- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراق بين التحديات والعبر المستفادة من مؤتمر غلاسكو للتغيّير المناخي
بقلم: د. احمد عبد الرزاق شكارة
ينعقد مؤتمر كلاسكو للتغيير المناخي في الفترة بين 31 اوكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021 في ظروف حرجة - قاسية لامثيل لها تاريخيا تؤثر وبشكل خطيرعلى مصير كوكبنا وبقاء شعوب الارض كنتيجة متوقعة من تفاقم ظاهرة التغيير المناخي التي تعرف ايضا بالاحتباس الحراري الذي وصل وبسرعة قصوى لحدود تهدد مصير البشرية ومستقبل الاجيال القادمة.
ما يستوجب تظافر الجهود والامكانات العالمية لمعالجة الشأن البيئئ – الانساني بكل تفصيلاته بدءا من الالتزام الصارم بعدم ارتفاع درجة الحرارة اكثر من 1.5 درجة مئوية قبل 2050 او نهاية القرن ال21 وصولا لحماية كافة المصادر الطبيعية والبشرية في ظل الالتزام بإستراتيجية كونية للامن الوطني - البيئي المستدام .مسألة لازالت خاضعة للجدل او للاهواء وللمصالح الضيقة اكثر منها التزامات واجبة الالتزام . هذا من منظورمكمل يعد الوضع الستراتيجي - البيئي في العراق على المحك بأنتظار بلورة إرادة سياسية فاعلة تتجسد بقرارات وطنية ، علمية جريئة ،ومستنيرة تحمي البلاد والعباد من تنامي التحديات والتداعيات البيئية السلبية الخطيرة المؤثرة على مجمل خريطة التنمية الانسانية المستدامة وذلك وفقا لاهداف التنمية المستدامة في الالفية الثالثة (2030- 2050).
ضمن سياق راصد لمؤشرات التحديات البيئية المتوقعة رحب وزير البيئة العراقي السيد جاسم الفلاحي بعضوية العراق في المجلس التنفيذي للمسؤولين عن شؤون البيئة باعتباره «إنجازا دبلوماسيا»إلا انه اطلق تحذيرا مفاده كون العراق “يعد خامس اكثر دولة في العالم تأثرت بموضوع التغييرات المناخية من التلوث والتصحر والجفاف والعواصف الغبارية وتناقص الايرادات المائية ، ما يؤثر على الامن المائي والغذائي بشكل كبير وبالنتيجة على الامن الوطني”. من هنا، لعل ما يضاعف المسؤولية الوطنية في مرحلة جد حرجة الاعتراف بضرورة تسريع زخم الجهود الوطنية على صعيد القطاعين العام والخاص معا من أجل أحتواء المخاطر البيئية المتنوعة لارتفاع درجات الحرارة القاسية التي وصلت لارقام قياسية (مافوق ال50 مئوية) في العراق وفي الكويت وعدد من دول منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية هذا من جهة ، إضافة لتصاعد معدلات التلوث «البحري ، البري والجوي» وحالات الجفاف والتصحر بصورة غير مسبوقة ستوصلنا بالضرورة في حالة الاخفاق في ايجاد معالجات جذرية ، علمية ، وخارجة عن التفكير التقليدي إلى تأثيرات جيوسياسية – اقتصادية – أنسانية خطيرة على الامن الوطني بمختلف انواعه : المائي – الغذائي – البيئي وأمن الطاقة.
مكمن الخطورة الصارخة للامن الوطني العراقي قد سمح - خاصة في ظل عدم توافر توازن أمني - إستراتيجي إقليمي يحمي المصالح الحيوية العراقية - للدول الجارة للعراق بتحكم واضح بمنابع نهري دجلة والفرات وشبكة التفرعات النهرية الحيوية منتجا هيمنة جيوسياسية – اقتصادية على العراق . لعل ما يضيف تعقيدات شديدة للمشهد البيئي مشهد آخذ لايقل خطورة متمثل بالتغيير السريع في الشأن الوبائي يحتاج ايضا لمعالجة إبداعية ترتبط بالتخفيف من تصاعد حدة وخطورة جائحة – كوفيد 19 مع كل سلالاتها المتحورة. ترتيبا على ذلك ، لابد للامن الصحي ان يكون قرينا في البحث والمعالجة لكل انواع الامن البيئي - المائي - الغذائي بل وأمن الطاقة الذي يفترض ان ينحو بإتجاه الطاقة المتجددة Renewable Energy بعيدا عن استمرارية الاتكال الكبيرعلى الطاقة الاحفورية للنفط و للغاز الطبيعي الملوثة للبيئة كنتيجة متوقعة لتصاعد مستمر لنفاذية غاز ثاني اوكسيد الكاربون والميثان. ترتيبا على ذلك، يبدو من الضرورة بمكان أن تتجه الانظار والجهود العراقية نحو تلبية متطلبات وإحتياجات الشعب العراقي الاساسية من الماء ، الغذاء والطاقة “غير الملوثة للبيئة” وفقا لمسار يأخذ بالاعتبار حيوية التكييف مع تقنيات عصر جديد للبيئة الخضراء»محصنة بإحزمة خضراء» تحمي بلادنا من إمتداد ظاهرة التصحر والجفاف للمناطق الحضرية التي تستقطب ملايين البشر الذين هم اصلا في حالة يرثى لها .
ضمن هذا التصور يفترض ان تتم التهيئة الملائمة لتاسيس اقتصاد حديث للبيئة الخضراء يعهد بمسؤوياته لقيادات ونخب من القطاعين الحكومي والخاص بصورة معها ترتفع معدلات النمو الاقتصادي ما يسمح بإستقطاب العمالة المتخصصة التي يمكنها معالجة التفصيلات التنموية لقطاعات الاقتصاد الوطني التقليدي والحديث “المعرفي – الرقمي– السايبري» لمختلف انواع الطاقة وعلى رأسها المتجددة الخالية من التلوث الكبير . إن تصور ما يمكن للعراق ان ينفذه من مشروعات تنموية رائدة على أرض الواقع مسألة ذات أبعاد مهمة تتمحور حولاولوية توافر الامكانات البشرية المتخصصة بالتواز مع الاستفادة من قدرات مالية ملائمة كافية تنتعش معها أدوار مبدعة للنخب العراقية في القطاعين العام والخاص.
بمنظور استراتيجي يوفر محيط متداخل ومتكامل من أمن - بيئي – صحي – أجتماعي – اقتصادي – إعلامي وثقافي يستقطب الكفاءات العراقية التي وجدت ملاذات آمنة في بلاد مزدهرة إقتصاديا – مجتمعيا وتقنيا في ظلها تكرم وتقيم جهودها الضخمة لبناء نظام عالمي أو اقليمي (في دول الاتحاد الاوروبي مثلا) مبدع جديد يجعلنا كعراقيين نفخر حقا بإنجازاتهم المتقدمة. ضمن هذا التصوريفترض أن تقع المسؤولية الوطنية الكبرى على القيادة السياسية العراقية في الاستفادة من ابحاث وإنجازات باهرة لعلماء العراق في مجالات حياتية متنوعة على راسها مايتصل بكيفية تخفيف حدة المخاطر الكونية في حقلي التغيير المناخي والصحة العامةالناجمة عن تصاعد معدلات الاصابة بكوفيد -19 أو تنوع تحور سلالاتها وانتشارها . علما بإن كلتا الجائحتين المناخية والصحية اودت لحد الان بارواح الملايين من البشر مع مزيدا من الخسائر المادية والمعنوية «النفسية» التي لايمكن تقييمها كميا.
من هنا ، أولوية الحرص على الحفاظ على الارواح اولا وقبل كل شيئ ارواح لازالت تزهق في بلدنا لاسباب ومبررات (لاترتبط بالتغيير المناخي اوكوفيد -19) لايمكن تقبلها ولا بأي حال من الاحوال كونها ناجمة عن عوامل ونوازع بشرية اكثر منها طبيعية من أمثلتها إحتدام حاد للصراعات الفئوية – الدامية وفقا لاستمرار ظاهرة المحاصصة السياسية والتمسك بالتقاليد البالية اوالتي تحمل السمات "الطائفية – العرقية – العشائرية – الجهوية" قبل وما بعد 2003.
اوضاع كهذه اوصلت العراق لحالة من الهشاشة والفشل كان يجب لأنتفاضة او ثورة تشرين الشبابية لاكتوبر 2019 ان تسدل الستار عنها وهذا ما تحقق نسبيا وفقا للنتائج الاولية للانتخابات الخامسة لاعضاء البرلمان القادم “التي ستضحى حقيقة نهائية قريبا” ما يحدث هزة سياسية او متغيرات في طبيعة تشكل الكتل ، الاحزاب والولاءات .
إن انطلاق عراق جديد تنتهي معه المحاصصة وكل ما يعتبر ولاءات ثانوية وولاءات مابعد الحدود الوطنية في ظل مناخ مستقر وآمن نسبيا سيعني الكثير لكل العراقيين الطامحين لتاسيس دولة المواطنة – الدولة المدنية – بعيدا عن تسييس الدين والمذهب والعرق.
محيط كهذا سيوفر مجالا خصبا وموات لمعالجة ظاهرة التغيير المناخي علميا وعمليا من جهة بالتواز مع معالجة للاثارالخطيرة المترتبة على الانتشار السريع لتحورات جائحة كوفيد -19 من خلال إنجاز عمليات التلقيح المناسبة للنسبة الاكبر من السكان.
علما بإن استعادة العراق لدوره المبادر والمبدع لن تعيقه مدى توفرالامكانات المادية “المالية – الاقتصادية” خاصة إذا ما وصلت للحكم قيادة سياسية حكيمة مستنيرة وكفوءة تعمل على إحقاق العدل الاجتماعي – الاقتصادي من خلال توزيع مسؤول متوازن لموارد الدولة – من عوائد النفط التي وصلت لمبالغ تعدت مايقارب 16 إلى 20 مليارا –فقط خلال فترة زمنية قياسية - على كل فئات الشعب العراقي ولكن خاصة الفقيرة والمحرومة منه دون اي نوع من التمييز او التمايز بغية أنتهاج إعمار واصلاح حقيقي هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لابد من تاكيد حقيقة اخرى مكملة تستند على ضرورة بناء لبنة متينة من «نخب عراقية - قيادية إدارية وسياسية مخلصة نزيهة (غير فاسدة) كفوءة تراعي المثل العليا ، الاخلاق والقيم الانسانية كي توفر للعراق وللعراقيين الهيبة والكرامة التي يستحقونها.
تصور كهذا قد يبدو مثاليا او بعيد المنال ولكن في الحقيقة ليس امامنا سوى تجسيد او ترجمة الامال العريضة في إطار مشروعات تنموية مبدعة تنهض بالعراق زمنيا ومكانيا إلى آفاق مستقبلية مشرقة تبعث التفاؤل بتحقق تغيير إيجابي في نفوس “معنويات” من أجيال لازالت محبطة نفسيا تعيش في ظل اوضاع مآساوية ضمن دائرة من الفقر المدقع والحرمان الشديد، إضافة إلى عدم الاستفادة من العمالة المنتجة في ظل اقتصاد ريعي غير متوازن قائم بشكل اساسي في موازناته (التشغيلية أكثر منها الاستثمارية) على عوائد الوقود الاحفوري الملوث للبيئة في حين ما يحتاجه العراق نهضة تنموية مستدامة إنسانيا تستند على الطاقة المتجددة ومنها مثلا توظيف الابداع العراقي في تقنيات جديدة منها : تقنية استقطاب ثاني اوكسيد الكاربون وتقنية استعمال الهايدروجين الخالي من التلوث وكذلك استخدام السيارات الكهربائية ، وظائف جديدة للشباب المتعلم او المتآهل في دورات ، مختبرات وورش عملية .
إن تصورات إيجابية كهذه إن طبقت فعليا ستنحو لإنجاز نتائج مهمة عدة اولها إمكانية العراق لقيادة العالم النامي من خلال بلورة صيغ واضحة للتعاون وللتنسيق المشترك مع المحيط العربي وغير العربي اولا كي يقوم بمهمة تشكيل فرق التفاوض المهني المنتج لأليات وأمكانات حيوية توصلنا لإهداف استراتيجية سامية تستندعلى مستو من القوة النسبية للتفاوض الناجح مع العالم المتقدم صناعيا وتقنيا ومع دول المحيط الاقليمي المهيمنة على الانهار المشتركة مع العراق وغيرها مما يوفر مساحات مشتركة للتعاون والتنسيق مع الدول النامية والمتقدمة خاصة التي نحتاج منها للكثير من الخبرات ومن المعلومات المفيدة لبناء مؤسساتنا العلمية - التعليمية والتقنية العليا.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي