حجم النص
الحلقة الثالثة كيف نسترجع الأموال من المفسدين بسم الله الرحمن الرحيم عدد المشاريع المتلكئة منذ عام ٢٠٠٣ حتى اليوم بلغ اكثر من ثمانية آلاف مشروع وكلفتها اكثر من (270) مليار دولار، وإن أكثر من ٩٩٪ من هذه المشاريع متلكئة بسبب الفساد، حيث لم يتم تطبيق تعليمات العقود الحكومية من الشفافية وفتح المجال لكافة الشركات للتقديم بل تم الإتفاق مع شركات محددة مسبقاً وغير رصينة وتم الإتفاق معها على دفع عمولات كبيرة، فعندما يتم دفع مبالغ مقدماً لهذه الشركات من قبل الدولة، يتم إسترجاع هذه المبالغ كعمولة من قبل الجهة الحكومية التي منحتهم العقد، ثم تطالب الشركة بدفعة أخرى، ولكنها تجد نفسها غير قادرة على القيام بالمشروع لأنها غير كفوءة وتخشى من الخسارة، فتستولي على ما إستلمته من أموال وتترك المشروع من دون إنجازه، وتحول ما إستلمته من أموال إلى خارج البلد، وتخشى الجهة الحكومية التي تعاقدت معها في البداية من ملاحقة هذه الشركة المتلكئة في إنجاز المشروع لأنها إن حوسبت فستكشف العمولات التي دفعتها إلى الجهة الحكومية، فيسكت كل طرف عن الآخر ويذهب كل طرف بما ناله من أموال، بل لعل هذين الطرفين هم أقارب أو أصدقاء، فيبقى المشروع متلكئاً وغير منجز. لقد قامت الحكومة والمحافظات وكافة مؤسسات الدولة بالتعاقد على أكثر من تسعة آلاف مشروع منذ عام ٢٠٠٣ حتى اليوم، وإن عدد المشاريع المتلكئة قد بلغ أكثر من ثمانية آلاف مشروع كما ذكرنا، أي أن المنجز هو بحدود ١٠٪ من المشاريع، أما ما دفع من مبالغ تقاسمتها الجهة الحكومية مع الشركة المتلكئة عادة تبلغ ٣٠٪ من قيمة العقد، أي المقدار الكلي المسروق يبلغ حوالي ال (80) مليار دولار. وهناك مبالغ أخرى تعد بعشرات المليارات من الدولارات بالنسبة للتجهيزات من طائرات وأسلحة وعتاد وقضايا أخرى حيث كانت العمولات تتراوح بين ٤٠٪ إلى أكثر من ٩٩٪ كأجهزة كشف المتفجرات. فضلاً السرقات بشأن الفضائيين من أفراد الجيش والشرطة والحمايات والصحوات وما سمي بمجالس الإسناد وغيرها. ألحل قد يقول قائل يجب محاسبة ومعاقبة المسؤولين والحجز على أموالهم، ولكن هذا الحل ليس واقعياً، فليس المطلب الأساس معاقبة المفسدين، ولكن المطلب الأساس هو إرجاع المقدار الأكبر من هذه المبالغ التي تبلغ العشرات من المليارات من الدولارات، فكيف السبيل إلي ذلك ؟؟؟؟؟ يجب إبتداءً جلب شركة عالمية إستشارية في مجال المحاسبة، وتتولى هذه الشركة مراجعة المشاريع المتلكئة والتعرف على أسباب التلكؤ، ثم يتم الإجتماع بالشركات المتلكئة ومحاورتهم للتعرف منهم على اسباب تلكؤهم، والتعرف منهم على مقدار العمولات التي دفعوها إلى الجهة الحكومية، اما بالنسبة للتجهيزات فإن الشركة الإستشارية العالمية يمكنها بكل سهولة تقديم دراسة بشأن التجهيزات واسعارها الحقيقية وبالتالي معرفة مقدار السرقات التي دفعت كعمولات. بشأن المشاريع المتلكئة يقيم إبتداءً العمل المنجز وكلفته، ويطلب من الشركة إكمال المشروع، فإن كانت عاجزة وغير كفوءة فيطلب منها دفع المبالغ التي إستلمتها مع خصم كلفة الأعمال المنجزة وإحتساب فائدة لهم بمقدار لا يتجاوز ال ١٠٪ من قيمة العمل المنجز، فإن إدعت أنها دفعت عمولات للجهة الحكومية فيطلب منها تدوين أقوالها مع إبراز كافة الأدلة التي تثبت أنهم قد دفعوا عمولات. ثم يطلب من الجهة الحكومية إرجاع ما تبقى من المبالغ التي أخذتها قبال إصدار عفو حيث لا ينفع مطالبتها بارجاع كامل المبلغ والذي لا تستطيعه، فليس المطلوب معاقبة الناس بل المطلوب إرجاع أكبر مبلغ للخزينة العراقية، وأما ما تبقى فيبقى ديناً على هذه الجهة الحكومية لإرجاعه متى ما توفر. المشكلة التي قد تبرز أن مقدار كبير من هذه الأموال قد دفعت إلى جهات سياسية، في هذه الحالة يطلب من الجهة السياسية إرجاع هذه المبالغ، فإن كانت عاجزة عن إرجاع كامل المبالغ فيطلب منها تقديم قوائم بجهات الصرف، ثم تجرى تسوية نهائية مع هذه الجهات السياسية، ويتم في نفس الوقت التعجيل بتشريع قانون الأحزاب وتخصيص مبالغ ضمن الموازنة لكافة الجهات السياسية الممثلة في مجلس النواب. أما لمن لا يتعاون ويبقى خارج البلد فيمكن التعامل معه إنطلاقاً من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي وقع عليها العراق بموجب القانون رقم (35) لسنة (2007) المنشور بالوقائع العراقية المرقمة (4047)لعام (2007) بالاضافة الى نص الاتفاقية المنشورة بالوقائع العراقية المرقمة (4093) لعام (2008) حيث يفرض على كافة الدول المشاركة ارجاع المبالغ المسروقة وترفع عن الشخص المتهم السرية المصرفية وتصادر العقارات التي شريت بهذه الأموال وقرار المحاكم العراقية يسري أيضاً على الأشخاص مزدوجي الجنسية. أصناف المسؤولين هناك اربعة اصناف من المسؤولين في الدولة: ألنزيهون ألذين يحاربون من قبل المفسدين، والمفسدين الصغار، والوسط والكبار اولاً: النزيهون الذين يحاربون من قبل المفسدين؛ حيث سأتطرق إلى حالتين في وزارة الإتصالات. الحالة الأولى بشأن إحدى المهندسات في الوزارة، كانت هذه المهندسة رئيسة قسم، ثم نالت شهادة الماجستير من جامعة برونيل البريطانية من خلال ايفاد الوزارة ورجعت إلى العراق وكنت في حينها وزيراً، فجعلتها مسؤولةً على مشروع بوابات النفاذ الذي فشلت لجنة سابقة في اتمامه مع إستغراقهم العمل لفترة اربع سنوات، وأستطاعت هذه المهندسة إتمام المشروع خلال بضعة أشهر، وحققت مورد إلى الوزارة في حينها بحدود خمسة ملايين دولار شهرياً، أي بحدود (٦٠) مليون دولار سنوياً، وعندما شغر موقع مدير عام شركة الأنترنت عينتها مدير عام للشركة المذكورة. المشكلة الوحيدة لهذه المهندسة إن نزاهتها مطلقة، ولا يمكنها تمرير أي عقد به أي نوع من انواع الفساد. وعندما تركت الوزارة في نهاية عام ٢٠١٢ وتغير الكثير من الطاقم الإداري وجدوا أن هذه المهندسة ستقف حائلاً امام مخططاتهم لتمرير المشاريع الفاسدة، ولكنهم واجهوا معضلةً لإزاحتها، فهي كفوءة ومن الصعوبة ايجاد شخص مماثل لها في كفائتها، ونزيهة فلا يمكن توجيه أي إتهام لها للتشكيك بنزاهتها، وأخيراً أزاحوها خلافاً للتعليمات، وخشوا أن تبقى بأي مركز تقني في الوزارة لأنها ستكون قادرة على كشف كل عملية فساد في اى مشروع؛ فتفتقت أذهانهم بإرسال رسالة من شخص مجهول الأسم إلى المفتش العام يتهمها بألإرهاب، وإستناداً على هذه الرسالة جردوها من أي مهمة هندسية في مجالها، ووضعوها في مهمة إدارية لا علاقة لها بتخصصها وبكفائتها لكي يسرقوا من دون حسيب او رقيب كما يحلو لهم. الحالة الثانية هي لرئيس اللجنة ألأمنية لأهم مشروع يخدم الأمن في العراق وهو مشروع أمن بغداد وأمن الحدود، وكان هذا الشخص بدرجة مستشار ألأمن ألإتصالاتي في الوزارة، مشكلته أيضاً أنه لا يمكنه السكوت عن أي فساد، وضمن عمله إكتشف أن مشروعاً أمنياً تجريبياً صغيراً على الحدود السورية العراقية كلفته لا تتجاوز المليون دولار أخذته شركة بالباطن ب(٣٥) مليون دولار من خلال وزارة الداخلية، فأرسل رسالة لوزارة الداخلية يعلمهم بهذه الحقيقة، ولكن بدلاً من أن يشكر على فعله، تمنعت وزارة الداخلية من حضور اللجنة الأمنية التي كان يرأسها، فتأخرت المرحلة الإستشارية لهذا المشروع المهم للحفاظ على حياة المواطنين من ستة أشهر إلى ثمان سنوات وإلى حد الآن لم تحقق، وحولوا لجنته من لجنة قرار إلى لجنة إستشارية تجتمع عند الطلب لتجريده من أي سلطة لإتمام المشروع، وبسبب جرئته على كشف حقيقة فسادهم، اتهموه هو بالفساد، ما فعلوه كان سبباً لإستشهاد الآلاف من الأبرياء، وسبباً لإحتلال مدينة الموصل والأنبار من قبل داعش وسبباً لجرائم أخرى كسبايكر أو مئات التفجيرات في بغداد وغيرها، لأنه لو قام هذا المشروع كما كان مخططاً له في بداية عام ٢٠١٠، لكان من الإستحالة لداعش عبور الحدود السورية العراقية ولكان من الإستحالة إحتلال مدينة الموصل او مدن الأنبار أو صلاح الدين ولكان في الإمكان تقليل عدد العمليات الإنتحارية في بغداد بمقدار يفوق ال ٩٥٪. وقد قدم المستشار أعلاه طلب الإحالة على التقاعد بسبب مقابلة جهوده المخلصة لتوفير الأمن للبلد بأساليب ألإقصاء والتهميش، وهكذا ستخلوا مؤسسات الدولة ودوائرها من المخلصين والكفوئين والنزيهين، وسيحل محلهم الجهلة والمفسدون، وهذا ما يجب أن يعلمه ابناء شعبنا في كيفية تسيير الأمور في الدولة وما هو مستقبل البلد إن إستمرت مثل هذه السياسات الخطيرة. ثانياً: المفسدون الصغار ؛ فهؤلاء لا يأخذون عمولات كبيرة، وإعتيادياً تتراوح عمولاتهم بين ٥٪ إلى ٢٠٪ من المشروع أو التجهيز، ولعل كثير من هذه العمولات تذهب للجهة السياسية التي ينتمي إليها المسؤول، ومع كون الجهات السياسية المتصدية تحتاج إلى تمويل ويجب تمويل مصاريفها من الموازنة، ولكنه لا يمكن أيجاد أي تبرير قانوني او شرعي لهذه العمولات مهما قل مقدارها. ثالثاً:المفسدون الوسط ؛ وهؤلاء يأخذون عمولات متوسطة أكثر من عمولات المفسدون الصغار، الخطورة في هذه العمولات انها تحول المشروع إلى مشروع متلكأ، وأذكر أدناه الحادثة التالية في إجتماع مجلس الوزراء بداية عام ٢٠١١. حيث تطرق في وقتها وزير التربية والتعليم محمد تميم إلى مشكلة ال (٢٠٠) مدرسة في فترة الوزارة التي سبقته حيث دفعت السلفة التشغيلية بمبلغ أكثر من (٤٠) مليون دولار، والعمل متلكأ، والمقاولون ليس لهم إمكانية مالية لإتمام المشروع، وهناك عدة بنوك مقدمة على الإفلاس بسبب دفعها لقروض دون مقابل؛ فتحدث نائب رئيس الوزراء الدكتور حسين الشهرستاني امام جميع الوزراء قائلاً (أنا أعرف هذا المشروع الذي أحيل إلى شركة أيرانية غير كفوءة، ودفعت لها سلفة تشغيلية، فدفعتها بدورها كعمولات ولم يبق بيدها اموال، فطلبت من مقاولين عراقيين إتمام المشروع، وهؤلاء إستدانوا من المصارف التي دفعت لهم إعتماداً على العقد الموقع مع الوزارة، والظاهر إن نسب الإنجاز أقل من السلفة التشغيلية التي تم دفعها كعمولة، وهي سرقة واضحة) ولم يتهم الدكتور الشهرستاني أي شخص بعينه في هذه السرقة الكبيرة. هذا مثال للسرقات المتوسطة، المفضوحة أمام رئيس الوزراء وكافة الوزراء، والخبر اليقين لدى الدكتور حسين الشهرستاني. هذا مثل لأكثر من ثمانية آلاف مشروع متلكأ منذ عام ٢٠٠٣ ومشابه لهذه الحالة. رابعاً: المفسدون الكبار؛ وهؤلاء يأخذون عمولات تتجاوز ال (٩٠ ٪) من قيمة المشروع أوكلفة التجهيز، وأضرب أدناه المثل التالي في الشهر الثالث من عام ٢٠١٢. حيث وزعت على الوزراء في مجلس الوزراء قوائم بكلف المصاريف لمؤتمر القمة العربي ونسب الإنجاز لجملة من المشاريع في هذا المضمار، وأثار إنتباهي في وقتها كلفة مشروع شارع المطار الذي بلغت كلفته بحدود (١٩٦) مليون دولار؛ وقررت أن أعمل عملية حسابية بسيطة كما هو متعارف (حساب عرب) لهذا المشروع؛ حيث يتشكل هذا المشروع كما يشاهده المواطن الذي يذهب إلي المطار من حوالي الألف وستمئة نخلة لا يمكن أن يتجاوز سعر النخل الألف دولار مع ارباحها، فتكون الكلفة الكلية بحدود (١،٦) مليون دولار؛ وهناك حوالي (١٨٠٠) عمود إنارة حيث أن كلفة العمود عالمياً مع التركيب والكابلات الكهربائية والأرباح لا يمكن أن تتجاوز ال (٦٠٠٠) دولار للعمود، اى بكلفة كلية بحدود (١٠،٨) مليون دولار، أما أحواض الماء والنافورات وبعض الإنشاءات الأخرى فلا يمكن أن تتجاوز كلفتها أل (٢) مليون دولار، أما الحشائش والزهور والشجيرات ورشاشات المياه وقضايا بسيطة أخرى فلا يمكن أن تتجاوز كلفتها ال (١،٥) مليون دولار؛ أي إن كلفة المشروع لا يمكن أن تتجاوز ال (١٦) مليون دولار في حين تم دفع مبلغ (١٩٦) مليون دولار؛ ويمكننا إجراء مقارنة بسيطة مع شارع بمواصفات عالمية عالية طوله حوالي ال (٢٠٠) كيلومتر يمتد من أربيل إلى زاخو ويخترق أربعة جبال من خلال أربعة أنفاق لم تتجاوز كلفته ال (٢٥٠) مليون دولار مع الإنارة وكافة الشروط والمعايير العالمية، ولا أريد أن أزعم أن ألنزاهة مطلقة في أقليم كردستان، ولكن لا يمكن المقارنة بين أعمدة كهرباء ونخيل وحشائش وأحواض ماء تكلف (١٩٦) مليون دولار وبين طريق أربيل زاخو بكلفة (٢٥٠) مليون دولار؛ وأرغب أن أؤكد أني لا أوجه الإتهام إلى شخص محدد أو عدة أشخاص عن هذا لفساد الكبير في شارع المطار لأني لا أمتلك دليل مادي يقيني بهذا الشأن غير ما أشرت إليه. القضية الأخرى هي أجهزة كشف المتفجرات؛ حيث كان سعر الجهاز بحدود (٤٠) الف باون أي حوالي (٦٠) الف دولار، وهي أجهزة كاذبة لا يكلف الجهاز أكثر من ١٢ دولار؛ تم محاكمة صاحب الشركة المصنعة جيم ماكورميك في بريطانيا الذي إعترف أنه كان يبيع الجهاز ب (٤٠) الف باون، يأخذ لنفسه (٢٤) الف باون ويدفع عمولة للعراقيين بمقدار (١٦) ألف باون، وأنه باع الأجهزة لوزارة الداخلية بمقدار (٨٥) مليون دولار، وحكم عليه بالسجن في بريطانيا لعشر سنوات، ليست المشكلة في هذه الأجهزة هي السرقة التي تتجاوز ال ٩٩٪ فحسب، إنما ارواح الآلاف من الأبرياء الذين إستشهدوا بسبب هذا الفساد الكبير.
أقرأ ايضاً
- الكيان الصهيوني يقصف محيط مطار بيروت بهجمة جوية عنيفة
- اعربت عن "دعمها الكامل".. واشنطن تتعهد بحماية إسرائيل من إيران
- بالأسماء.. برلماني يكشف تفاصيل وخفايا جديدة عن شبكة التنصت