ابحث في الموقع

الاتفاق الأمني بين الجولاني وإسرائيل: نهاية الأزمة أم استمرارها؟

الاتفاق الأمني بين الجولاني وإسرائيل: نهاية الأزمة أم استمرارها؟
الاتفاق الأمني بين الجولاني وإسرائيل: نهاية الأزمة أم استمرارها؟

بقلم: د. سلام عودة المالكي

جرت خلال الأيام الماضية اجتماعات مكثفة بين وفد حكومة الجولاني وعدد من المسؤولين الصهاينة في واشنطن برعاية أمريكية تهدف الى إبرام اتفاق أمني بين الطرفين (يرجح توقيعه في الخامس والعشرين من الشهر الحالي).

وتتوخى حكومة الجولاني التوصل إلى حل سلمي للتصعيد العسكري الإسرائيلي المتمادي منذ سقوط نظام الأسد. وبحسب ما صرح به الجولاني فإن الاتفاق لا يرقى إلى معاهدة سلام بين الطرفين. ولعل الأحداث المتسارعة في المنطقة والعدوان الصهيوني على العديد من البلدان، وطموحات اليمين المتطرف في الكيان للسيطرة على مناطق متعددة في سوريا… ناهيك عن المشروع الأهمّ المتمثل بإقامة “دولة إسرائيل الكبرى“، قد يحول دون تحقيق نتائج مرجوة من هذه اللقاءات والاتفاقات.. فضلا عن تراجع أسهم الجولاني لدى العديد من الدول العربية والاقليمية الداعمة له في المنطقة، بعد ما تبين ضعف حكومته بشكل كبير مقارنة بالواقع الذي كان قائما قبل استلامه السلطة، وهو ما بدا واضحا في تصاعد وتيرة الاحداث والنزاعات الداخلية بين مختلف الأطراف السورية، بدءاً من مناطق الساحل والمجازر التي اقترفتها الفصائل المسلحة تجاه العلويين، مرورا بأحداث السويداء مع الدروز التي لا زالت مستمرة، وانتهاء بالصراع الأكثر حدة في مناطق الأكراد التي تسيطر عليها قوات “قسد” والمعارك الدائرة فيها مع القوات الحكومية من جهة والعشائر العربية من جهة ثانية.

لقد أدى ضعف أداء حكومة الجولاني في التعامل مع هذه الأحداث إلى تراجع الدعم الإقليمي والدولي لها، كما تبين أنها حكومة لا يمكن الوثوق بها مع خروج الأمر عن السيطرة حتى على المجموعات المسلحة التي انخرطت ضمن الحكومة، فضلاً عن عدم تمكنه من تحقيق وفاق وطني شامل.

ولا شك أن عصابة الإجرام في الكيان الصهيوني لن تلتزم بأي اتفاق أمني أو معاهدة سلام مع أي طرف كونها تحصل على أكثر مما تريد عن طريق شن الحروب وعدم الاكتراث بالقانون الدولي الذي توضحت ملامح ضعفه اتجاه اسرائيل بوجود الفيتو الأمريكي.

جدير بالذكر أن العدوان الاخير على قطر كشف عن تمادي الكيان الصهيوني في عدوانه وسعيه إلى تحقيق أهدافه التوسعية في السيطرة والانفراد والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وإرساله لرسالة واضحة أن الجميع لا يمكنه مواجهة التحديات الكبرى التي تسعى إسرائيل لفرضها كأمر واقع.

ثم أن سقوط نظام الأسد أسهم بشكل كبير في الإخلال بمعادلة توازن القوى الإقليمية، ذلك أن خروج سوريا وحلفائها من خط المواجهة مع الكيان الصهيوني أدى إلى تغيير جذري في معادلة القوة والردع القائمة منذ عقود مع هذا الكيان، وهو امرٌ رسخ الاعتقاد بأن تغيير النظام السياسي في سوريا كان خطأ فادحا وأن ضعف الأداء ساعد في تزايد وحشية الكيان في المنطقة رغم كل التحولات الدراماتيكية التي قام بها الجولاني لإرضاء الجميع. وفي ضوء ما تقدم ذكره فإن دول الخليج وتركيا أدركوا جيدا أن الوضع الراهن لن يحقق ما كانوا يهدفون إليه من إسقاط نظام الأسد وإقصاء حلفائه، والاعتماد على نظام جديد يمكنهم من خلاله السيطرة على سوريا، وإقامة علاقات سياسية قوية مع إسرائيل للحفاظ على أمنها لأن قناعتهم حول محور المقاومة كما روجت له الولايات المتحدة الأمريكية هو مكمن الخطورة الذي يهدد الوجود الامريكي وحلفاءه ومصالحهم المشتركة، وعملت على حشد الدعم والتأييد من قبل دول المنطقة للإطاحة به.

إلا أن ما حدث لم يكن في الحسبان بعد تغير المواقف الأمريكية، والكشف عن حقيقة المشروع الذي أعد سلفاً للسيطرة على المنطقة وإخضاعها لنفوذ وسيطرة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، والاستعداد لتنفيذ مشروع دولة إسرائيل الكبرى، والتفرد بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي والسعي الحثيث نحو إحداث تغيير ديموغرافي في العديد من دول المنطقة ورسم خرائط جديدة تكون بداية عهد لنظام دُوَليّ جديد “صهيوأمريكي” بامتياز.

إنّ ما ذكرناه سابقاً في أكثر من مقال حيث حذرنا من خطورة الوضع الراهن في المنطقة ومن السياسات الأمريكية والمطامع الصهيونية تجاه دول المنطقة بات واضحا اليوم دون أدنى شك، وأن استعجال حكومات المنطقة في الاعتراف بحكومة الجولاني، وعدم التأني في التعامل مع المتغيرات السياسية في سوريا جاءت بما كان متوقعاً، فهو مشروع قد تم التخطيط له عبر خطوات عميقة واستراتيجية أعدت له كافه المتطلبات لإنجاحه وتحقيق الأهداف المرجوة في هذا السياق، وما الجولاني و عصابته إلا أداه لتنفيذه. ولتعلم دول المنطقة أن إسرائيل باتت على حدودها بعد سقوط النظام السوري السابق الذي كان بالرغم من كل سلبياته سدا وعقبة في وجه المشروع الصهيوامريكي.

أن المتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة تنذر ببوادر حروب جديدة في اكثر من مكان قد تكون بداية لتحولات جيوسياسية مهمة على المدى القريب والبعيد ولا يمكن التنبوء بنتائجها وآثارها وقد تحرق الأخضر واليابس.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!