تحوّل ضعف الأداء التشريعي والرقابي إلى سمة ملاصقة لمجلس النواب بعد أن بات مجرّد حلبة لتصفية الحسابات السياسية و منبرا للدفاع على المصالح الضيقة والرؤى الفئوية.
إذ أكدت جهات سياسية، وجود تعمد سياسي من اجل إبقاء مجلس النواب العراقي مشلولاً، جاء ذلك بالتزامن مع إعلان كتلة تقدم البرلمانية، مقاطعة جلسات مجلس النواب، بسبب عدم إدراج فقرة التصويت على تشريع تعديل قانون العفو العام.
وقال النائب المستقل احمد الشرماني، إن “هناك تعمدًا واضحًا من قبل جهات سياسية لابقاء مجلس النواب مشلولا وبلا أي عمل تشريعي حقيقي وكذلك قتل الأداء الرقابي خاصة المتعلق باستجواب المسؤولين، بسبب الحماية الحزبية والسياسية لهؤلاء المسؤولين رغم وجود مؤشرات كثيرة عليهم”.
وأضاف، أن “الدورة البرلمانية الحالية، تعتبر من اضعف الدورات من حيث التشريع والرقابي، وذلك بسبب الصراعات السياسية ما بين القوى المتنفذة، وكذلك وجود إرادة سياسية بان يبقى دور البرلمان مشلولا ولا يلبي بشكل حقيقي تطلعات الشعب العراقي ولا حتى النواب، الذين يسعون الى تفعيل الدور الرقابي”.
ولم تشهد الدورة الحالية لمجلس النواب العراقي حتى الآن، سوى عدد محدود من الاستضافات كاستضافة وزيري الداخلية والاتصالات، وهذا يعتبر قليلاً مقارنة بالدورات الأربع الماضية للبرلمان، التي شهدت الكثير من الاستضافات للوزراء.
إلى ذلك، أعلنت كتلة تقدم النيابية، مقاطعة جلسات مجلس النواب، بسبب عدم إدراج فقرة التصويت على تشريع تعديل قانون العفو العام.
وقالت الكتلة في بيان، إنه “في الوقت الذي نؤكد فيه التزامنا التام وحرصنا العالي على تعزيز المسار الديمقراطي وترسيخ مبادئ العدالة والإنصاف والالتزام بالاتفاقات السياسية التي تعهدنا على تنفيذها مع الشركاء ودعم الحكومة وبرنامجها فإن من أهم القضايا التي تناولتها ورقة الاتفاق السياسي مع الكتل السياسية في البرنامج الحكومي هو تشريع تعديل قانون العفو العام؛ وذلك لبناء مستقبل أكثر أمناً واستقراراً وعدالة وإنصاف المظلومين والأبرياء”، بحسب تعبير البيان.
وأضافت “إن عدم إدراج فقرة التصويت على تشريع تعديل قانون العفو العام واستكمال التصويت عليه بالمجمل في جلسات مجلس النواب العراقي يمثل إخلالا بأحد أهم بنود ورقة الاتفاق السياسي والبرنامج الحكومي. لقد كانت كتلة تقدم وما زالت حريصة على إقرار هذا القانون المهم، والذي يرفع الظلم عن الأبرياء من أبناء شعبنا العراقي”، على حد تعبير البيان.
وأتم البيان، “عليه ولأجل كل ما تقدم، تعلن كتلة تقدم النيابية أنها ستقاطع جلسات مجلس النواب لحين تضمين فقرة التصويت على القانون في جدول أعمال الجلسات المقبلة، إيماناً بحقوق شعبنا ووفاءً منا بالتزاماتنا السياسية وتعهداتنا أمام عوائل المظلومين. وندعو إخوتنا في القوى السياسية الأخرى إلى التأكيد على إقرار هذا القانون والقوانين المهمة الأخرى التي اتفقنا على المضي بها، وتلبية المطالب الشعبية التي تنتظر إقرار هذه الحزمة من القوانين”.
وشهدت الجلسة الأولى من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الرابعة والأخيرة، يوم أمس الاثنين، التصويت على تمديد عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولمدة سنتين، وعلى مقترح قانون التعديل الاول لقانون جوازات السفر رقم 32 لسنة 2015، فيما أجل المجلس التصويت على مشروع قانون جهاز المخابرات الوطني والتصويت على مشروع قانون التعديل الرابع لقانون الاستثمار الصناعي للقطاعين الخاص والمختلط رقم (20) لسنة 1998، كما انهى القراءة الأولى لمقترح قانون التعديل الثاني لقانون حقوق ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013.
وأجل المجلس أيضا القراءة الأولى لمقترح قانون حماية حقوق الأقليات وانهى تقرير ومناقشة القراءة الثانية مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023 – 2024 – 2025 ) رقم (13) لسنة 2023 وتقرير ومناقشة القراءة الثانية مقترح قانون التنظيم النقابي للعمال والموظفين الحرفيين في العراق.
وتوصف حصيلة مجلس النواب العراقي في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بالضحلة، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله.
وتأخذ محاولة تمرير أيّ قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.
ويواجه البرلمان العراقي، عقبات كثيرة تمنعه من ممارسة دوره الرقابي في إستجواب المسؤولين ممن أشرت عليهم ملفات إخفاق في العمل والأداء وشبهات فساد وغيرها، إذ أنه لم يجر إلا استجوابات بنطاق محدود جدا، على الرغم من التصريحات المتكررة من قبل نواب عن تقصير وفساد في مفاصل الحكومة، والسعي لاستجواب عدد من الوزراء والمسؤولين.
ويعد تعطل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.
يشار إلى أن موضوع تمرير القوانين الجدلية وهي (العفو العام والأحوال الشخصية واعادة العقارات لأصحابها) بنظام ما يعرف بـ “السلة الواحدة” ليس جديدا على البرلمان العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين الى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.
ويواجه تعديل قانون العفو العام، اعتراضات ومخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم “داعش”، ويعد هذا التعديل من المطالب الرئيسية لمعظم القوى السنيّة، وكان من بين أبرز الشروط التي وضعتها في مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل التصويت عليها داخل البرلمان في تشرين الأول 2022.
ويشهد البرلمان العراقي في دوراته السابقة جلسات استجواب لوزراء ومسؤولين حكوميين يتخللها فوضى وتبادل للكلام بين المسؤول والنائب المستجوب، ورغم إعلان أعضاء في مجلس النواب الحالي أن البرلمان مقبل على حملة استجوابات للكثير من المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهات فساد وهدر المال العام، لكن لم تحدث هذه الاستجوابات.
وكان النائب المستقل جواد اليساري، توقع في تصريح سابق، أن “تواجه إجراءات التعديل الوزاري صعوبات، بالرغم من وعود السوداني بالأمر، وخاصة بعد انتخاب رئيس مجلس النواب، فالكتل والأحزاب السياسية تعارض هذا التعديل، كونه سوف يمس مصالحها، ولذا فإنها تريد استمرار الوضع كما هو عليه دون أي تعديل وزاري”.
يشار إلى أن آخر استجواب قام به مجلس النواب في 13 آذار 2024 طال رئيس شبكة الاعلام العراقية السابق نبيل جاسم الذي فشل بإقناع المجلس بأجوبته، واكتفى المجلس بسحب يده من إدارة الشبكة فقط بدون مساءلته قانونيا عن الملفات التي استجوب على أساسها.
أقرأ ايضاً
- رئيس الوزراء: مشروع طريق التنمية سيعزز قوة العراق في المنطقة سياسياً واقتصادياً
- السوداني: لا مجال لمناقشة تغيير النظام السياسي في العراق
- أوروبا تمد يدها لسوريا بشروط! : لن نمول هيئات إسلامية... والحل السياسي مع الكرد ضرورة