أثار إنتباهي قبل أيام خبر غريب تناقلته وكالات الأنباء الأمريكية، مفاده ان شخصاً أمريكياً بدين إلتصق بكرسي غرفة المعيشة في منزله لمدة عامين. هذا الرجل الذي يسكن ولاية أوهايو توفي بعد ان عُثر عليه فاقداً للوعي في غرفته وقد أشارت التقارير الإخبارية انه بقي طيلة هذه الفترة ملتصقاً بكرسيه بعد إزدياد وزنه بشكل ملحوظ اجبرته هذه الزيادة على قضاء بقية حياته على هذا الوضع.
في عالمنا العربي مازال القذافي بطل ملحمة الإلتصاق بالكراسي حيث قضى هذا الرجل (43) عاماً ملتصقاً بكرسي السلطة ولم يفارقه طيلة هذه المدة.
ومن البديهي ان سبب الإلتصاق بالكرسي ليست البدانة ((مثل صاحبنه الأمريكي)) بل عوامل عديدة منها الجنون، القباحة، موت الضمير، الإنفراد بالسلطة وأسباب أخرى كثيرة أظهرها بطلنا خلال الأزمة الحالية الدائرة بينه وبين الثوار في ليبيا.
بعض متسلطي الكراسي عرفوا جيداً ان الوقت قد حان لمغادرتها وتركها في أيادي امينة تتبادلها بطريقة ديمقراطية كل اربع او خمس سنوات . وقد إختلفت أسلحة الشعوب في محاربة كرسي السلطة من بلد الآخر.
فجسد البوعزيزي كان من أشد الأسلحة فتكاً بالرئيس التونسي المخلوع، هذا السلاح الذي رمى به هو وأعوانه بعيداً عن تونس الخضراء لتنتهي قصته التي إستمرت مع الكرسي لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن حتى تبعه بعد ذلك نظام حسني مبارك ليستجيب مرغماً لمطالب الشباب المصري الذي بقي صامداً لإسابيع في ميدان التحرير مطالباً برحيله عن دفة الحكم.
وحتماً انه كلما إزداد حب الرؤساء والملوك للكراسي والعروش إزداد إصرار وعزيمة الشعوب على قلعهم منها فهذه الأنظمة الفاسدة التي طالما وقفت ضد التجربة الديمقراطية في العراق وسعت منذ عام 2003 لإفشالها بأي طريقة كانت، هي التي تقف اليوم بوجه المواطن لتسلبه أبسط حقوقه في التعبير عن رأيه أو مطالبته بإصلاحات تُحسن من واقعه المعيشي.
فترى بعض الحكومات تحرك الجيوش داخل اراضيها بشكل غريب وكأن حرباً عالمية ثالثة على الأبواب لتفتك بالشباب الثائر وتستخدم بكل وقاحة القوة المفرطة بحق مواطنيها العزل والذي حدث في مملكة البحرين خير دليل على ذلك، فتحرك قوات درع الجزيرة بتفويض من دول مجلس التعاون الخليجي بحجة وجود مؤامرة لإسقاط دول الخليج العربي امر مستغرب فعلاً، فلم يحصل أي اعتداء خارجي يستوجب كل هذا التحرك العسكري ولم نشاهد عبر الفضائيات سوى رجال ونساء واطفال تظاهروا لمطالبة الحكومة بتنفيذ اصلاحات فعلية في مؤسسات الدولة وتحقيق ميزان العدالة في التعامل مع كل مواطني المملكة ولا وجود لاي معطيات تشير الى حدوث اعمال تخريب او تأمر على البحرين.
ان السياسة المتبعة من قبل هذه الحكومات تجاه شعوبها قد يخلق ازمات اكبر في المنطقة، واستمرارها بهذا النهج الهمجي سيؤدي بالتاكيد الى انقلاب السحر على الساحر مع ارتفاع صوت الحق المطالب بوجود الحرية والديمقراطية في بلدان قتلت الكلمة وأجهضت حرية التعبير.