صور لا تعد ولا تحصى يراها الناظر في مسيرة اربعينية الامام الحسين (عليه السلام) ، ومن ابرز تلك الصور هو سير الشيبة والرؤوس البيضاء من المسنين الذين تجاوزوا عتبة السبعين عاما او كثر من ذلك او وقفوا عندها، فتراهم رغم اجسادهم المتعبة او المريضة يحثون الخطى، وخاصة السائرين من البصرة الى كربلاء الشهادة، الذين يستمرون بالسير لاسبوعين بشكل متواصل، هؤلاء اكدوا ان اجسادهم تفعم بالحيوية والنشاط في ايام السير بالزيارة وتعاني من الامراض في باقي السنة.
من الهارثة
يسير عبد الكريم كامل "ابو علي" العسكري المتقاعد البالغ من العمر (68 عاما) من حي الرسالة في قضاء الهارثة الى كربلاء المقدسة بخطوات تحمل جسده المحمل بهموم السنين ويقول لوكالة نون الخبرية ان" مسيره المستمر الى كربلاء مضى عليه (15) عاما، وكنت اسير مع مجموعة من اصدقائي لكن تفرقنا وبقيت اسيرا وحيدا، ومنذ عقود مضت كنا نتعرض للرقابة الصارمة من النظام الزائل، فالمساجد والحسينيات والمواكب والبيوت مراقبة، وكنا نتعمد الذهاب الى اكثر من مسجد لاداء صلاة الجمعة مرة في جامع البدران في "كرمة علي"، واخرى في جامع بمنطقة "الابلة"، وثالثة في منطقة "العشار" للتخلص من الرقابة الامنية، وقد اعتقلت عناصر الامن اخي واودع في السجن وكان احد زبانية الامن يبلغني بشكل صريح انه يترصد لي على خطأ ليزجني بالسجن، وكنا في شهر محرم نقيم الشعائر بشكل ضيق داخل بيوتنا ونغلق باحكام الابواب والشبابيك، بل حتى الفتحات التي تكون تحت الابواب او أي نافذة، خشية سماع اصوات العزاء من قبل زبانية النظام المقبور، اما زيارتنا لابي عبد الله الحسين (عليه السلام) فلم نفارقها خاصة بعد ان قرأت قول الامام الصادق (عليه السلام) المأثور (من بات عند قبر الحسين (عليه السلام) ليلة عاشوراء لقي الله يوما القيامة ملطخا بدمه، كأنما قتل معه في عرصة كربلاء)، وكنا نخشى حتى ممن يريدون اطعامنا في الطريق، ونقلت هذا العشق الحسيني الى اولادي واحفادي، والسير الى كربلاء يتعب الجسد ويحيي الروح معنويا، لاسيما ان سيرنا الى كربلاء فيه مواساة للرسول الاكرم محمــد (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته الاطهار".
معاق ومسيرة
يعاني " محمـد شوقي البزوني" من الاعاقة والام المفاصل بعد ان اجرى عمليات جراحية وربط له "بلاتين" لكن يصر على السير الى كربلاء المقدسة ويقول لوكالة نون الخبرية ان" الحقبة الماضية كان فيها اداء الشعائر الحسينية محذورا، ولم اذهب سيرا على الاقدام الى كربلاء المقدسة الا مرة واحدة من النجف الاشرف وتوقفت لاستقل سيارة بعد ان شاهدت الانتشار الامني فيها، اما في البصرة فكنت احرص على حضور المحاضرات الدينية والمجالس الحسينية بحذر، وتقيم عائلتي مجالس العزاء الحسينية في بيتي، رغم التشديد الامني حينها، وحرصت على تربية اولادي الخمسة على نهج الحسين (عليه السلام)، وبعد ان زال الكابوس عن العراقيين، ورغم مرضي وجسدي الممتلئ بمادة "البلاتين" ، الا اني احرص منذ (15) عاما على السير من البصرة الى كربلاء الشهادة سنويا في الزيارة الاربعينية، واصحب زوجتي معي حرصا مني على التأسي بما جرى على الامام الحسين وعياله يوم العاشر من المحرم، وكنت ارى الناس تسير واتخوف من المضي معهم فاصبحت محطة للالتحاق بالمسيرة عند مشاركتي في الزيارة الاربعينية في العام (2009)، كوني معاقا منذ العام (1983)، وعندما اصل الى ضريح ابي عبد الله تختلط عندي مشاعر الفرح والحزن على سلامة الوصول ومصيبة الطف".
(72) عاما
يحرص الزائر "فاروق ابو ميثم" على المسير سنويا الى كربلاء المقدسة من قضاء الزبير رابطا الحزام الطبي على جسده ليعينه على تحمل مشقة المسير ويقول لوكالة نون الخبرية ان" عمري الآن بلغ (72) عاما ومنذ طفولتي تعلقت بقضية الامام الحسين (عليه السلام)، فكنا نصر على احياء الشعائر وحضور المجالس والمشاركة في مواكب اللطم رغم المضايقات الامنية، واكثر مشاركاتنا في مجالس داخل البيوت وبعدد محدود من المدعوين، وكان لنا موكب حسيني يحيي الشعائر بما يتاح له من مجال ولم نتخلى عن القضية الحسينية، ونذهب الى حسينية المربد ويأتون لزيارتنا احياء للشعائر الحسينية، ولان اجدادنا وآبائنا ربونا على هذا الطريق، ربينا ابنائنا واحفادنا عليه، فترى الان جميع افراد عائلاتنا من النساء والشباب والاطفال يشاركون بمختلف انواع الشعائر الرجالية والنسائية، وبعد زوال النظام المباد شاركت في المسير الى كربلاء المقدسة منذ العام (2009)، ورغم جسدي المنهك والعلل التي فيه مثل ضغط الدم واختلال التوازن والآم الظهر، الا ان العافية تتجدد فيه بمجرد عقد النية والسير من الزبير الى كربلاء المقدسة لمدة (13) يوما، ومن عائلاتنا يسير حوالي (20) شخصا من البصرة ولكن رغم ذلك افضل السير بمفردي دون تقيد مع احد، ولدي محطات "معازيب" في جميع المحافظات امكث وابيت عندهم لحين الوصول الى كربلاء الشهادة".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)
- محافظ البنك المركزي: لماذا يذهب أي طرف لشراء الدولار بسعر أعلى في حين يتوفر له السعر الرسمي
- مهندسون احترفوا التصوير... عدسات عربية توثق مسيرة الزيارة الاربعينية من البصرة الى كربلاء المقدسة (صور)