- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مشاركة المحكمة الاتحادية العليا في رسم السياسة العامة للدولة
إياس الساموك
قبل أيام انتهت الدورة النيابية الثالثة، وكما هو معروف للرأي العام، فقد شهدت تلك الدورة العديد من الأزمات بلغت اشدها بانشطار مجلس النواب إلى مجلسين، وكذلك تهديد وحدة الأراضي العراقية، ووسط تلك الخلافات والتجاذبات ظهر دور المحكمة الاتحادية العليا في تسويتها بوصفها الجهة القضائية الأعلى في البلاد المسؤولة عن حفظ دستورية وشرعية ما يصدر عن مؤسسات الدولة.
وقد مارست المحكمة الاتحادية العليا خلال السنوات الاربع الاخيرة دوراً محورياً وأسهمت في الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي، وقد تعدى ذلك إلى الجانب الأمني.
وكان بداية دور المحكمة الاتحادية العليا خلال الدورة النيابية الثالثة من خلال اختصاصها الدستوري في المصادقة على نتائج الانتخابات، وقد تفحصت اسماء الفائزين حيث قامت بتأجيل مصادقة البعض حتى حسم دعاوى مرفوعة بحقهم امام المحاكم المختصة، ورفض المصادقة على آخرين وذلك لاسباب دستورية وقانونية.
كما عززت المحكمة في الدورة الماضية موضوع الاختصاص التشريعي لمجلس النواب، من خلال تطبيق المادة (61) من الدستور، واستثناء حالات معينة يتوجب على مجلس النواب الرجوع فيها إلى الجهات ذات العلاقة عند تشريعه للقوانين، وهي القوانين ذات الجنبة المالية والمرتبطة بالسياسة العامة للدولة والفصل بين السلطات، وكذلك القوانين الخاصة بالسلطة القضائية الاتحادية، اما سواها فأن المجلس بإمكانه تشريع ما يشاء من قوانين بشرط موافقتها للدستور.
وأوضحت المحكمة الاتحادية العليا موضوع الآليات الرقابية لمجلس النواب في الاستجواب، وكذلك توجيه السؤال النيابي إلى المسؤولين في السلطة التنفيذية، ومفهوم الحصانة النيابية، واليات تعديل الدستور، ووضعت قواعد لهذه الاجراءات وفق السياقات الدستورية، وبهذا رسمت وسائل مبسّطة لممارسة الاختصاصات التشريعية والرقابية.
ولعل أبرز التحديات التي واجهت العراق تعلقت بالازمة التي نتجت عن انشطار مجلس النواب إلى مجلسين، وعجز الجميع عن تسوية تلك الازمة، وحينها قرّر المتخاصمون اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا التي أعادت في حكمها الحياة مجدداً إلى مجلس النواب موحداً والذي تعطل لمدة ليست بالقليلة.
كما عصفت بالبلاد ازمة اخرى كان اثرها قد يمتد إلى السلم المجتمعي، وهي استفتاء اقليم كردستان للانفصال عن العراق، وحكم هذا الصدد اكد على وحدة العراق وعدم جواز تجزئة أراضيه، وبعدم دستورية قرار الاستفتاء، وبهذا كرست المحكمة الاتحادية العليا المفهوم الدستوري الذي يؤمن سلامة الاراضي العراقية ووحدتها وضرورة الالتزام بما ورد في الدستور.
وإزاء محاولات تأجيل الانتخابات العامة، كان للمحكمة الاتحادية العليا كلمتها ايضاً، من خلال حكمها بضرورة التقيد بالمدد الدستورية المتعلقة بعمر الدورة النيابية على أنها اربع سنوات تقويمية تبدأ من انعقاد اول جلسة، وضرورة إجراء الانتخابات قبل (45) يوماً من انقضائها.
ورغم تشريع مجلس النواب ثلاثة تعديلات لقانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 خلال مدة قياسية، لجأ البعض للاعتراض على تلك التعديلات واحدة تلو الاخرى امام المحكمة الاتحادية العليا التي حسمت الطعون فيها وابقت على النصوص التي تتفق مع الدستور، وقضت بعدم دستورية مواد اخرى تعلقت بالمساس بحق المواطن في التصويت وعدم جواز الغاء نتائج شريحة بأسرها.
وعلى الجانب الاقتصادي، كان للمحكمة الاتحادية العليا دور مهم في ايضاح مفهوم السياسة المالية للدولة وفقاً للدستور، وذلك من خلال النظر في الطعون الواردة على قوانين الموازنة للسنوات المالية.
وتناولت المحكمة الاتحادية العليا موضوع اللامركزية الادارية من خلال عدة أحكام بيّنت من خلالها توجه المشرع الدستوري في رسم العلاقة بين السلطات الاتحادية والإدارات المحلية في ممارسة صلاحياتها لاسيما في ما يخص تعيين اصحاب المناصب العليا في المحافظات والرقابة عليهم والابقاء على مجالس محلية وإمكانية الاستغناء عن اخرى بحسب الخيارات التشريعية لمجلس النواب.
أن أبرز ما يمكن ملاحظته، هو الثقة التي تكرست لدى الخصوم باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا لحسم الخلافات المعقدة التي عجزت السياسة عن تسويتها، والرضا الذي يبدونه بعد صدور الاحكام وهو دليل على مكانة القضاء الدستوري في العراق والقناعة التامة بأن ما يصدره يتفق مع الدستور نصاً وروحاً.
المتحدث الرسمي
للمحكمة الاتحادية العليا