يصحو العراقيون بين مدة وأخرى على جريمة ترتبط بالعنف ضد الأطفال على أيدي ذويهم، ومع ازدياد هذه الحالات عن حدها لأسباب اجتماعية ونفسية واقتصادية، تتعالى المناشدات بضرورة تشريع قانون لحماية الطفل من العنف الأسري الذي يصل أحيانا إلى حد القتل.
وتؤدي حالات العنف ضد الأطفال في كثير من الأحيان إلى زجهم في الشارع للعمل وترك دراستهم، ما يفقدهم براءتهم في سن مبكرة وجعلهم عرضة للتحرش أو الاستغلال، أو ضحية لعمليات الاتجار بالبشر.
ويقول سداد الربيعي (38 عاما) وهو مواطن من أطراف بغداد، إن “أحد أقاربي منتسب في الجيش العراقي وهو يعنف ابنه البالغ من العمر 12 عاما بشكل قاس جدا، وفي آخر مرة فقد الطفل وعيه لثلاثة أيام متتالية، وما يزال راقدا في المستشفى بسبب تأثر دماغه نتيجة للعنف الذي لاقاه من والده”.
ويضيف أن “قريبي يتعاطى الحبوب المخدرة ومؤخرا بدأت تظهر على سلوكياته تصرفات غريبة، فهو تارة يضحك بشدة، وفجأة يبكي دون أي سبب نتيجة لكثرة الحبوب المخدرة التي يتعاطاها”.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، شهد العراق الكثير من حالات عنف ضد الأطفال من قبل ذويهم، وكانت هناك جرائم قد صورت ورصدت بالكاميرات، ما حولها لقضية رأي عام، فضلا عن انتشار عشرات مقاطع الفيديو لتعذيب آباء لأطفالهم، وفي كل هذه الحالات اتخذت الأجهزة القضائية والأمنية الإجراءات اللازمة بحق مرتكبيها.
من جانبه، يوضح الباحث في علم النفس، التدريسي أحمد الذهبي، أن “الآباء الذين يعنفون أطفالهم لا يستحقون اسم الأبوة، كونهم يرتكبون جرائم وحشية تحت شعار تأديب أطفالهم بسبب خلل في العلاقة الأسرية واضطراب نفسي”.
ويشير إلى أن “ظاهرة ضرب الأطفال الصغار انتشرت مؤخرا، ولذا بات مجتمعنا بحاجة إلى تربية الآباء قبل الأبناء، الذين هم أقدس أمانة وضعت بأيدينا، فكل الديانات حثت على بر الآباء والأبناء بشكل عام، إلا أننا ومع كل الأسف نشهد إيذاء جسديا ونفسيا للعديد من الأطفال دون أي مبرر”.
ويتابع “تصنف هذه الحالات في الطب النفسي ضمن الاضطرابات النفسية، والتي تتمثل بإلحاق إصابات جسدية وعاطفية في أجساد ونفوس الأطفال والاضرار باحترام الطفل، من خلال السب والشتم والتحقير، وهناك نحو تسع كلمات من شأنها تدمير الطفل أكثر من ضربه”.
ويستدرك الذهبي “انعكاسات العنف ضد الأطفال تولد لديهم عزلة اجتماعية وأعراضا كثيرة منها التغيرات السلوكية مثل الغضب والعدوان والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس ومشكلات كثيرة في النوم إضافة إلى السلوك الثائر، وهذا يجعل الآباء يصدرون للمجتمع أبناء مضطربين نفسيا وربما يكونون معولا لهدم هذا المجتمع وليس لبنائه”.
يشار إلى أن العضو السابق في المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق أنس العزاوي، أكد في تصريح سابق، أن الطفل العراقي لكي يتمتع بالحقوق الدستورية الأساسية يحتاج إلى تشريع قانون حماية حقوق الطفل ومناهضة العنف الأسري، وتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، وتعديل الأنظمة والتعليمات الخاصة بالطفل في المؤسسات الحكومية، وتعديل النصوص العقابية الخاصة بالأطفال والأحداث بقانون العقوبات العراقي.
بدوره، يؤكد عضو اللجنة القانونية النيابية عارف الحمامي، أن “قانون حماية الطفل غير متفق عليه وهناك اعتراضات كثيرة ضده طيلة الدورات النيابية السابقة، ولا اتفاق على تمريره الآن”.
ويبين أن “العديد من النواب يرون أن حالات العنف الأسري ضد الأطفال نادرة وقليلة جدا، وأن تشريع القانون فيه العديد من السلوكيات غير الملائمة لمجتمعنا والتي تعطي مبررا للقاصرين في الخروج من المنزل بلا رقابة ولا محاسبة”.
ويرى الحمامي، أن “إعطاء مسوغ قانوني للأطفال والمراهقين أمر غير صحي، خاصة وأننا في دولة ذات عادات وتقاليد قديمة ولسنا في دولة غربية، ومن غير الممكن أن قانونا نجح في دولة ما أن ينجح أيضا في دولة أخرى”.
ومنذ العام 2002، حثت منظمة العمل الدولية المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لإلغاء وحظر عمل الأطفال بأي شكل من الأشكال، كما وضعت مجموعة من المعايير عام 1999 لتسريع جهودها للقضاء على عمالة الأطفال والاتجار بالبشر من أي نوع.
من جهته، يشرح الخبير القانوني علي التميمي، أن “وجود المادة 41 من قانون العقوبات العراقي التي تتيح للآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، وهو نص فضفاض يساء استخدامه ويجعل أي محكمة مقيدة في مساءلة من ذكروا أعلاه”.
ويؤكد أن “هناك مواد أخرى في قانون العقوبات تمايز بين الرجل والمرأة منها المادة 377 والتي تتعلق بالخيانة الزوجية والتي تعاقب الزوجة إذا زنت سواء داخل المنزل أو خارجه، في حين أن الزوج لا تتم مساءلته إلا إذا زنا في المنزل، وكذلك المادة 409 التي أوقعت عقوبة بسيطة في حالة غسل العار على الزوج وتشددت على الزوجة”.
ويشير التميمي إلى أن “هذه الجرائم تخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان ولهذا أصبحت الحاجة ملحة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري كما فعل إقليم كردستان وشرع هذا القانون”.
هذا ونشرت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى، إحصائية عن معدلات العنف الأسري فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022، والتي بينت أنها سجلت 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى.
أقرأ ايضاً
- الإضراب يتسع.. أزمة رواتب الإقليم تتفاقم والحلول "ضائعة"
- الإضراب يتسع.. أزمة رواتب الإقليم تتفاقم والحلول "ضائعة"
- الصحة: نمنح الدم مجاناً لعدد من الحالات المرضية ومواطنون: ربما نشتري دمائنا