
مع تجاوز عدد سكان العراق الـ46 مليون نسمة، تتصاعد المخاوف من تأثير هذه الزيادة السكانية على الاقتصاد، وفيما يؤكد خبراء أن تأمين فرص العمل لملايين الشباب الذين سيدخلون السوق قريبا، بحسب ما أكدت بيانات التعداد السكاني، فإن هذا الأمر يتطلب تحركا عاجلا نحو تعزيز القطاع الخاص وإنشاء مدن صناعية وأسواق شعبية جديدة.
وأظهرت نتائج التعداد الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط، أن نسبة السكان النشطين اقتصاديا (15 سنة فأكثر) بلغت نحو 41.61 بالمئة من إجمالي السكان، بالمقابل كشف التعداد عن قرب دخول نحو ربع السكان بنسبة 25 بالمئة إلى سوق العمل خلال السنوات المقبلة، وهي الفئة ما دون 14 عاما، ما دون وهو ما يثير تساؤلات عن إمكانية الحصول على فرص عمل، في ظل الاقتصاد الريعي.
وحول هذا الأمر، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، مصطفى حنتوش، إن “الفئة العاملة التي تقدر بأكثر من 23 مليون نسمة تتوزع بين القطاع الحكومي بنسبة 38 بالمئة والقطاع الخاص بنسبة 62 بالمئة”.
ويضيف حنتوش، أن “هذا التوزيع يعتبر مهما جدا لأن أغلب الموارد في الدولة توجه نحو القطاع الحكومي، بينما يستحوذ القطاع الخاص على النسبة الأكبر من القوى العاملة”، مشيرا إلى أن “المرحلة القادمة ستشهد دخول نسبة ليست بالقليلة إلى سوق العمل سنويا، ما يتطلب التفكير الجاد في وجهة هذه الأعداد، سواء نحو القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، الذي يحتاج إلى بنية تحتية قوية لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة، بما في ذلك إنشاء أسواق شعبية جديدة ومدن صناعية وطرق استثمارية”.
يشار إلى أن 9.5 ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة (موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية)، وهو ما قد يشكل نسبة 23% من سكان العراق، حسب بيانات وزارة التخطيط.
ويعود إقبال المواطنين على الوظائف الحكومية، بحسب معنيين، لأسباب عديدة، منها تفشي البطالة وعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاص أو قانون ينظم عمله، إضافة إلى الراتب التقاعدي الذي تضمنه الحكومة للموظفين، والرواتب المجزية التي كان يتقاضاها الموظفون.
من جانبه، يرى عضو غرفة تجارة بغداد، علي الذهبي، أن “العراق بحاجة ماسة إلى تشجيع المصانع والورشات والأعمال الحرفية، بالإضافة إلى تعزيز دور المعاهد التقنية والإدارية التي تساهم في تأهيل الكوادر المتخصصة في مختلف المجالات”.
ويتابع الذهبي، أن “المعاهد التقنية والإدارية تلعب دورا محوريا في تطوير المهارات المهنية للشباب، حيث تقدم برامج تعليمية وتدريبية تشمل مجالات مثل التصميم، والبرمجة، والتجميل (الكوافير)، والإدارة، والمحاسبة، والصيانة، والعديد من المهن الفنية والحرفية”.
ويعاني القطاع الصناعي في العراق من تراجع مستمر بسبب السياسات والإجراءات الفاشلة المتبعة والتي اضعفت تطور القطاع الصناعي بمختلف فروعه، فضلا عن إغراق السوق العراقية بالسلع المختلفة المستوردة من الخارج والتي تتمتع بميزات تنافسية أفضل من السلع المحلية، مما ادى الى تهميش وتعطيل الكثير من الصناعات المحلية بما فيها المتوسطة والصغيرة.
ويمتلك العراق اكثر من 25 الف مصنع ومعمل قائمة، الا ان المتوقفة منها اكثر من 20 الف مصنع ومعمل، وفي صورة تعكس مدى حجم القطاع الصناعي في العراق، فأن المعامل الصغيرة تشكل قرابة 90% من اجمالي المصانع والمعامل التي يمتلكها، في نسبة تعكس مدى ضعف الصناعة العراقية وهيمنة الصناعات التحويلية بدلا من الستراتيجية والثقيلة.
وبحسب وزير التخطيط العراقي، محمد تميم، فإن العراق تمكن للمرة الأولى منذ نحو أربعة عقود من تنفيذ تعداد سكاني إلكتروني يمنح القدرة على تشخيص الفجوات التنموية على مستوى أصغر وحدة إدارية، ويضمن العدالة في توزيع الموارد بين المحافظات، كما يرسم خريطة دقيقة للواقع الديمغرافي في البلاد.
وأجري التعداد السكاني العام في العراق وإقليم كردستان في الفترة من 20 إلى 22 تشرين الثاني 2024، حيث تم تسجيل البيانات الأساسية للأسر، فيما استمرت المرحلة الأخيرة حتى 10 كانون الأول 2024، متضمنةً معلومات تفصيلية عبر 70 سؤالاً وجهتها الفرق المختصة إلى المواطنين.
وشهد العراق آخر تعداد عام للسكان شمل جميع محافظاته سنة 1987، ورغم أن البلد أجرى تعدادا آخر للسكان في 1997، إلا أنه لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة في عهد النظام السابق.
وكانت وزارة التخطيط، أعلنت في وقت سابق من اليوم الأربعاء، نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في البلاد بالتعاون مع اقليم كردستان، مشيرة الى تراجع نسبة الفقر لـ17.5% عما كانت عليه عام 2018 حيث بلغت حينها 20.05%.
وكان رئيس مؤسسة “عراق المستقبل” للدراسات والاستشارات الاقتصادية منار العبيدي، أكد في 23 كانون الثاني الماضي، أن ضعف القدرات الشخصية، العلمية، والعملية للباحثين عن العمل وراء تصاعد عمليات البطالة في العراق وانتشار العمالة الأجنبية.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي علاء الفهد، أن “المرحلة الحالية تتطلب تغييراً جذرياً في البرامج الحكومية وتعديل الخطط المستقبلية بناء على المؤشرات الدقيقة التي أظهرتها نتائج التعداد السكاني الأخيرة”.
ويؤكد الفهد، أن “وجود هذه الإحصائيات اليوم يعني انتهاء عصر المفاجآت في التخطيط الحكومي، حيث بات بالإمكان تقسيم التخصيصات المالية بدقة وتحديد نسب الحرمان والسكان وفقًا لمؤشرات واضحة”.
ويلفت إلى أن “هذه المؤشرات تشكل قاعدة رصينة لوضع خطط استراتيجية مستقبلية تستند إلى كل نسبة ظهرت في الإحصائيات”، مبينا أن “الدور الأساسي هنا يقع على عاتق وزارة التخطيط والمحافظات لتنسيق الجهود مع الخبراء والمتخصصين والجامعات والمراكز البحثية”.
ومنذ سنوات عديدة، برزت ظاهرة العمالة الوافدة في العراق، وشملت كافة القطاعات، لاسيما وأن أغلب العمالة كانت من بنغلادش، فيما أصبحت مؤخرا من سوريا ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت البلدين، وتركزت هذه العمالة في المطاعم والفنادق والنوادي الليلة أيضا.
وتتضارب الأرقام الرسمية بشأن عدد العمال الأجانب، ففيما أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في 2024، أن عددهم 4 آلاف عامل فقط، كشف وزير العمل السابق باسم عبد الزمان في عام 2019 أن عدد العمال الأجانب بلغ 750 ألفا، لكن بحسب لجنة العمل والشؤون الاجتماعية السابقة في البرلمان فأن هناك نحو 1.5 مليون عامل أجنبي في العراق.
يذكر أن أغلب هذه العمالة الأجنبية تدخل البلد بطرق غير شرعية تصل الى 95 بالمائة، لتجنب السياقات القانونية في العراق وتجديد الإقامة، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- فيها (190 ) الف مصدر مع (15) مليون مصدر الكتروني.. لماذا توجد كتب مسلم والبخاري وابن تيمية في مكتبة العتبة الحسينية بكربلاء؟
- "غياب الرغبة" و"الجدية" يدفعان نحو الإبقاء على "قانون الانتخابات" دون تعديل
- المصارف العراقية وواشنطن.. هل ستؤدي "المصالح الحزبية" لأزمة كبيرة؟