الخطاب الذي ألقاه الزعيم الليبي معمر القذافي بمناسبة ثورة الياسمين في تونس أقل ما يقال عنه إنه خطاب مثير للشفقة.
لو دافع القذافي عن الرئيس الهارب زين العابدين بن علي فقط لفهمنا الموضوع. ولكن أن يطالب الثائرين بأن يقتدوا بثورة الفاتح ويستنسخوا تجربة الجماهيرية فهذا هو ما يثير الغضب والحنق حقاً، إذ يعتقد القذافي، بعد أكثر من أربعين عاماً على تجربته في الحكم الفردي التسلطي، أن تجربة ليبيا ناجحة وتستحق أن تستنسخها تونس! القذافي يتحدث عن تقدم الطب في تونس، وعن السياحة والاقتصاد. حسن جداً، ولكن لماذا لم تستفد ليبيا من التجربة التونسية في هذا المجال بدل أن تكون دولة مغلقة منغلقة تطاردها القوانين الدولية، ويبذل زعيمها ماء الوجه من أجل إرضاء هذه القوة الكبرى أو تلك دفاعاً عن قضايا خاسرة؟
أمر محير!... ثم يتساءل عن جدوى الدم التونسي، معتقداً، يا لسذاجة حكامنا العرب، إن ثوار الياسمين يريدون استبدال رئيس برئيس آخر، هكذا بسط صاحب الكتاب الأخضر الموضوع برمته، بل ورمى به إلى أبعد نقطة في ذاكرته، عندما أطاح هو بملكية راسخة من أجل أن يتربع على كرسي الرئاسة لأربعة عقود.. والأدهي من ذلك مطالبته الشعب الشقيق في تونس بالصبر لثلاثة أعوام قادمة تنفيذاً لرغبة زين العابدين بن علي بعدم ترشحه للرئاسة في انتخابات 2014!
والجمهور العربي يعرف جيداً من هو معمر القذافي، فما بالك بجيرانه التوانسة؟ لقد استبق التونسيون خطاب القذافي بحملة منظمة لرفض مضامينه عبر الفضائيات والنت والفيس بوك لأنهم يعرفون جيداً أي لغو سينطق عن فم \"قائد الثورة الشعبية في العالم\"، كما يرى نفسه. وبعد إذاعة الخطاب سارع الأشقاء المعنيون مباشرة بالخطاب إلى استنكاره.
ونحن في العراق خبرتنا غير منقوصة بالعقيد الليبي. وبعنترياته وخطاباته التي تثير الشفقة كما قلت قبل قليل. الشفقة لأن زعيماً لدولة كبيرة في العشر الأوائل من الألفية الجديدة يكون مستوى تفكيره بهذه السطحية، ورؤيته لثورة شعبية عارمة بهذه السذاجة. الشعب الليبي الشقيق يستحق قيادة أفضل بكثير من قيادة العقيد، تلك القيادة التي لم تجلب للناس هناك غير صورة الخيمة النمطية التي تتجول في صحارى ليبيا وفي مؤتمرات القمة، حيث يتحول القذافي إلى كوميديان تلك المؤتمرات فيسرق الأضواء حاله حال أفضل مهرجي السينما المبتذلة..
التونسيون، ومن ورائهم شعبنا العربي في مختلف الدول، يتوقون إلى الحرية، الحرية التي لا يعرف القذافي ولو مجرد التنظير لها، فمرحى للياسمين الذي أطاح بديكتاتور... وغيره ينتظر الدور.