما يطال ايضا المعتقدات والايدلوجيات فضلا عن العادات والتقاليد والتي شد ما تقيد او تصوغ شخصية الانسان في محيطه على نحو قهري في اغلب الاحيان,بمقابل ذلك نجد ان البعض من الاشخاص يتحلون بصفات استثنائية تمكنهم من اسر الجماهير فكريا واستمالتها عاطفيا والتاثير بها من خلال الحضور الطاغي (الكاريزما) المتمثلة باللباقة والسيرة الحسنة والكرم والشجاعة والذكاء لتحقيق انجازات غيرت صورة التاريخ الانساني ولو تابعنا تاريخ الامم في مختلف العصور سنجد ان حركة التاريخ بمجملها صيغت وتطورت على اثر جهود افراد اثروا بالجماهير وبعثوا فيها كوامن القوة وحب الانا ونفخوا فيها الشجاعة فاندفعت الجموع بشكل هادر على نحو لم يستكن للمستحيل ولم تعترضه العقبات لصناعة الامجاد والانجازات ولو تابعنا سير شخصيات من قبيل نابليون في فرنسا وكافور في ايطاليا وواشنطن في اميركا وبسمارك في المانيا وغاندي في الهند ونماذج فردية اخرى تتلخص فيها صورة القائد الكارزمي المسدد بالحظ والجامع لعناصر الرشد القيادي التي تذيب العقبات ولا تعرف الياس في مشروع قد يبدو للاخرين حلما او ضربا من ضروب العبط , ان تسيب الممالك الايطالية المتناحرة حتى العام 1859 وتوزع ولائها على فرنسا والنمسا وحكومة البابا وانتفاء الجامع الوطني فيما بينها كان يعتبر سورا لا يمكن اجتيازه ولو على سبيل الحلم الا ان حنكة ومهارة القائد الايطالي (كافور ) اعادت تكييف الاحداث الداخلية والاقليمية لتنتج بالتالي رايا عاما شعبيا ينادى بالوحدة الايطالية التي صارت واقعا ملموسا باقل من اربعين عاما من ذلك التاريخ ونفس الشئ واجهه الثائر جورج واشنطن في جمع شتات الولايات الاميركية في مواجهة امبراطورية لا تغيب عنها الشمس وانتزاع الاستقلال بعد جهود ودماء وعرق وتحالفات ما كان لها ان تتحقق لولا وجود رجل بمقاسات واشنطن النفسية والفكرية والاهم الاخلاقية عندما اسس لفكرة التداول السلمي ورفض الرئاسة المفتوحة وهي سنة جرى عليها الحكم في الولايات المتحدة والعالم الديمقراطي حتى يومنا هذا , ونابليون ذاك العسكري الطموح ذو الاصول الايطالية والذي منعته ظروف عائلته من تحقيق حلمه من الانخراط في سلك البحرية فتطوع في صنف المدفعية لتكون تلك فرصته التي ادخرها له القدر والتي قبض عليها بدهاء كبير عندماعاضد حكومة الموظفين ضد انصار الملكية وصال وجال بما عهد عنه من عبقرية في الميادين ليسطع نجمه ويتحول في بحر سنين قليلة موضع انظار فرنسا المترقبة للمنقذ منتشلا اياها من مؤامرات الملكيات المغتاظة من الثورة الفرنسية المتطلعة الى انهاك فرنسا وقضمها بلا رحمة , ورغم بعض القرارات الخاطئة التي ارتكبها ودفعت فرنسا ثمنها غاليا مالا ورجالا وحدودا وجغرافيا الا ان براعة نابليون المتعددة الوجوه هي التي قدمت للمدنيات الحديثة القانون المدني النابليوني وحروب نابليون هي التي اوصلت لاوربا المغلقة على نفسها افكار الثورة الفرنسية التي سرعان ماترجمتها الشعوب ثورات وانتفاضات قوضت الحكومات الوراثية الاستبدادية وفتحت امام شعوبها طريق الحرية, اما ذلك المحامي الاسمر غاندي والمنتمي للطبقة الوسطى والذي نزع عن نفسه بدلة ألسموكن وارتدى الساري الهندي وعاش التقشف حياة وسلوكا ونفض عن نفسه قلنسوة الولاء للمكون الفطري واجرى على نفسه تيارا رائقا من الحب للانسانية كل الانسانية ليزيل منها عناكب وصراصير وعقارب وعقد الطائفية والمناطقية فلقد كافح وصام وصبر لصناعة الحلم الهندي, انها الهند اكبر خريطة بشرية في التاريخ الحديث, البلد المتنوع لغويا وثقافيا والمتسع الى ماوراء التواريخ التي تضاربت فيها الحضارات فأنتجت شعوبا بلا سياج ومكونات بلا ارقام تسلسلية حتى برز المصلح الأسمر العجوز الذي جاء الى لندن عاصمة القوة والحضارة ليلكزها في خاصرتها المكشوفة ويدمغ جبروتها ببساطته وطاقته الروحية التي اسرت كبراء القوم في لندن حتى حقق لأكبر تجمع بشري هوية وحدودا سياسية وانتج اكبر ديمقراطية في العصر الحديث ,بسمارك ذلك الرجل القوي الشكيمة والملقب بالمستشار الحديدي الذي جمع شتاتا ألمانيا بعدد الحصى يربو على الثلاثمائة دوقية ومملكة صغيرة ومقاطعة في بداية القرن التاسع عشر ليصهرها جميعا في الثلث الثالث من نفس القرن ليصنع منها اقوي امة في اوربا والعالم , ان هذه القراءة السريعة للتاريخ لاتعني الانحياز الى احدى الفرضيتين القائد الامة او الأمة القائد ولكن من الضروري بمكان التنبه الى المناخات المساعدة والتفاعلات الاجتماعية والتاريخية المعجلة في إنضاج الحدث والذي قد ينبثق بصورة رجل ناجح او امة ناجحة , لقد اعتدنا بحكم ثقافتنا الشرقية الأبوية اختزال الامم والشعوب بأشخاص القادة والامراء والشيوخ بعملية مساواة تضغط جهود الملايين لتصوغ منها قلادة الفوز المتأرجحة كالبندول على صدر القادة من قبيل ( انتصر جيش خالد بن الوليد على جيش الروم باليرموك او فتح سعد بن ابي وقاص العراق وهزم الفرس ....الخ ولم يجرؤ الكثير من كتابنا عن التعرض ل (قداسة هذا الطرح المشخصن للتاريخ ) واستمرت عملية الاختزال لتطال بلداننا وشعوبنا التي اختزلت بشخص القائد الرمز والشيخ طويل العمر, ان معادلة التاريخ مكونة من عدة عناصر لاغني عنها وهي الظروف والأمة المتوثبة والقائد صاحب الرؤية ,ومن الضروري جدا النظر الى تجربة اوربا في احياء وتقوية دور الفرد واشعاره باهميته في صناعة الحدث وابراز دور كل الفئات حتى المهمشة او المسكوت عنها من اجل استكشاف طاقاتها وامكانياتها لما فيه خدمة المجتمع , فبمقابل الاولمبياد للاصحاء هنالك اولمبياد لذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك تنظيم فعاليات مثل حفل ملكة جمال الايدز وملكة جمال الاقزام و توسيع عدد المشمولين بجوائز الاوسكار لتشمل اغلب العاملين المميزين في صناعة الفيلم لكي لايحتكر النجومية والاضواء الممثلون النجوم وحتى عمال النظافة ينظر اليهم على انهم ابطال قوميون يؤدون خدمة للامة لا كما نفعل نحن في بلداننا حيث نستصغر قدر الاصحاء فما بالك بهذه الفئات ونقسم المجتمع الى طبقات وهمية بتراتبية ماانزل الله بها من سلطان , اننا بحاجة الى ثورة على افكارنا واسلوب ونمط تفكيرنا لنؤمن بانفسنا اولا قبل ان ننتظر من الاخرين ان يؤمنوا بنا وبقوتنا.
أقرأ ايضاً
- المجتهدون والعوام
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء