- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التَّصالُحُ مَعَ الذّاتِ أَوَّلاً
حجم النص
بقلم:نـــــــــزار حيدر لازالَ المواطنُ عندنا يضحكُ على نَفْسهِ، يُنافقُ معها، يَخْدعَها، يُراوغُ ويكذبُ عليها ولا يَصْدُقُ معَها. وهو في هذهِ الحالةِ المزريةِ يرى جازماً انّ الحلّ لكلّ مشاكلهِ يكمن في تحقيق (المصالحة الوطنية) وفيما لم يبذل ايّ جُهدٍ لتغيير ذاتهِ، تراه يفكّر بتغيير الآخرين والعالَم!. ففقهاء التّكفير مثلاً لم يتركوا أحداً على حالهِ الا واستشْكلوا على دينهِ وما اذا كان موحِّداً حقيقيّاً مكتمِلاً لشروط التّوحيدِ ام لا؟ فكفّروا الجميع واخرجوا الكلّ من ربقةِ الدّين والإيمان، وحرّموا على النّاس كلّ شئٍ حتى الورد كهديّةٍ يتبادلونها في المناسبات، الا انّهم لاذوا بصمتِ أَهْلِ القبور وهم يَرَوْن انّ (وليِّ الأمر) يُتاجر بالمخدّرات، وفي نفس اللحظة اصدروا فتوىً تحرِّم نشر غسيل الأُمراء في وسائل التّواصل الاجتماعي حتّى اذا كان صحيحاً فانّ مثل هذا الفعل (المُنكَر) يُعدُّ كفراً لانّهُ من الكبائر التي لا ينبغي ان يرتكبَها المسلم الموحّد. العلمانيّون من مفكّرين ومنظّرين واساتذة جامعات وعُلماء وغيرهم يصدّعون رؤوسنا ليل نهار بمفاهيمِ اللّيبرالية والعلمانيّة والدّولة المدنيّة وغير ذلك من المفاهيم، الا انّهم يلجأون الى (العشيرة) بمجرد ان تحصلَ لأحدهِم أبسط مشكلة، فيدعوا الى (الفِرشة) كما يصطلحونَ عليها اليوم في العراق للفصلِ العشائري بين المتخاصمين!. وإذا قرّر احدهم خوضَ الانتخابات لتحقيق برنامجهِ الانتخابي القائم على أسس اللّيبرالية والعلمانيّة، فتراهُ يبدأ من العشيرةِ ليتّكئ على شيوخِها وشبابِها للفوزِ بمقعدهِ النّيابي!. امّا زُعماء الاسلام السّياسي والتّيار الدّيني فلقد ظلّ احدهم، كنموذج، يحشو رؤوس اتباعهِ بمفاهيم السّلطة عند الامام علي (ع) وكيف انّها لا تسوى عِنْدَهُ حتى عفطة عنزٍ او نعلهِ الّتي ظلّ يرقعها الامام ويخصفها حتّى استحى من راقعِها، الّا ان يقيمَ بها عدلاً ويدحضَ باطلاً، ليتبيّن للمُغفّلين فيما بعد انّهُ هو (النّعلُ) وهو (العفطةُ) عندما التصقت مؤخّرتهُ بالكُرسي وهو يرفع شعار (بعد ما ننطيها) مهدداً بأنّ أبواب جهنّم ستُفتح على العراق اذا أُجبِر على تركِ السّلطة!. والمواطن عندنا مشغولٌ (٢٤) ساعة ينشر الآيات والرّوايات والقصص والعِبر والحِكم في وسائل التّواصل الاجتماعي والمجموعات المتنوّعة، ولكنهُ لم يستفد منها، هو شخصيّاً، مقدار نقيرٍ، لانّهُ لا يعتقد أبداً انّهُ بحاجةٍ اليها، او انّهُ المقصودُ بها، فهي تخاطب غيرهُ ولا تخاطبهُ. وهذه واحدةٌ من اعظمِ مصائبِنا!. ولا أُخفيكم سراً فأنا على يقينٍ بأنَّ كلّ مَن سيقرأ مقالتي هذه سينطلق كالبرق مسرِعاً لتطبيقِ ما جَاءَ فيها على الجميع وينسى نَفْسَهُ، لانّهُ لا يعتقد بأنّ هذا الكلام يعنيهِ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ!. بلا يا سيدي فأنت انت اوّل المعنيّين! فلا تلتفت يمنةً ويسرةً تبحث عمّن ينطبق عليه الحديث لتتهرّب من واقعك المرّ بخداعِ الذّات، انتبه لنفسكَ أوّلاً!. واليوم تتجلّى هذه الحالة عند المواطن بأبرز صور التجلّي واخطرها، فبعد ان ظلّ المرحوم الدكتور احمد عبد الهادي الجلبي يتعرض لكلّ انواع التّسقيط واغتيال الشّخصيّة ومِن قِبل كلّ من كتبَ عَنْهُ لحدّ الان ونعاهُ، على الأقل منذ ان تعرّفتُ عليه قبل حوالي ربع قرن، اذا بهم جميعاً يكتشفون اليوم تحديداً مواهبهُ الخلّاقة وعبقريتهُ في الادارة والسّياسة وكيف انّهُ كان رجل دولة من الطراز الاول والرفيع!. ازدواج الشّخصية والنّفاق والتّناقض سمات تجري في جسم المواطن عندنا مجرى الدّم! ولذلك ينبغي عليهِ ان يضعَ لها حداً في أقرب فرصةٍ وأسرع وقتٍ، وإلا فنحنُ الان نسير وسط الزُّحلوفةِ، سنظلّ نركض في المنحدرِ الى ما لا نِهاية، اذا لم ينتبه كلّ واحدٍ منّا الى حقيقتهِ وواقعهِ!. وكوصفةٍ سريعةٍ لعلاجِ ذَلِكَ، اقترح ما يلي؛ أولاً؛ حدِّد مفاهيمك بدقّةٍ ثم اسعَ ليتطابق قولكَ ورايكُ وفعلكَ وسلوككَ معها، وحاول، ولو مرّةٍ وَاحِدَةٍ في الأسبوع، ان لا تحيدَ او تبتعدَ عنها بقولكَ على الأقل!. تأكّد من هويّتكَ وتذكّرها قبل ان تنطقَ بأيِّ حرفٍ او عملٍ تهمّ به. إسال نفسكَ؛ ما هي هويّتي؟ إسلامي؟ عَلماني؟ حُسيني؟ وطني؟ قومي؟ ديني؟ ثم تكلّم واعمل. حتّى اذا كُنتَ فوضوياً، بمعنى انّك كلّ هذه العناوين، فلا بأس بذلك، المهم ان تحدّد هويّتك وتعترف بها لنفسكَ على الأقل، من أجل ان لا تُناقض نفسكَ وتخدعها وتُمارس معها النّفاق!. صارح نفسكِ دائماً، إسألها قبل ان تنشرَ آيةً او روايةً او قصّةً او حكمة، فاذا شعرتَ بالتّناقض فيما بينك وبينها، او خجِلتَ منها، دعْها الى وقتٍ آخر، فلا تستعجل النّشر، على الأقل احتراماً لنفسكَ!. ثانياً؛ انت لست مجبراً على الإدلاء برأيك في كلّ شيء، كما انّك لست مجبراً على ان تحشر نفسك في كلّ قضيةٍ، فالالتزام بالحدود والاكتفاء بالآخرين يجنّبك التّناقض والنّفاق، فانّ من أهمّ اسبابهما هو اضطرار الانسان للمجاملة حدّ النّفاق الذّاتي والخداع من النفس والتحايل عليها. المهم ان لا تُدلي بقولٍ او رأيٍ او موقفٍ او فعلٍ، إلاّ وانت مقتنعٌ به ومنسجمٌ معه، وإلا فالسّكوتُ والصّمتُ أفضلُ واسلمُ!. فعندما تابعتُ خلال اليومين الاخيرين ما قالهُ وكتبهُ كثيرون عن المرحوم الجلبي، تبيّن لي ان جلّهم مضطرٌّ لنعيهِ بما لا يؤمن به، وانا أعرفهم جيداً، فأنا لا أشكّ في نواياهم أبداً وانّما متيقنٌ منها لمعرفتي القريبةِ والدّقيقةِ والمستمرّةِ بهم، من جانبٍ، وبالمرحوم، من جانبٍ آخر. فلو كانوا قد سكتوا لما فضحوا أنفسَهم، ولستَروها!. E-mail: nhaidar@hotmail. com