حجم النص
بقلم: وليد سعيد البياتي من هنا: هل يحتاج العقل الغربي إلى أن يقف طويلاً أمام أسباب هذا الهجوم الآخر في باريس وربما ليس الاخير على عاصمة أوربية، فبريطانيا التي ساعدت الولايات المتحدة في خلق القاعدة وتمويلها بالسلاح والعتاد الذي دفعت السعودية وبقية دول الخليج أثمانها ومهدت لها بفتاوى مشايخ الارهاب هناك لم تتعلم من حوادث تفجيرات لندن في (25 تموز 2005) وبقيت المملكة المتحدة تدعم المنظمات الارهابية أما مباشرة أو بمساندة وحماية الدول المصدر لللارهاب مثل السعودية وقطر والامارات والبحرين، فعلاقات بريطانيا الرسمية مع هذه الدول لا تحتاج الى المزيد من التحليل باعتبار ان المخابرات البريطانية هي نفسها من أنشأ هذه الدول لتكون واجهة اسلامية مزيفة من جهة، ولتشكل قواعد مهمة على الجرف الاسيوي. بدأت ببريطانيا لانها تشكل محوراً اساسياً من محاور الصراع، وأما فرنسا المعاصرة فهي تريد اللحاق بغريمتها ألمانيا في ركب الهيمنة على مقدرات الاتحاد الاوربي الذي اصبح قميصه مليئاً بالثقوب حتى بات مهترئاً حد الكشف عن عورات من يرتدونه. ففرنسا التي تحاول دائماً تقمص شخصية المثقف والقيادي لم تعد فرنسا جان بول سارتر، ولا الجنرال شارل ديغول. فهي أشبه بمهرج وضع الكثير من الالوان حتى صار لا يضحك احداً. قد ياتي السواح من كل مكان الى المون مارتير والمولان روج وبرج ايفل ويقفون على السين، لكن باريس كانت قد فقدت روح الشعر، وأصبحت مجرد لوحة سوريالية لفنان مجهول. باريس اشبه بعجوز تجلس في خمارة قديمة وهي تضع الكثير من الألوان اتغطي تجاعيد وجهها ولتخفي آثار العمر وتراكم الامراض. باريس تحاول استعادة مجد قديم ولهاذ إنشغلت عن الحقيقة وهي تجلس تحت اصابع ماكيير هو الاخر اصابه الهرم. إنه الطمع الاستعماري الذي لا يزال ينخر في جسد الدول الاستعمارية العتيقة، فكل المخابرات الاوربية كانت قد ساهمت بشكل وآخر في صناعة ما يجري اليوم. وحين عمدت أوربا الاستعمار القديمة الى خلق انظمة عقيمة وفاسدة خاضعة لها، أنظمة تقف على النقيض من شعوبها وتحارب كل ما هو اصيل وحضاري، فكان يجب على فلاسفة المخابرات الغربية التيقن من أن هذه الانتظمة الفاسدة سوف تفرز الكثير من الاوبئة التي تنتشر حتى داخل المجتمعات الاوربية. وجع وطواحين اخرى غير المولان روج: لا شك ان خسارة فرنسا في الجزائر وشمال افريقيا منذ أواسط القرن الماضي كان قد شكل ألماً عميقاً في جسد السياسة الفرنسية وعقليتها الاستعمارية، ولكنها حاولت تعويض خسائرها بدعم العروش المتهالكة في الخليج طمعاً في مواطيء قدم عند الجرف الاسيوي إضافة لما ستحصل عليه من أموال النفط الخليجي، فهي وقفت وراء السعودية بقوة في حرب سوريا وبقي رئيسها يكرر ما يجتره الاعلام السياسي هناك بضرورة تنحي بشار الاسد وبدعم المتطرفين والارهابيين على أرض سوريا. من جانب آخر هرولت باريس مسرعة لدعم العرش السعودي في حرب اليمن المجحفة، وبقيت أيضاً تجتر المقولات السعودية حول حركة انصار الله، مما يبرهن على أن باريس هي الاخرى لم تتعلم الدرس الذي تجاهلته لندن قبلها. هذا يكشف أن كل مقولات الديمقراطية الغربية تبقى خاضعة للمعايير المزدوجة بشكل فاضح، ففرنسا كبريطانيا تنادي بالديمقراطية وفق المنهج الليبرالي ولكنها تدعم دولاً وكيانات أبعد ما تكون عن المنهج الديمقراطي، إذ لا يمكن القول ان ثمة أي شكل من أشكال الديمقراطية في الانظمة الحاكمة لدول الخليج. مما يعني ان ثمة زيف كبير في الطرح الفرنسي في العلاقات الدولية، وكان على باريس ان تتعلم أن لا تطعم الذئب الارهابي لانه سينهش كفها. لا تستطيع فرنسا الادعاء بانها كانت تتوقع ما جرى، فطبيعة الاجراءات الامنية في كل تلك المواقع التي تم تفجيرها لم تكل على مستوى عال من التحكم والكفاءة. فهي (فرنسا) رغم كل الاحداث الماضية التي قادها مهاجرون من شمال افريقيا تحديداً (هؤلاء لم يحترموا الارض التي احتضنت غربتهم) بقيت تتصرف بعقلية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تحاول أن تعيد مجدها الاستعماري الزائل. مخلفات سايكس بيكو: لن أدخل في تاريخ إتفاقية سايكس بيكو فهي باتت معلومة بشكل واسع لكل الاجيال التي تلتها. المشكلة تكمن الان فيما بعد هذه الاتفاقية التي أدت الى ظهور بلدان متنازعة على الجرف الشرقي من آسيا. غير أن بعض ما جنته سايكس بيكو ربما سيؤدي الى إستعادت لحمة هذه البلدان كنتيجة لتعرضها لذات الخطر. فحين اريد من زرع الارهاب تقويض العلاقات بين هذه البلدان لاجل المزيد من التفتيت والتجزئة، نرى ان ثمة تقارب هنا وهناك خاصة بين سوريا والعراق وإيران لضرب الجماعات الارهابية، بعد أد تم تشكيل منظومة عمل بمساعدة روسيا التي دخلت الصراع بقوة عسكرية هائلة وبمنهجية واضحة غيرت خارطة الطروحات الامريكية - البريطانية - الفرنسية في الشرق. ففي الوقت التذي سعت فيه بريطانيا وفرنسا مدعومة بالاتجاه الامريكي في التأسيس للمرحلة الثانية من أتفاقية سايكس بيكو نجد الارهاب الذي هو صنيعة هؤلاء والممول خليجياً (بالذات السعودية وقطر والامارات والبحرين) ينفث سمه في جروح هذه الدول المصنعة له ليزيد من آلامها. لا شك أن ضرب الدول المصنعة للإرهاب من قبل عناصر الإرهاب نفسه سيطرح الكثير من التساؤلات داخل الحلقات السياسية الضيقة، مما يكشف ان كل الجماعات الارهابية التي ساندتها هذه الدول ورعتها لتحولها الى وحش يمكن ان تستعمله في تهديد اعدائها قد إنهارت بكل بساطة أمام فشل المنهج السياسي الاوربي في العلاقات الخارجية مع الدول غير الداعمة لللارهاب بل والمحاربة له. وفي تقديري التاريخي انه لن تكون هناك سايكس بيكو ثانية مؤسسي ستيكس بيكو الاولى سينشغلون بالوضع الداخلي أكثر. وليد سعيد البياتي
أقرأ ايضاً
- دماء زكية تُحققُ الاصلاح بسفكها
- فاجعة الهارثة.. موازنات بـ"دماء" أطفالنا
- غزّة تحترق... وقلوب الحكّام العرب لا تحترق!