وفيما أكد مقربون من حزب تقدم أن اللقاء “اعتيادي” وبعيد عن الملفات الداخلية، رأى مراقبون أنه جزء من وساطة قطرية لإعادة ترتيب البيت السني وتوحيد الموقف، في وقت أشاروا إلى اقتراب حزب الحلبوسي من حسم المنصب الأول بعد اجتماع المجلس السياسي الوطني اليوم، كونه صاحب أكبر عدد من النقاط البرلمانية.
ويقول المحلل السياسي سيف السعدي، إنّ “زيارة رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر إلى قطر ولقائهما أميرها تميم بن حمد، تأتي في سياق التفاهمات الجارية بين القوى السنية لحسم هوية رئيس مجلس النواب المقبل”.
ويضيف السعدي، أن “اللقاء في الدوحة لم يكن بروتوكولياً، بل جزء من مشاورات عميقة تهدف إلى بلورة موقف موحد داخل البيت السني”، مبيناً أن “السيناريو الأقرب هو أن يبقى المنصب من حصة حزب تقدم، سواء عاد الحلبوسي نفسه أو طُرح بديل من داخل الحزب، على اعتبار أن تقدم يمتلك الكتلة الأكبر بـ35 نائباً، وهو ما يمنحه أحقية المنافسة على رئاسة البرلمان، وفق معايير توزيع النقاط المعمول بها بين القوى السياسية”.
ويتابع أن “الأطراف السنية الأخرى، مثل تحالف العزم بزعامة مثنى السامرائي أو الجناح السياسي لخميس الخنجر، لا تملك ثقلاً نيابياً كافياً لتقديم مرشح منفرد، إلا في حال حصول اتفاق شامل بينهم، وهو احتمال ضعيف بالنظر إلى التباينات الشخصية والسياسية بينهم”، مشيراً إلى أن “الاتفاق المحتمل قد يتضمن تنازلاً من تقدم عن الوزارات السيادية لصالح الأطراف الأخرى مقابل ضمان المنصب التشريعي الأول والاكتفاء بوزارة غير سيادية”.
ويؤكد السعدي أن “الاجتماعات المرتقبة داخل البيت السني، ومنها الاجتماع المقرر في منزل السامرائي اليوم، ستكون حاسمة في رسم ملامح التسوية النهائية، تمهيداً للانتقال إلى الخطوة الدستورية التالية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم رئيس الوزراء”.
وبشأن التدخل الخارجي في حسم المناصب الرئاسية، يرى أن “المعادلة الحالية لا تنفصل عن تأثير العامل الخارجي، فملف الرئاسات الثلاث يخضع لتوازنات دقيقة بين واشنطن وطهران، مع ملاحظة أن الصوت الأمريكي بات الأعلى تأثيراً في رسم ملامح المرحلة المقبلة”، مضيفاً أن “إيران على ما يبدو ستتعاطى بمرونة مع هذا التوجه، بحكم المتغيرات الانتخابية التي منحت بعض الفصائل المسلحة ثقلاً سياسياً داخل البرلمان”.
وكان الحلبوسي والخنجر ظهرا بشكل مفاجئ في صورة مع أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة، ونقل بيان رسمي لحزب تقدم، تأكيد الأمير آل ثاني أهمية تعاون القوى الوطنية العراقية، لإكمال الاستحقاقات الدستورية.
وناقش اللقاءان -وفق البيان- تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، وأهمية التعاون وتوحيد المواقف في المحافل الإقليمية والدولية في القضايا ذات الاهتمام المشترك. فيما ذكر إعلام تحالف السيادة، الذي كان يتزعمه الخنجر، في بيان، أن اللقاء جاء على هامش انعقاد مؤتمر الدوحة 2025.
من جهته، يصر عضو حزب تقدم علي نجدية، أنّ “زيارة رئيس الحزب محمد الحلبوسي إلى قطر ولقاءه أميرها الشيخ تميم، هي زيارة اعتيادية لا تحمل أي طابع سياسي داخلي، بل تأتي في إطار العلاقات الطبيعية التي تجمع العراق بالدول العربية والإقليمية، خصوصاً قطر التي تربطنا بها علاقات طيبة ومستمرة”.
ويضيف نجدية أن “الزيارة جاءت خلال رحلة شخصية للحلبوسي إلى الدوحة كما رأيناه في مشجعا في مباريات المنتخب الوطني هناك، بهدف الابتعاد عن ضغوط ما بعد الانتخابات، وكانت المصادفة وراء لقائه رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر هناك، لاسيما أن الأخير يمتلك علاقات قديمة وممتدة مع قطر”، مشدداً على أن “المجلس السياسي الوطني تشكّل بإرادة عراقية خالصة، ولا يخضع لأي تأثير أو وصاية من أي دولة إقليمية سواء كانت قطر أو تركيا”.
ويتابع أن “اجتماع المجلس السياسي الوطني المقرر اليوم الخميس في منزل مثنى السامرائي، وهو الاجتماع الثالث للمجلس، قد يشهد انفراجة في ملف اختيار رئيس مجلس النواب الجديد”، مبيناً أن “حزب تقدم يبقى الأقرب لهذا المنصب لامتلاكه الكتلة السنية الأكبر داخل البرلمان، وهو ما يمنحه أفضلية واضحة وفق العُرف السياسي المعتمد منذ عام 2005”.
وبشأن التصريحات المنسوبة لمشعان الجبوري حول حسم المنصب لصالح رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، يشير الجبوري إلى أن “هذه الأحاديث لا تستحق التعليق، لأن الجبوري اعتاد الإدلاء بمواقف مثيرة للجدل وتسبح عكس التيار ولا تعبّر عن واقع المشهد السياسي”، مؤكداً أن “تقدم يتعامل مع الاستحقاق البرلماني بواقعية ومسؤولية، ولا يلتفت إلى التصريحات الإعلامية”.
ونقلت منصات الكترونية قول الجبوري، إن “الأمر قد قضي، وسيكون مثنى السامرائي رئيسا للبرلمان”، لكن الجبوري نفى هذا التصريح، مؤكدا عبر تدوينة في منصة “إكس” أنه لم يتحدث إلى أي وسيلة إعلام منذ أسبوع، واصفا الأمر بأنه “سقوط في ميزان مهنة الإعلام ومؤشر خطير على تراجع المنظومة القيمية”.
وفيما إذا ما كان اختيار رئيس الوزراء قد يسبق اختيار رئيس البرلمان، يرد نجدية بالقول إن “منصب رئيس مجلس النواب يُعدّ الأسهل حَسماً بين الرئاسات الثلاث، مقارنة بمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وأن حزب تقدم مستعد للتعاون مع الإطار التنسيقي لتسهيل عملية تشكيل الحكومة المقبلة وتجاوز حالة الانسداد السياسي الراهنة”.
ويشهد البيت السني حراكاً سياسياً متسارعاً لحسم اسم المرشح لرئاسة البرلمان، وتتزايد التوقعات بأن اجتماع المجلس الساسي “السني” المرتقب سيحسم اسم المرشح النهائي للمنصب، وتؤكد القيادات السياسية السنية، أن التوافق يظل الخيار الأساس لضمان تمثيل المكوّن وتوحيد رؤيته للمرحلة المقبلة.
وكان القيادي في تحالف السيادة زيد الكرطاني، قال في تصريح صحفي، إن “حوارات اختيار رئيس البرلمان العراقي ما زالت في مراحلها الأولى، والأمر يحتاج إلى مزيد من النقاشات والمشاورات بين القوى السياسية السنية لضمان الوصول إلى توافق وطني”.
إلى ذلك، يعلق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، بأن “لقطر دوراً مؤثراً ومتنامياً في المشهدين العراقي والإقليمي، وزيارة رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر إلى الدوحة تأتي ضمن هذا الإطار، كمحاولة لرأب الصدع بين الزعيمين السنيين وإعادة ترتيب البيت السني في مرحلة سياسية بالغة الحساسية”.
ويضيف الفيلي أن “الاجتماعات التي جرت في الأيام الماضية ببغداد لم تنجح في تجاوز الخلافات داخل المكون السني، خصوصاً مع بروز أقطاب متعددة وتعدد القوى المتنافسة على استحقاق رئاسة مجلس النواب، وهو ما دفع قطر إلى الدخول على خط الوساطة في محاولة لجمع شمل الأطراف السنية وتوحيد موقفها تجاه الاستحقاقات المقبلة”.
ويتابع أن “هذا التحرك ليس جديداً أو غريباً، فكما لإيران وتركيا والسعودية والولايات المتحدة تأثير مباشر في المعادلة العراقية، تسعى الدوحة اليوم إلى لعب دور موازٍ من خلال تقريب وجهات النظر داخل المكون السني وإيجاد صيغة توافقية تضمن استقراره السياسي”، مبيناً أن “المرحلة الحالية تتسم بتعقيد شديد داخل الإطار التنسيقي الشيعي أيضاً، ما يجعل من لمّ الشمل السني خطوة ضرورية لترتيب التوازنات قبل حسم الرئاسات الثلاث”.
ويشير الفيلي إلى أن “الحلبوسي، بصفته صاحب الكتلة الأكبر داخل المكون السني، أعلن أكثر من مرة تمسكه باستحقاقه في رئاسة البرلمان، لكنه في الوقت ذاته طرح إمكانية مناقشة بدائل أخرى مثل رئاسة الجمهورية في حال تعذر الاتفاق على المنصب الأول”، مضيفاً أن “كل هذه الاحتمالات تستدعي تدخلاً خارجياً متوازناً، وقد يكون الحضور القطري محاولة لتوزيع الاستحقاقات الوزارية والمناصب السيادية بطريقة تضمن تمثيلاً عادلاً ومتوازناً”.
ويختم الفيلي بالقول إن “موضوع الزيارة ربما لا يتوقف عند حدود المكون السني، بل يتعداه إلى رسم ملامح أوسع لمرحلة اختيار رئيس الوزراء المقبل، إذ تسعى بعض الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها قطر، إلى أن يكون للمكون السني رأي مؤثر في هذا المسار، بما يسهم في خلق توازن سياسي جديد داخل العملية السياسية العراقية”.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!