- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم - الجزء السادس
بقلم: د. عبد المطلب محمد
اتفاقية سيداو (CEDAW)
اصدرت الأمم المتحدة العديد من الاتفاقيات والمعاهدات فيما يخص قضايا المرأة والعائلة والاطفال والشاذين ولكن أولها واخطرها هي (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) والمعروفة اختصارا بأسم (سيداو). وتستهدف هذه الاتفاقية بشكل اساسي التشريعات الدينية وخاصة الاسلامية ومبادئها السامية بوصفها المرجع الرئيسي في بيان واجبات المرأة والرجل وتحديد ادوارهما ضمن بناء وهيكلية العائلة. وتتسم أفكار هذه الاتفاقية بالتعالي والتطرف والشذوذ وتتبنى صـراع الجنسين المرأة والرجل, وكأنهما أعداء, وتهدف إلى تقديم مفاهيم جديـدة عـن الـدين والاعراف والتـاريخ والثقافة والعلاقات العائلية. صدرت هذه الاتفاقية بتاريخ 18 كانون الاول 1979 واصبحت فيما بعد الاساس لما أتى من بعدها من اتفاقيات ومعاهدات لتفكيك عرى الاسرة الصالحة وهدم كيانها ونشر الرذيلة وتشريع وتشجيع جميع اشكال الفساد الخلقي والاباحية والتحلل الاجتماعي واطلاق يد المفسدين ونشر ثقافتهم وهو ما يمثل تهديدًا مصيريا ليس للشعوب والمجتمعات الإسلامية والعربية فحسب، بل وللوجود البشري بأسره.
وتدرك الامم المتحدة جيدا ان ما تطرحه وتقترحه من أفكار ومضامين وأجندات يتعارض بشدة مع أديان ومعتقدات وثقافات الكثير من شعوب العالم وأنها ستواجه بالرفض التام وعدم القبول إذا ما طالبت به بشكل مباشر ولذا فإنها دائما ما تطرح مشاريعها ومضامينها من خلال شعارات خداعة ومصطلحات قابلة لاكثر من تفسير مثل حقوق الإنسان, المساواة, العنف ضد النساء, الزواج القسري, الصحة والوقاية من الامراض, حرية المرأة وحقها في العمل والتعلم وغيرها من الشعارات البراقة وتربط هذه الشعارات بالتنمية المستدامة للمجتمعات !من دون ان تبين العلاقة فيما بينهما.
ومن المآخذ التي يمكن تسجيلها, في البداية, على منظمة الأمم المتحدة هي منحها لنفسها سلطة شمولية وولاية عالمية مطلقة. حيث تسعى الأمم المتحدة من خلال ذلك إلى فرض وصايتها ورؤيتها وأفكارها على شعوب الأرض قاطبة وتمنح لنفسها الحق في تحديد ما هو جيد وخير ونافع وضروري للبشرية جمعاء وما ينبغي تغيره وتركه ورفضه لانه لا يتماشى مع مجموعة الممارسات الاخلاقية التي تسود الدول الغربية التي تدير المنظمة. ولذلك تطالب المنظمة من جميع الدول بالتخلي عن مبادئها الدينية وتشريعاتها الوطنية وقيمها الاخلاقية وعاداتها الاجتماعية وأعرافها الحميدة والانقياد والتسليم لما تأمر به المنظمة في معاهداتها ومواثيقها, مانعة الدول والشعوب من أبداء أي تحفظات على أي مادة من المواد الاساسية للاتفاقيات. وهذه السلطة المطلقة والولاية العامة تنطلق من نفس النظرة العنصرية التي يتميز بها الاوروبي الغربي المسيطر على قرارات الامم المتحدة منذ عام 1945 واحتقاره لاديان ومعتقدات وقيم وثقافات الشعوب الاخرى (انظر بقية أجزاء المقال) في تناقض صريح بين ما تتبجح به منظمة الأمم المتحدة من حماية الحريات واحترام أديان ومعتقدات وثقافات شعوب العالم المختلفة وبين ما تفرضه في واقع الأمر على الشعوب والمجتمعات.
لقد انظمت أو صادقت جميع دول العالم على اتفاقية (سيداو) وامتنعت أربع دول عن المصادقة وهي ايران, عمان, قطر والامارات العربية المتحدة وقدمت العديد من الدول العربية والاسلامية تحفظات على بعض بنود الاتفاقية كانت في اغلبها تركز على المواد (2, 9, 15 و16) لمخالفتها الصريحة لنصوص الشريعة الاسلامية أو للتشريعات الوطنية المعمول بها. وعند النظر للوهلة الاولى الى مواد هذه الاتفاقية نرى بانها حقوقا عادية وطبيعية ولكن عند التعمق في مضامينها وتطبيقاتها على الشعوب نرى انها تمثل حرب شرسة تشنها المواثيق الدولية على الدين الحنيف والفطرة الانسانية والمباديء السامية وتهدف في النهاية لهدم منظومة الأخلاق والقيم بشكل عام، والقيم الأسرية بشكل خاص من خلال فرض رؤيتها الشاذة لحقوق الانسان والمرأة والطفل على الشعوب ومراقبتها ومحاسبتها في حال عدم اقرارها وتطبيقها.
فالمادة الثانية تتعلق بمبدأ المساواة التامة والمطلقة ما بين المرأة والرجل حيث تطالب الامم المتحدة جميع الدول باتخاذ جميع التدابير المناسبة, بما في ذلك التشريعية واصدار القوانين, لتعديل أو الغاء التشريعات الدينية والقوانين والاعراف والممارسات القائمة التي تتعارض مع هذه الفكرة. وهذه المساواة مخالفة صريحة لما جاء في القرآن الكريم في الآية (36) من سورة آل عمران (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) وتجاهل لجميع الاختلافات الموجودة ما بين الرجل والمرأة من الناحية البدنية والعضوية والنفسية وما ينتج عن هذه الاختلافات من حقوق وواجبات تتناسب مع طبيعة كل منهما.
أما المادة التاسعة فتتعلق بجنسية المرأة وجنسية الاطفال وتطالب الاتفاقية بمنح المرأة (حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية اطفالها). وتتعرض المادة الخامسة عشر الى مسألة حقوق المرأة وتنص على ضرورة قيام الدول بمنح الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بحركة الاشخاص وحرية اختيارالمرأة لمحل سكناها واقامتها, فيما تطرقت المادة السادسة عشر الى الزواج والعلاقات الاسرية وتفرض هذه المادة منح نفس الحقوق والمسؤوليات للمرأة اثناء الزواج وعند فسخه وفي اختيار اسم الاسرة والمهنة والوظيفة وفيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الاطفال وتحديد سن أدنى للزواج.
يقول القرآن الحكيم في الآية رقم (34) من سورة النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) بينما تشير اتفاقية سيداو الى أن الرجل لا يملك الولاية على المرأة والأب لا يملك الولاية على بناته. كما يقول القرآن الكريم في الآية رقم (5) من سورة الاحزاب (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) وتقول اتفاقية سيداو ان ينسب الأولاد لأمهاتهم أيضا في التسمية.
والحقيقة ان أخطر ما جاء في الوثيقة قد تم طرحه في المواد (2, 5, 10, 15 و 16). حيث تتعلق المادة الخامسة بتعديل الانماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة حيث تدعوا الاتفاقية الى اتخاذ (الدول الاطراف جميع التدابير المناسبة ... لتعديل الانماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة, بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الاخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة) وبمعنى آخر الغاء التشريعات الدينية والممارسات الفطرية والعادات العرفية وكل الممارسات الاخرى التي تتعارض مع هذه المادة وأن يتخلى الرجل عن رجولته والمرأة عن انوثتها ويتحولا الى كائن واحد متشابه.
ان أحكام الشريعة الاسلامية تمنح المرأة حقوقا معادلة لحقوق زوجها من أجل ضمان توازن عادل بينهما. فهي تفرض على الزوج أداء المهر المناسب للزوجة والانفاق عليها وبأعالة جميع أفراد عائلته في حين لا يطلب من الزوجة اعالة اسرتها ومن حقها اضافة الى ذلك الاحتفاظ بأموالها الخاصة ولايفرض عليها الانفاق منها حتى لاعالة نفسها. كما يطلب من الزوج اداء نفقة للزوجة عند الطلاق. كل ذلك مراعاة لما تقوم عليه العلاقات الزوجية من قدسية مستمدة من العقائد الدينية.
أما في المادة العاشرة فتطلب الاتفاقية (القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم).
وبمعنى آخر تدعوا الاتفاقية الى الاختلاط وتشجيعه وازالة الحواجز ما بين المرأة والرجل ليقوما بنفس الادوار والواجبات الاجتماعية والغاء جميع المباديء الدينية والاعراف التي تتعارض مع هذا التوجه.
هذه أهم المواد الرئيسية (هنالك غيرها) التي تم التحفظ عليها من قبل العديد من الدول وخاصة الاسلامية في اتفاقية (سيداو) اضافة الى العديد من النقاط الفرعية والثانوية. وذكرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة (لاحظت اللجنة بانزعاج, كثرة الدول الاطراف التي أدخلت تحفظات على المادة (16) كلها أو جزء منها ولا سيما عند قيامها بأبداء تحفظات على المادة (2) مدعية ان الامتثال يمكن ان يتعارض مع رؤية عامة للاسرة تبنى ضمن جملة امور على المعتقدات الثقافية أو الدينية أو القوانين الخاصة أو الاعراف و(على هذه الدول الاطراف) ان تسعى الى الوصول الى مرحلة تسحب فيها التحفظات وخاصة على المادة 16). ويلاحظ اللهجة الاستعلائية التي تتحدث بها اللجنة وكأنها هي المثل الاعلى الحقيقي والمعبر الوحيد عن الفطرة الانسانية والضمير البشري وصوت جميع الشعوب وصاحبة الحق الشرعي المطلق فهي ترفض رفضا قاطعا أي شرائع دينية أو سماوية أو قوانين أو أعراف تتعارض مع ما تتبناه.
كما تضمنت أهداف التنمية المستدامة لغاية العام 2030 للأمم المتحدة سبعة عشر هدفا من ضمنها هدفين لا علاقة لهما بالتنمية المستدامة كما يفهمها الجميع وهما الهدف الخامس والخاص بـ (تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات) والهدف السادس عشر والمتعلق بـ (التشجيع على اقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة). وهذان الهدفان ما هما الا تأكيدا وتناغما مع مواد اتفاقية (سيداو) السيئة السمعة وهي محاولة لاتباع نهج دكتاتوري استعماري عنصري في فرض الممارسات والمفاهيم الغربية على جميع الدول.
ان الاخطر من ذلك هو ان اتفاقية (سيداو) لم تكن الا اللبنة الاولى التي تم فيما بعد التوسعة في مطاليبها ومضامينها وسياساتها بحيث جاءت المعاهدات والمواثيق اللاحقة لتشكل بمجملها حرب على الدين والمعتقدات والثقافات والاعراف والتقاليد السائدة في الكثير من الدول وخاصة الدول العربية والاسلامية كما سيتم بيانه في الاجزاء اللاحقة. حيث ان أغلب مواد هذه الاتفاقيات تتعارض بشكل صميمي مع الشريعة الاسلامية والفطرة الانسانية السليمة.
أقرأ ايضاً
- الجنائيَّة الدوليَّة وتحديات مواجهة جرائم الكيان الصهيوني
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير