ربما ينفرد مشهد الطفولة العراقية بشيء يعكس بعض صفات المشهد العراقي العام وهذا \"الانفراد\" يتجلى للعيان كظاهرة ملفتة للنظر ومثيرة للجدل في آن واحد ، في كل عيد من اعيادنا التي يقتنص فيها العراقيون لحظات من الفرح والسعادة وسط ظروف قاهرة قلما مر بها شعب من الشعوب إلا وخرج منها مثخنا بالجراح العسيرة عن الاندمال ، وهذه الظاهرة هي انتشار الالعاب التي يقتنيها الاطفال (بكافة اعمارهم) والمراهقون اليافعون ، العاب تبدأ من المفرقعات ولاتنتهي بالاسلحة الرشاشة والدبابات والمسدسات التي تطلق ما يثير الفزع في نفوس الصغار والكبار على حد سواء وتسبب بالكثير من الاصابات وبعضها خطير جدا والبعض الآخر يتسبب في عوق مستمر للطفل سيما ان كانت الاصابة في مناطق حساسة جدا مثل الرأس والعين ، ومن المؤسف والمثير للأسى ان تمتلئ المستشفيات في الاعياد بفلذات اكبادنا من جراء الاصابة بتلك الالعاب التي تتشارك في مسؤولية انتشارها الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني فضلا عن السلطة الرابعة ووسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية ويأتي دور الاسرة باعتبارها الحاضن الاول للطفل والمسؤول المباشر عن تربيته فلابد من سن التشريعات والقوانين التي تنظم عملية الاستيراد بشكل عام وليس العاب الاسلحة والمفرقعات فقط كما حصل في عملية استيراد الفواكه والخضر التي حصلت في الماضي بصورة عشوائية وماتزال آثارها السلبية ماثلة للعيان ، وتفعيل عمل الجهات التنفيذية واعطاؤها الصلاحيات اللازمة لذلك فضلا عن تفعيل العقوبات الرادعة ان حصل خرق ما كونه يخص جيل المستقبل .
المشكلة لا تكمن فقط في استعمال تلك الالعاب وما تسببه من اضرار على نفسية (الجانب السايكلوجي) الاطفال او على ابدانهم (الجانب الصحي) وانما تكمن في ان هذه الظاهرة تعتبر امتدادا لنموذج المجتمع المعسكَر (عسكرة المجتمع) الذي ارست الديكتاتوريات المتعاقبة دعائمه ورسخت جذوره السايكلوجية وابعاده الاجتماعية في النسيج المجتمعي العراقي لاسباب ايديولوجية وسياسية وحزبوية بحتة في محاولة من تلك الديكتاتوريات لزعزعة الاستقرار المجتمعي والسلم الاهلي وتفتيت النسيج المجتمعي العراقي لغرض السيطرة عليه من جهة ومن جهة اخرى لغرض ادلجة المجتمع من خلال عسكرته بما يتلاءم مع توجهات تلك الديكتاتوريات ..
والمشكلة الثانية تكمن في ان الاسلحة \"الحقيقية\" تغزو البيوت العراقية ولاسباب شتى منها الاحتقانات السياسية والطائفية والعرقية ومنها الاجتماعية والعشائرية، والخوف يبدو اكثر جلاء حين تمتد ايادي الاطفال والمراهقين حين يكبرون الى ممارسة \"هواياتهم\" العفوية والبريئة بصورة حقيقية مادامت تلك الاسلحة متوفرة وفي متناول اليد ولان العامل السايكلوجي قد لعب دوره في مرحلة البلوغ وصار استخدام اي سلاح شيئا مبررا نفسيا واجتماعيا ولا يوجد اي رادع يحد من هذا الاستخدام ابتداء من الاسرة وانتهاء بدور السلطات المعنية التي يقع على عاتقها حماية المجتمع واستقراره .
والشيء الملفت للنظر ان اغلب هؤلاء الاطفال والمراهقين يتعاملون مع هذه الالعاب المسلحة بشيء من \"الحرفية\" محاكاة منهم وتقليدا لما يرونه من افلام ومسلسلات في الفضائيات التي تبث عبر الاثير الكثير منها وبكل ماتحتوي من مشاهد الدم والقتل والتدمير يرافقها المشاهد الاباحية التي تتزامن كلاسيكيا مع مشاهد القتل بامتزاج فكرتي القتل والتدمير مع الجنس بطرح مقصود ولاسباب لم تعد خافية عن احد وكلها تؤدي الى زرع العداوات بين الاطفال وبث الرعب في نفس الاطفال الاصغر سنا فضلا عن ايذاء الحيوانات (للتنفيس عن عدوانية مكبوتة) من خلال التطبيق العملي لتلك الالعاب التي تذهب اجزاء كبيرة من العملة الصعبة الى الخارج والتي يكون البلد في أمسِّ اليها ، لغرض استيرادها من قبل بعض التجار الذين لا همَّ لهم سوى الربح باية طريقة كانت وإن كانت على حساب براءة الطفولة ومنظومة القيم الاجتماعية التي يتحلى بها المجتمع العراقي الرصين وعلى حساب اهدار العملة الصعبة وتبذير السيولة النقدية الوطنية في استيراد واستهلاك مايضر الامن المجتمعي وحتى السلم الاهلي باعتبار ان هذه اللعب قد تكون نواة في المستقبل لممارسات اكثر خطورة إما بولوج عالم الجريمة او التورط بالاعمال الارهابية ، فالمسؤولية اذن هي مشتركة مابين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والجهات الامنية والاعلامية وقبل كل شيء تقع المسؤولية المباشرة على الاسرة التي ان صلحت صلح معها المجتمع ومعه الدولة .
أقرأ ايضاً
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر