اتخذت التظاهرات في إقليم كردستان منحنى جديد، فالإضراب لم يعد يقتصر على الكوادر التربوية والتدريسية بل شمل دوائر خدمية تتعلق بحياة المواطنين، فعندما تتجول في دوائر السليمانية وحلبجة لا تجد سوى ربع الكادر الوظيفي، بسبب الإضراب، نتيجة لعدم صرف الموظفين منذ عدة أشهر.
ففي العام 2023 لم يتسلم الموظف الكردي سوى 9 رواتب من مجموع 12 راتبا، فيما قامت حكومة الإقليم بإدخار الرواتب المتبقية "إجبارياً".
وفي السليمانية بدأت دوائر كُتاب العدول والكهرباء والصحة والتسجيل العقاري والمرور بالإضراب عن العمل لحين صرف رواتبهم المتأخرة.
وبهذا الصدد، يكشف مصدر سياسي مطلع، عن "قيام إدارات التربية والمدارس في السليمانية وحلبجة وأطرافهما بتهديد المعلمين والمدرسين بالفصل من الوظيفة في حال لم يلتحقوا بدوامهم ويكملوا العام الدراسي الحالي".
ويشير إلى أن "الاتحاد الوطني الكردستاني ونتيجة لحاجته إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وخاصة في كركوك من أجل الدخول معه بتحالف مشترك كي يتمكن من تشكيل الحكومة المحلية وتسمية المحافظ هناك، بدأ بالتقارب معه".
ويوضح ان "أولى بوادر هذا التقارب تتمثل في إعادة الدوام في مدارس السليمانية، لكون استمرار تعطل الدراسة يسبب حرجاً كبيراً لمسرور بارزاني رئيس إقليم كردستان. كما أن الاتحاد الوطني بدأ يبث للرأي العام والمواطنين في السليمانية أن السبب الرئيسي وراء تأخر صرف الرواتب يعود إلى بغداد، وكف عن مهاجمة الحزب الديمقراطي في وسائل الإعلام التابعة له".
وقبل أيام عاد طلبة المدارس في السليمانية للدوام، بعد انقطاع لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب إضراب الكوادر التربوية، الذين يطالبون بصرف رواتبهم وإعادة العمل بقانون "العلاوات والترفيعات الوظيفية".
وفي دهوك وأربيل، أكمل الطلبة فصلهم الدراسي الأول، فيما بدأ طلبة السليمانية عامهم الدراسي قبل أسبوع، وسط طريق مجهول للعام الدراسي الحالي، وكيف سيمضي.
يشار إلى أن الكوادر التدريسية في السليمانية أعلنت مع بدأ العام الدراسي الحالي الإضراب عن الدوام احتجاجا على عدم صرف رواتبهم المتأخرة منذ عدة أشهر، ونظموا تظاهرات واحتجاجات استمرت لعدة أيام، وعلى إثر ذلك قامت السلطات المحلية بمعاقبة واعتقال العديد من المحتجين.
غير أن عضو الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، ينفي، أن "يكون هناك اتفاق بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي على إعادة الدراسة في السليمانية".
ويؤكد أن "الاتحاد الوطني كان وما زال داعماً للحريات ولحقوق المواطنين، ونحن مع مطالبهم، وهم أصحاب حق، كونهم يريدون رواتبهم كي يعيشوا بها ويتمكنوا من مواجهة ظروف الحياة الصعبة".
ويضيف "حتى الآن لم يحدث أي تضييق على المتظاهرين أو منعهم، وفي كل يوم أحد، يخرج الآلاف من الموظفين في احتجاجات ويوصلون رسالتهم بشكل طبيعي، دون أي مضايقة".
ويلفت فقي إلى أن "الاتحاد الوطني أوصل رسالة المتظاهرين إلى الحكومة الاتحادية وكان داعما ومساندا لهم، ولكن ما نخشاه هو استغلال التظاهرات من قبل المندسين أو من قبل الجهات السياسية التي تحاول الصعود على أكتاف معاناة الناس".
ويشدد على "عدم وجود أي ربط بين تشكيل الحكومة المحلية في كركوك وقضية التظاهرات وعودة الدوام في السليمانية"، محذراً من "ضياع العام الدراسي على طلبة المدينة، خاصة وأن الدوام مستمر في أربيل ودهوك بصورة طبيعية".
ويوم الاثنين الماضي، أعلن مجلس المعلمين المحتجين في السليمانية، أن الأسبوع المقبل سيشهد نقل تظاهراتهم من محافظة السليمانية إلى أربيل مقر إقامة حكومة إقليم كردستان، وتحديدا أمام مبنى مجلس وزراء حكومة الإقليم، بهدف المطالبة بنقل قوائم الموظفين للحكومة الاتحادية، لغرض صرف رواتب الموظفين من قبل بغداد.
بدوره يقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صباح حسن، -نائب سابق في برلمان إقليم كردستان-، إن "سبب تأخر صرف الرواتب لا تتحمله حكومة الإقليم إطلاقاً".
ويضيف أن "الحزب الديمقراطي وقف مع المواطنين وهو يساند مطالبهم، ولكن عليهم أن يتظاهروا ضد الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي في بغداد الذين يقومون بتعطيل إرسال الموازنة وحصة الإقليم".
ويرفض حسن الاتهامات بأي "محاولة لقمع الاحتجاجات وإنهاء الإضرابات بالاتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن هناك جهات سياسية تريد استغلال التظاهرات تحت ذريعة المعارضة لحكومة الإقليم، وهم يعرفون من السبب الرئيسي وراء تأخر صرف الرواتب".
ويتابع "طيلة مدة تصدير إقليم كردستان للنفط، لم تكن الرواتب تشهد تأخيراً أو ادخاراً أو استقطاعاً، ولكن منذ إيقاف التصدير بقرار محكمة باريس في شهر آذار من العام الماضي، بدأت الأزمة المالية".
ويختم بالقول إن "على الحكومة الاتحادية إرسال رواتب الموظفين وحصة الإقليم من الموازنة، كون حكومة كردستان قدمت كل البيانات والإحصائيات والأرقام التي طلبتها بغداد، ولم تبق حجة لهم".
وكانت محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس قد أصدرت في آذار 2023 قراراً في قضية تصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا، واعتبرت أن شركة تسويق النفط العراقية "سومو" هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة عمليات التصدير عبر ميناء جيهان التركي.
غير أن حكومة إقليم كردستان شرعت بما يسمى "الادخار الإجباري" على رواتب الموظفين في 15 آب 2015 واستمرت على هذا المنوال حتى كانون الأول 2022، تحت عنوان فيما أطلق عليه في حينها من قبل حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي "التقشف" لمواجهة الحرب على تنظيم داعش.
من جانبه، يشرح أوميد محمد سعيد، وهو معلم في إحدى مدارس السليمانية، وأيضا مشارك في الاحتجاجات الأسبوعية، أنه تلقى اتصالاً من مدير مدرسته يهدده بالفصل إن لم يعد للدوام في مدة أقصاها حتى السابع من الشهر المقبل.
ويرى سعيد أن "هناك اضطهادا يمارس ضد الكوادر التربوية، فحكومة الإقليم أوقفت الترفيعات والعلاوات منذ عام 2015، وهي اليوم تحاربهم بتأخير صرف الرواتب وإدخارها، دون سند قانوني".
ويلفت إلى أن "المئات من المعلمين والمدرسين عادوا للدوام وهم لا يمتلكون أجرة النقل التي توصلهم إلى مدارسهم، وقد عادوا تحت التهديد، وخوفا على مصير وظائفهم كونها مصدر رزقهم الوحيد".
ويؤكد سعيد "في الوقت الحالي لا توجد أي سبل للحياة في كردستان، فالأسواق مشلولة، كما أن الجانب التعليمي منهار، فحتى لو استمر الدوام حتى نهاية العام الحالي، فلن نستطيع إكمال المنهاج الدراسي، وحكومة الإقليم وأحزاب السلطة الحاكمة، هي المسؤولة عما يجري".
ومضى 50 يوماً على آخر راتبه تسلمه الموظفين في إقليم كردستان، وكان راتب شهر أيلول من العام 2023، فيما أعلنت وزارة المالية في حكومة الإقليم عن ادخار رواتب، أشهر تشرين الأول، وتشرين الثاني، وكانون الأول، من العام الماضي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"