لو سألتَ أي أم في مختلف أرجاء العالم عن اسعد لحظة مررت بها فسترد عليك وبدون تردد، لحظة سماعها أول صرخة لطفلها بعد المخاض ولو حضرتَ تلك اللحظة لقرأت في وجه الأم تعابيرا يعجز القلم عن وصفها، فرغم تجربة المخاض القاسية ورغم آلامه التي لا تطاق، تنسى الأم وبلحظة واحدة كل ما مرت به وتنتبه الى أجمل لحن في الدنيا، صوت صراخ وليدها الحبيب، تسأل الطبيب بلهفه ان كان صغيرها يشكو شيئا، تتلقفه بحنان، تشمه مغمضة العينين لتشم فيه أجمل عطر في الكون فتقبله لتنتشي، ثم تشكر طبيبتها والممرضة، كونهما سعتا في ولادة أملها وأحب مخلوق اليها، ثم ما ان يتلقف بفمه الصغير ثديها حتى تتساقط دموعها مدرارا تردد في قلبها دعاء خفيا ربي اطل عمري لأجل هذا المخلوق العاجز الصغير..

ولكن ولأسباب قاهره لا تحددها إلا المرأة الأم نفسها، تضطر المرأة الى إسقاط هذا الطفل، وفي حدود معرفتها القاصرة عن إدراك المخاطر الجمة التي تنتظرها، وهذا النوع من الإجهاض يطلق عليه الإجهاض الجنائي أو المفتعل، تذهب الأم الى القابلة لإسقاط الجنين، أو قد تلجأ الى استعمال العقاقير الطبية التي لها تأثير سلبي على الحمل، أو استعمال العقاقير التي تسبب الإسهال الشديد مما يؤدي الى تقلصات شديدة في الرحم قد تؤدي الى الإجهاض .

ويُجمعن أطباء النساء والتوليد من خلال لقاءات أجراها موقع نون الخبري على إن \"الإجهاض حق للنساء اللائي يهدد الحمل صحتهن أو ممن حملن بطريقة غير شرعية وان عدم الإجهاض يعد جريمة\"، كما يؤكدنَ إن \"من مضاعفات الإجهاض المتعمد أو الجنائي حدوث صدمه عصبيه لدى الأم نتيجة لاجتهاداتها الغير صحية والتي قد تؤدي الى العقم مستقبلا\". موصيات أن تكون عمليات الإجهاض في المستشفيات الحكومية ليتسنى العمل على إنقاذ حياة المرأة\"..

أما علماء الشريعة هل اجمعوا على إن الإجهاض لا يجوز بعد الشهر الرابع ويجوز فيما قبله، وهل في حال زنا المحارم يرجح القول بإباحة الإجهاض قبل نفخ الروح فيه، أم لا؟ أسئلة تترى وغيرها وضعناها أمام رأي الفقهاء.

ويوضح (الشيخ حيدر الخفاجي) لموقع نون إن \"الإسلام يرى حرمة الإجهاض بعد الأربعة أشهر، أما قبل ولوج الروح إذا كان بقاء الجنين ضرر أو حرج على الأم جاز لها الإجهاض وإما بعده فلا يجوز حتى في حالة الضرر والحرج على الأحوط وجوباً\"، مضيفا إنه \"في حال زنا المحارم يكون الإجهاض غير جائز حتى لو كان عمر البويضة المخصبة يوماً واحداً أو ساعة ً\"، كما أشار الى مسألة منع الحمل بأنها \"جائزة؛ وإنما المحرم هو قتل أو إنزال الجنين أو البويضة المخصبة\"..

ويرى الخفاجي إن \"الحكم الشرعي للنساء اللاتي يجهضن أنفسهن بناءً على أساءتهن لمفهوم الحياة، وأن القدر قد تعرض لها في مسألة الإنجاب فتجدها تخشى باستمرار على سلامة مظهرها وبدنها ورشاقتها، فليتقينَّ الله من عاقبة ذلك على أبدانهن في الدنيا والآخرة\"، مؤكدا إن \"الديانات قد حرمت الإجهاض وأوجبت عليه الدية وعباد الله عليهم الطاعة ما داموا عبيدا له والحكمة من ذلك قد تكون حفظ حرمة الإنسان حتى في مراحله المتقدمة\"..

الفقهاء اختلفوا في مسألة الإجهاض قبل نفخ الروح فمنهم من يرى الإباحة وبعضهم يرى انه مكروه ومنهم من يرى الحرمة، أما القول بعدم إباحة الإجهاض قد يؤدي إلى مشكلات في النسب فيقول أغلبية الفقهاء إن هذا الخوف لا يحل الإجهاض بعد نفخ الروح اذ انه من الزنا فلا ينسب الى قريبه على الراجح من أقوال الفقهاء بل إن الإبقاء على حياته سد لجريمة الزنا وان مثل هذا يثمر مواليد في براميل النفايات.

حرمتْ الأديان الإجهاض باعتباره قتل متعمد، وأجازته اليهودية، قبل الشهر الثالث، وبعض المذاهب الإسلامية أجازته قبل مرور أربعين يوما على انقطاع الطمث أي قبل ان تخلق فيه الروح، وكان السبب الرئيسي في التحريم هو الحفاظ على حياة الأم لخطورة النتائج التي قد تؤدي الى موت الأم في معظم الأحيان..

لماذا تختار المرأة الإجهاض؟ أسباب وراء قرار الإجهاض

الآن ونحن نعيش عصر التقدم الطبي السريع الذي يكفل للام السلامة التامة في عمليات الإجهاض فتتم في المستشفيات وتحت إشراف طاقم طبي بنجاح، حيث التعقيم والنظافة واستعمال التخدير لمنع تعرض الأم للصدمة عند استعمال الأجهزة الطبية، وحيث تتم عملية الإجهاض دون خوف وتكتم كما هو الحال في الإجهاض السري الذي تقوم به القابلة المأذونة..

على أثر ذلك تطالب الدكتورة (علياء العميدي) إن \"يكون الإجهاض مباحا في المستشفيات الحكومية، لأجل إنقاذ حياة النساء اللواتي يقتلن بسبب الإهمال والتقصير\"، موضحةً إن \"وزارة الصحة المسؤول الأول عن حياة هذه الأعداد الغفيرة من النساء والأحرى بها أن تقدم برامج أنجح تعمل على رعاية الحوامل كذلك توفر ندوات تثقيفية تعمل على الجانب النفسي\".

وأشارت العميدي الى جملة من الإرشادات الصحية تلافيا للإجهاض فتقول: \"هناك بعض الملاحظات للوقاية من حدوث الإجهاض للحامل، منها الاهتمام بالإرشادات الطبية ومتابعة للحمل، وتجنب النيكوتين والكحوليات أثناء فترة الحمل، وتجنب الكافيين (القهوة، الشاي، الكولا) مع السيطرة على ارتفاع ضغط الدم والسكر والعلاج السريع لأي التهابات بكتيرية أو فيروسية\"..

فيما أكدت الباحثة الاجتماعية (بيداء رعد حميد) لموقع نون على \"مسألة ضعف الوعي الثقافي للمرأة، وإنها تستغل مفهوم حقوق المرأة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات\"، مضيفة إن \" الأم لجأت للإجهاض لفقدانها الزوج نتيجة الحروب الطاحنة وقلة سبل العيش، فرغم مسؤوليتها عن إعالة عدة أطفال ترفض القادم الجديد رحمة به من حياة قلقة مضطربة تنقصها الطمأنينة وتفتقر الى كل خير وبر\".

وتتابع حميد إن \" الأم قد تلجأ الى الإجهاض لتحملها مسؤولية الانخراط في العمل لأجل إعالة أطفالها وترفض ان يقف هذا الطارق الجديد حجر عثرة في طريقها، فيمنع الخير عن إخوته ليفوز هو بقلب وعواطف الأم بصورة اكبر من إخوته لأنه لم ير وجه والده الراحل، فتحاول تعويض خسارته ضعفين، لذا يكون من الأفضل للجميع إجهاضه قبل فوات الأوان\".

الأولاد عزوة وزينة الحياة الدنيا..

{ما هو المنطق وراء إنهاء الحمل؟ وما هي الأسباب التي من شأنها الإنهاء؟ وما هي التحديات التي تواجه المرأة؟ وهل من ظروف اجتماعية واقتصادية تجعل الولادة وتربية الأطفال حديثي الولادة مهمة مستحيلة؟، أسئلة وضعناها في حقيبة تحقيقنا هذا لنسلط الأضواء على أهم الأسباب التي تدعو الأم لاختيار الإجهاض}

يرفض الأستاذ (عباس الخفاجي) مسألة الإجهاض المتعمد، مؤكدا أنه \"لا كلام يعلو على كلام الله عز وجل، ويستشهد بالآية الكريمة التي تنهي عن التخلص من الأبناء بداعي الفقر والعوز المادي لقوله تعالى عز وجل: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)..

ويشير الخفاجي، أن \"الإجهاض حرام شرعاً ولكن هنالك سبل أخرى من الممكن أن تكون حل أسهل جداً لتلافي الحمل وإزهاق الروح البريئة، لذا يجب أن تكون هناك حملات من وزارة الصحة ومنظمات المجتمع المدني لرفع وعي المرأة والعمل على تنميتها نفسيا وثقافيا سواء بمشاريع صغيرة أو محو أميتها أو بأي وسيلة للتنمية\".

وتشير الباحثة (جميلة الصفار) في حديثها مع موقع نون إن \"أقل من نصف المراهقات تحت سن 16 عاما يتخلصن من حملهن لأسباب منها عدم معرفتها بتدبير أمور الحياة أو لكونها لا ترغب في الإنجاب رعاية منها على قوامها وسبب آخر يعتبر هو الأكثر شيوعا وهو عدم الاستقرار المالي ولأن بعض الأمهات الحوامل كثيرا ما يصاحبها ارتفاع ضغط الدم أو تفتقر إلى الموارد الغذائية والرئيسية للمرأة الحامل فيلزمها بتغطية تكاليف مرتفعة وخاصة إذا لم يكن لديهم تأمين صحي\"، مضيفة إن \"غالبية النساء مع الحمل الغير مخطط له لا يعيشون مع شركائهم لأسباب عديدة، والعديد من النساء غير راغبة في اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة نظرا للأسباب منها عدم كفاية الموارد المالية، وعدم القدرة على رعاية الرضيع نظرا لاحتياجات الرعاية لأطفال آخرين أو أفراد الأسرة\"..

أسباب أخرى أشارت إليها الصفار بأنها ليست هي الأسباب الرئيسية للنساء اللاتي يخترن الإجهاض، ثم وصفتها بعبارات تعكس مخاوف ما قد تلعب دورا في التأثير على النساء لإنهاء حملهن، ومنها: أنا لا أريد المزيد من الأطفال أو انتهيت مع تربية الأطفال أنا لست مستعدة لأصبح الأم أو غير مستعدة لطفل آخر أنا لا أريد أن أعرف الآخرين عن حملي، هناك مشاكل مع حالتي الصحية الخاصة، أنا لا زلت صغيرة، حتى أتعرف أكثر على حياتي الزوجية\"

هذه الأسباب مع الأسباب المذكورة سابقا ما عدا الأسباب الصحية موقف الشرع منها بالحرمة بعد الأربعة أشهر وعدم جواز الإجهاض حتى لو كان عمر البويضة ساعةً واحدة في حال مراعاة المرأة لمظهرها وقوامها وباقي الأسباب التي يحكم عليها الباحثين بالفارغة، وبالرغم من ذلك وقناعة النساء أن الإجهاض على الرغم من إنه خيار صعب ومؤلم إلا أنه لا زال القرار الأفضل بالنسبةِ لأكثر الأمهات في الوقت الحاضر!.

التحقيق أجراه / حسين النعمة