- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدبلوماسية العربية في العراق
العراق البلد المؤسس في جامعة الدول العربية (1945) واحد اللاعبين الأساسيين على المستوى الإقليمي والعربي للأدوار الوطنية والقومية وبغض النظر عن نوعية أنظمة الحكم التي تعاقبت ( ملكية ـ جمهورية) وعن طبيعة تلك الأنظمة وإيديولوجياتها وتوجهاتها (دستورية ، عسكرية ، استبدادية ، شمولية ) وبغض النظر أيضا عن علاقة تلك الأنظمة مع النخب الحاكمة للدول العربية وماهية تلك الأهداف والمصالح المتوخاة من تلك العلاقات ، فان العراق وبثقله المعروف ووزنه التاريخي ومركزيته الجيوسياسية لم يكن غائبا في يوم من الأيام عن الحضور الفاعل والدور الناشط في الفعاليات التي كانت تتطلب حضور العراق وفي المستويات والأصعدة كافة ، ولا يعنينا من ذلك \"الحضور \" وتفاعلاته مع محيطه العربي تلك المداخلات السياسية بين الأنظمة العراقية المتعاقبة وبين مثيلاتها وأقرانها من أنظمة الحكم العربية المتعاقبة أيضا ، لكن المطلوب كمراجعة منصفة للتاريخ ومن باب احقاق الحق ووضع النقاط فوق الحروف هو الحضور العراقي المتميز والفاعل سيما بعد \"الطفرة\" النفطية أواسط سبعينيات القرن الماضي وحدوث طفرة تنموية أخرى مرادفة لها كحد فاصل بين عهدين لهما سماتهما الاقتصادية والاجتماعية ..
إن العراق وكبديهية مسلـَّمة يتمتع بحيوية فائقة كونه يقع في قلب الشرق الأوسط النابض ويشكل جزءا مهما من الشرق الأوسط الكبير ويعد بفعل أهميته الاقتصادية احد المساهمين الكبار في تسيير عجلة الاقتصاد العالمي وان أصاب هذا الدور العراقي الكثير من الضعف والوهن والتهميش والانزواء بفعل سياسات حكامه ورغم محوريته الفائقة ومركزيته الإستراتيجية إقليميا وعالميا فان العراق مازال يعاني او يشكو من ضعف التمثيل الدبلوماسي العربي وبشكل بات لافتا للنظر ومثيرا للاهتمام والقلق ويدعو الى الاستغراب والتساؤل بعد أن كان التمثيل الدبلوماسي في اعلى مستوياته إبان العهود السابقة سيما في عهد النظام الصدامي البائد .. فهل كانت الدبلوماسية العربية تعبر عن تلاقح في المصالح والرؤى بين الديكتاتوريات العراقية المزمنة وبين بعض النخب العربية الحاكمة ؟ أم كانت تعبر عن تفاعل حقيقي بين العراق ومحيطه العربي وحسب ما تمليه الظروف والمصالح المشتركة؟. ام كان الأمر مزيجا بين هذا وذاك ؟!!!
ومهما كانت الأسباب والنتائج فان هناك قصورا واضحا في درجة ومستوى التمثيل الدبلوماسي العربي ولأسباب قد تكون ذات طبيعة سياسية او طائفية بحتة ولكون ان بعض \"التوجهات\" السياسية العربية بعد سقوط النظام السابق وجدت نفسها في منعطف آخر غير ذلك المنعطف الذي كانت تتعايش معه في بعض الأحيان على \"مضض\" حتى وان كان ذلك \"التعايش\" يندرج في مناخات متوترة وغير مستقرة لكنها وبالمقابل لم تكن تلك التوجهات ذات أدنى استعداد لتقبل وجود مناخ سياسي آخر في العراق يختلف كليا عما سبق حين كان الشعب العراقي يرزح تحت همجية التسلط الفردي ووحشية الشمولية الاستبدادية ولا تكمن العلة في \"المزاج\" العربي ذي التوجه القومي النخبوي فقط بل وفي توجه المزاج الشعبوي العربي في هذا الاتجاه وكلا التوجهين لم يكونا في مستوى النضح المطلوب في قراءة الواقع العراقي قراءة سياسية ونقدية صحيحة بدليل ان غالبية الامتداد العربي من الخليج حتى المحيط مازال هواه مع المرحلة التي سبقت التغيير النيساني 2003 وما لحق بهذا التغيير من تفاعلات غيرت الكثير من تفاصيل المشهد العراقي ككل ولصالح هذا الشعب ومن غير المنطقي او الطبيعي في رسم العلاقة او إعادة رسمها ان يغيب عن الذهنية الجمعية العربية ان استعادة العراق لدوره وعافيته هي مجرد وقت وعبوره مرحلة الديكتاتورية واللادولة الى مرحلة الدولة الديمقراطية والمجتمع الناضج الحر والنظام المؤسساتي الليبرالي المنتخب كما انه من غير المنطقي التعامل بهذا الجفاء والصدود الرسمي والشعبي مع العراق حكومة وشعبا ومرتكزات حضارية ومعرفية وإنسانية وثوابت تاريخية وجغرافية وديموغرافية كانت وما تزال ذات بصمات راسخة وواضحة على الصعيد العالمي..وهل غابت عن الأذهان أيضا ان العراق لابد وان يسترجع دوره الفاعل على الساحتين العربية والدولية التي أقصي عنهما بسبب سياسات وأخطاء الأنظمة السابقة؟ .. ام غابت عن الأذهان أهمية العراق الاقتصادية الكبرى بحكم تنوع مصادر الطاقة فيه وحجمها الهائل (النفط والغاز وغيرها) والدور المهم للكنوز العراقية على المستوى الاقتصادي العالمي الذي يعتمد بشكل رئيس على الطاقة المصدرة من الشرق الأوسط والتي كان يلعب فيها العراق دورا محوريا ويمثل أيضا عصبا مهما في منظمة أوبك باعتباره احد مؤسسيها وصاحب الثقل الكبير فيها ويضاف الى ذلك سلسلة الاهميات العراقية الاخرى..
من هنا ننطلق في التأكيد على أن العراق ومهما يمر في ظروف فان أهميته الإستراتيجية محفوظة للمستقبل ومن الخطأ الفادح التعامل معه بالتهميش لحين \" تغيير\" الظروف التي تتناسب مع المزاجات العربية وبحسب تغير النوايا المبطنة في التعامل مع عراق يناسب تلك المزاجات والنوايا وليس ما يناسب المصالح المشتركة وكأن المسألة تبدو مبيتة ومقصودة !! ..
ان ضعف او انعدام التمثيل الدبلوماسي العربي في بعض الأحيان قد اثر سلبا على عدم معرفة الرأي العام العربي معرفة حقيقية وشفافة بما جرى في العراق بعد التغيير النيساني وما تلته من تداعيات ومستجدات ومتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة ليس على الشأن العراقي فحسب بل وعلى مجمل منطقة الشرق الأوسط برمتها .وبما يشبه الزلزال وحركاته الارتدادية وذلك لعدم وجود قنوات دبلوماسية تنقل الحقائق لحكوماتها وشعوبها ووسائلها الإعلامية لغرض التعريف بها وتحليلها واستخلاص نتائجها ، الأمر الذي شكل بدوره إهمالا قد لا يكون عفويا في مغزاه وأسبابه... وفي ظل هذا الغياب والأجندات والتوجهات السلبية والمغرضة بقيت ملامح المشهد العراقي مشوشة وغير واضحة المعالم وغير مقنعة للكثير من الأوساط العربية ويلفها الكثير من الغموض يضاف الى ذلك ان معظم الدول العربية لم تفعـِّل من حضورها الإنساني وحسب ما تقتضيه الضرورات الإنسانية وسياقات التعامل \"الأخوي\" أثناء النكبات والكوارث وما يزال العراق يعاني من سلبية أخرى تضاف الى ما تقدم تتمثل في غض الطرف عن العمليات الإرهابية التي استعر أوارها في السنين السابقة مع إذكاء تلك العمليات بالدعم اللوجستي والمادي وتصدير الفتاوى المحرضة والإدانة الخجولة لانهار الدم العراقي التي كانت تسفح ظلما وعدوانا كأن في الأمر عقدة مستعصية تجاه الشعب العراقي وحكومته المنتخبة او انه الهاجس الأمني الذي لم يعد مبررا كافيا للإحجام عن أية فعالية دبلوماسية في وقت دخلت الكثير من دول العالم المضمار الدبلوماسي على الساحة العراقية بأقدام ثابتة حرصا على تسجيل موقف مشرف مع العراق قبل فوات الأوان وحرصا على مصالحها المشتركة مع بلد مهم مثل العراق وضمن مبادئ القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول بحسب الأسس المعتمدة في ترسيخ العلاقات الثنائية وهو موقف كان يفترض ان تقوم به الدول العربية \"الشقيقة\" ومعها منظومة جامعة الدول العربية التي كان دورها ولحد الآن سطحيا وشبحيا في التعاطي مع الشأن العراقي وعدم جدية مؤسساتها وهيئاتها او عدم قدرتها في لعب دور فاعل في الشأن العراقي ...
اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي