حجم النص
بقلم: عباس عبد الرزاق الصباغ لم تكن الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء نوري المالكي في معهد السلام الأميركي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، الى المجتمع الدولي بعقد مؤتمر دولي لمناهضة الإرهاب في بغداد لمكافحة الإرهاب وقيادة حرب عالمية ثالثة لاستئصاله ومعالجة أسبابه ودراسة نتائجه ومراقبة حواضنه وتجفيف مصادر تمويله ومخاطره المستقبلية وإسقاطات تلك المخاطر على الأمن والسلم العالمي باعتبار ان الارهاب هو شأن عالمي واهتمام دولي وليس شأنا عراقيا داخليا او حتى شأنا اقليميا او آسيويا.. ولم تكن تلك الدعوة دعوة رومانسية او فكرة طوباوية او لغرض الاستهلاك المحلي او الاعلامي او دعايةً انتخابيةً بل هي تحمل اكثر من دلالة ستراتيجية ومن صميم الواقع؛ الاولى ان تلك الدعوة اطلقت داخل المجال الحيوي والمعني الاول بمناهضة الارهاب والتعاطي المهني مع مخاطره واقصد الولايات المتحدة الأمريكية ولكونها تمتلك ما يؤهلها إستراتيجيا ولوجستيا وتكنيكيا للقيام بالدور الرئيس والأكبر في مكافحة الإرهاب والحد من نشاطاته، والثانية التذكير بان العراق يعد الدولة الرئيسة (ان لم تكن الوحيدة) في العالم في هذا المجال وقد تعرض وجوده كدولة وكمرتكزات حضارية وبشرية وبنى تحتية لأبشع هجمة إرهابية في التاريخ وهي هجمة لها فواعلها الاقليمية والمحيطية فضلا عن ذيولها المحلية فهو اي العراق يمتلك الكثير من الخبرات والكفاءات اللازمة في التصدي للإرهاب ودحره ومن الممكن ان تستعين المنظمات الدولية بذلك فضلا عن الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة نفسها وتقع بذلك مسؤولية أخلاقية وقانونية على المجتمع الدولي تجاه العراق. من الواضح للعيان ان الإرهاب يشن حربا هوجاء في العراق هي أشبه بحرب الاستنزاف منذ سنين عدة ضاربا كل مفاصل الحياة وشرائح المجتمع وتراكيبه الديموغرافية وبنيته التحتية وبشكل غير مسبوق او له نظير في تاريخ العالم الحديث وهي حرب استنزاف ـ كما يبدو ـ شاملة وتعتمد استراتيجيات متطورة ومتناغمة مع الظروف والمستجدات الحاصلة في المشهد العراقي ودول الجوار كسوريا مثلا وقد حذرت الحكومة العراقية من تداعيات المشهد السوري على الوضع في العراق وقد تحقق ماكانت تحذر منه وهذا ما يعد جرس إنذار للعالم اجمع، وتستند حرب الاستنزاف هذه الى مقومات لوجستية متعددة وحواضن اقليمية ومحلية ومصادر تمويل سخية اكثرها من عوائد البترودولار الإقليمية وخلايا نائمة واخرى متحركة واذرع عصاباتية ومليشاوية وقنوات دعم فتوائية واعلامية وصحفية عابرة للأقاليم والقارات فضلا عن قنوات التمويل البشري المصدِّر للعناصر الارهابية والانتحارية والمنتشرة في ارجاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا وهي تشكل "معينا" لاينضب بالعناصر التي تقوم بعمليات مسلحة بشكل شبه يومي في العراق كما تشكل محورا مهما من محاور الصراع في الساحة السورية والعمليات الارهابية المتكررة في افغانستان وفي الباكستان وغيرها... فالاستراتيجية طويلة الامد التي يتبناها تنظيم القاعدة والفصائل المنضوية معه والمتحالفة ضمن سياقات ممارساته المسلحة تشي بان حرب استنزاف طويلة الأمد قائمة ومستمرة لها أهدافها المعلنة واستراتيجياتها التي تعمل على تنفيذها كل يوم وبمختلف الوسائل والإمكانات المتاحة وحسب الظروف الطارئة والمستجدات الحاصلة. ان المعنى التبسيطي لمفهوم حرب الاستنزاف الذي هو مفهوم استراتيجي يعني أنه لكي يتم الانتصار في حرب ما،يجب إضعاف العدو إلى حد الانهيار عن طريق إحداث الخسائر البشرية أو العسكرية والجهة المنتصرة في الحرب تكون عادة الجهة التي تمتلك عددا أكبر من المصادر والاحتياطات وتؤكد هذا المعنى جميع العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة والفصائل المتعاونة معه فالمطلوب لتحقيق الهدف النهائي من هذه العمليات هو تحطيم مقدرات الدولة العراقية وتشتيت النسيج المجتمعي العراقي من خلال زرع عدم الثقة بين مكونات هذا النسيج وبالتالي حدوث حرب أهلية طاحنة لاسيما وان العراق فيه الكثير من الطوائف والأديان والمذاهب والقوميات ما يشكل أرضية خصبة لهذا الهدف ولكي لاتكون جبهة الإرهاب جبهة منتصرة انطلاقا من العراق الذي هو قلب الشرق الأوسط والدولة المحورية والمفصلية فيه فلو تحقق هذا الهدف ـ لاقدر الله ـ سيكون الشرق الأوسط الكبير منزلِقا في أتون حروب طائفية / سياسية طاحنة لاتبقي ولاتذر ما يشكل التهديد الأكبر للسلم والأمن الدوليين وهو ما ذهب اليه السيد المالكي في دعوته الى إقامة مؤتمر دولي لمناهضة الإرهاب ولكي لايكون العراق وحده في هذا الخندق الشرس طالب في الوقت نفسه المجتمع الدولي بشن "حرب"عالمية ثالثة ليس من اجل المصالح الاستعمارية او التحارب على مصادر الطاقة او إمداداتها او التصارع على المجالات الحيوية للدول الكبرى بل لكي لاتكون جبهة الإرهاب هي الجبهة المنتصرة في حرب الاستنزاف الدائرة في الساحة العراقية والتي يخوضها العراقيون بكافة ألوان طيفهم في وقت يقف العالم متفرجا ولم يحرك ساكنا ضد الدول والجهات الداعمة للإرهاب في السر والعلن وهي معروفة للرأي العام الإقليمي والعالمي فلم يعد ممكنا التستر على التوجهات السيا/ طائفية لهذه الدول او الجهات، ومن جهة اخرى مازال العالم يتفرج ايضا على العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة ضد العراق والعراقيين وكأنه شان داخلي ولايعلمون بان تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية كالنازية في خطرها المتسارع، فلو انتصر الإرهاب في العراق فان الخارطة الجيبولوتيكية لعموم الشرق الاوسط ستتغير وكما متوقع كنتيجة حتمية أن تكون الدول الراعية والداعمة للإرهاب هي المحطة الثانية له والنار تأكل نفسها ان لم تجد ما تأكله. اذن هي حرب يقوم بها الإرهاب في العراق ـ أنموذجا ـ بالنيابة عن نوايا وسياسات وأجندات المحاور الإقليمية وتحقيقا لأهداف هذه الجماعات التي تتعلق بتوجهاتها السيا/ طائفية المدمرة. * إعلامي وكاتب مستقل
أقرأ ايضاً
- حوادث السير في العراق.. إحصائيات مخيفة تفوق ضحايا الإرهاب
- الإرهاب...لادين له...عبر التاريخ /32
- الإرهاب...لادين له...عبر التاريخ /30