- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما أشبه اليوم بالبارحة .. سياسة الاستكبار الامريكي في العراق - الجزء الثالث
بقلم: د. محمد علي الجزائري
جرى الحديث في الجزء الاول والثاني من هذه المقالة عن الوسائل التي اتبعتها الادارة الامريكية في العراق لتحقيق غاياتها وعن الاهداف التي كانت ترمي اليها من وراء حرب عام 1991 و 2003 وداعش الارهابي. في هذا الجزء يجري الحديث عن النتائج التي عصفت بالعراق نتيجة هذه الهجمة الشرسة.
4- نتائج الهجمة
ان تحقيق الاهداف الخبيثة التي رسمتها الادارة الامريكية وحلفائها السالف ذكرها أدت الى نتائج كارثية على العراق وشعبه حيث يمكن الاشارة الى :
أ- تحطيم البنية التحتية
لقد أدى الحصار الشامل الذي فرض على العراق بعد انتهاء حرب عام 1991 إلى انهيار الاقتصاد العراقي انهيارا كاملا وتحوله من اقتصاد نامي إلى اقتصاد يعالج من اجل البقاء على الحياة مما زاد في معاناة الشعب العراقي في كافة جوانب الحياة. فبعد أن كان العراق في بداية ثمانينيات القرن الماضي من بين الدول العربية الأكثر نموا في المجال الاقتصادي أصبح بعد الحرب في حالة مزرية وصعبة. فالطبقة الوسطى اختفت وانخفضت قيمة الدينار العراقي لتصل إلى (3000) دينار للدولار الواحد بعد أن كان الدينار الواحد يعادل (3,3) دولار قبل الحرب وازدادت الهجرة إلى خارج العراق رغم إنها بدأت قبل عام 1991 نتيجة لإرهاب النظام الصدامي البائد إلا إنها ازدادت بشكل واسع بعد نهاية الحرب وأصيبت معدات المصانع بالصدأ وباتت محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومحطات ضخ المياه بحكم الميتة وتوقفت المؤسسات الخدمية عن أداء دورها وأصبح الإنتاج الزراعي في تراجع مستمر نتيجة لتفشي الأمراض النباتية وقلة المواد والمعدات والتجهيزات الزراعية كقطع غيار المكائن الزراعية والمبيدات الحشرية والمرضية والأسمدة. وما زالت البنية التحتية العراقية مثل شبكة الكهرباء وشبكة مياه الاسالة والبريد وغيرها من البنى تعاني منذ ذلك الحين حيث استبدلت الكهرباء الوطنية بالمولدات الاهلية الفردية والجماعية وشركات الاستثمار. واضحى الماء في الغالب غير صالح للشرب واستبدل بالقناني البلاستيكية واجهزة الفلاتر الصينية واما البريد فهو غير فعال واستبدل بالبريد الامريكي.
وجاء الارهاب والمجموعات الارهابية وداعش المدعوم امريكيا واسرائيليا وخليجيا لتكملة هدم ما تبقى من بنية تحتية او الامعان في هدمها حيث سار على نفس المنوال من قتل المواطنين الابرياء والتعرض لممتلكاتهم والتعرض وضرب المؤسسات الحكومية والجامعات والجسور والطرق والمصانع ومنشآت ومصافي وآبار وانابيب نقل النفط والمنشآت المائية كالسدود والسدات والنواظم وتلويث المياه بالمواد النفطية والمركبات العضوية وتلويث الهواء بحرق آبار النفط ومعمل الكبريت وغيرها من المنشآت الصناعية. لقد قدرت بعض المصادر ان كلفة ازالة الانقاض من مدينة الموصل الناتجة من الاعمال الارهابية لداعش ونقلها إلى خارج المدينة سيكلف حوالي (250) مليون دولار وان كلفة اعادة تأهيل المنشآت المائية التي دمرها داعش تبلغ حوالي (600) مليون دولار. كل هذه الاعمال الاجرامية جاءت لغرض قتل الانسان وتدمير البنية التحتية وتعطيل الحياة في العراق وشل حركة المجتمع ومنعه من النهوض والعمل في اعادة بناء العراق على اسس سليمة.
ب- تدهور التعليم وهجرة العقول
لقد تدهور التعليم بشكل كبير في جميع المراحل الدراسية نتيجة لبطش النظام الصدامي البائد وهروب العديد من الكوادر التعليمية والفنية الى خارج العراق قبل الحروب كما اضاف الحصار الظالم ما بعد عام 1991 بعدا اكثر ظلمة للتعليم عندما تحول الآلاف من الأطفال والشباب إلى باعة متجولين في طرقات المدن العراقية بدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة والتعلم والتمتع بمرحلة الطفولة البريئة فالضائقة المالية والاقتصادية عصفت بجميع طبقات الشعب العراقي. لقد أصبح العراق خال من كوادره العلمية والفنية وانهار نظام التعليم بشكل مرعب وخلق الحصار جيلا من الشباب غير المتعلم لاضطرار اغلب الطلاب الجامعيين على العمل من اجل لقمة العيش وأهملوا الدراسة التي لم تعد هي أيضا بالمستوى المطلوب. ان احدى نتائج الحصار الظالم هي قطع النظام التعليمي الجامعي العراقي عن كل علاقة له مع العالم الخارجي ومنعت عنه حتى الحصول على المجلات والكتب والمنشورات العلمية.
بحلول عام 2006 خسر العراق (40%) من كادره الفني والمهني وخسرت بغداد ما يصل الى (80%) من كوادرها العاملة في المستشفيات والجامعات بسبب الارهاب والهجرة الى خارج العراق. لقد غادر نحو (2) مليون شخص العراق خلال فترة العقوبات والحصار الظالم الذي تلا حرب عام 1991 وبسبب الغزو الامريكي لعام 2003 وتبعاته تركت موجة اخرى من العراقيين بلغت (2,4) مليون مهاجر عراقي بسبب عدم توفر الظروف الاقتصادية والاجتماعية وبالخصوص الظروف السياسية والامنية الملائمة. وما زالت ظاهرة الهجرة مستمرة وبالاخص من قبل الجيل الجديد للبحث عن ظروف حياتية افضل.
وتكملة للمشروع الامريكي في تعطيل التعليم ودفع الكوادر الفنية المتقدمة للهجرة وعدم مشاركتهم في بناء العراق فقد استهدفت الجماعات الارهابية وداعش الكوادر التعليمية وخاصة الجامعية منها لما لها من دور مهم في اعادة بناء البنية التعليمية واعداد الكوادر اللازمة للبناء. ولم تسلم الجامعات وطلابها ولا حتى المدارس الابتدائية من العمليات الارهابية التي كان هدفها خلق الفوضي وتعطيل التعليم بجميع مراحله ومنع نهوض العراق.
ج- اتلاف التراث الثقافي والتأريخي للعراق
إن إحدى نتائج حرب عام 1991 وغزو الادارة الامريكية للعراق عام 2003 هي تدمير واتلاف التراث التأريخي للعراق وحرق مصادره ومنابعه الثقافية والتأريخية. فقد تعرضت العديد من المتاحف والمكتبات والمواقع التاريخية للقصف الجوي والأرضي الأمريكي والبريطاني مما أدى إلى هدمها وتلفها وضياعها ومن ثم ضياع تراث أنساني ليس للعراق فحسب وإنما للعالم اجمع. وإذا كان المتحف العراقي في بغداد لم يتم قصفه من قبل القوات العسكرية الأمريكية والانكليزية فان محتوياته تركت للنهب والسلب والسرقة والتلف للفترة ما بين 8-12 نيسان عام 2003 عند دخول الأمريكان بغداد حيث لم يتدخل الجيش الغازي لحمايته رغم النداءات المتكررة والملحة والمتواصلة من قبل مسؤولي المتاحف والمكتبات العراقية والمختصين بعلم الآثار الأجانب. وحسب تصريح النائب العام الأمريكي جون اشكروفت في 3 مايس عام 2003 فقد تمت سرقة ألاف القطع الأثرية من قبل مجموعات منظمة لغرض تهريب هذه القطع إلى خارج العراق. وقد قدر مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة نشر في الشهر الثامن من عام 2003 عدد هذه القطع بحوالي (2200) قطعة اثرية من ضمنها (48) قطعة عالية القيمة. وظهرت فيما بعد الكثير من القطع الأثرية المسروقة في الأردن وأمريكا وسويسرا واليابان.
كما تم حرق و نهب المكتبة الوطنية العراقية ومكتبة الأوقاف وتم فقد ما يقارب (6.500) مخطوطة إسلامية نادرة وذات قيمة تاريخية. كما تم تعرضت المكتبة المركزية لجامعة بغداد ومكتبات عديدة اخرى في بغداد للنهب. كما تعرض العديد من المتاحف والمكتبات في العديد من المدن العراقية إلى نفس المصير.
وما زالت صور ارهابيي داعش وهم يقومون بتكسير الاثار وهدم ونسف المواقع الدينية والاثرية والتراثية ماثلة في الذاكرة (هدم جامع النبي يونس, نسف منارة الحدباء, تكسير محتويات متحف الموصل, ..... ) فهم يفعلون ما تم فعله اثناء حرب عام 1991 وغزو العراق عام 2003 وما اشبه اليوم بالبارحة ففي الحالتين اعمال اجرامية تمثل عدائهم للانسانية والدين والتأريخ والثقافة.
د- تدهور البنية التحتية للصحة العامة
نتيجة لحروب عام 1991 و2003 التي فرضت على العراق أصبحت البنية التحتية للمؤسسات الصحية في العراق في حالة يرثى لها كما ساهم الحصار الشامل على العراق في استمرار تدهورها. وما من شك فان المجال الصحي هو المرفق الحيوي الذي عانى منه الشعب العراقي أكثر من غيره. ففي فترة الحصار الدولي اصبحت المؤسسات الطبية والمستشفيات تفتقر لابسط المعدات الطبية والصحية مثل مواد الصيانة والتعقيم والمواد الطبية والأدوية ومستلزمات العمليات الجراحية بجميع أنواعها حتى إن اللقاحات الطبية ضد مرض الحصبة والكزاز اعتبرت غالبا كمواد ذات استعمالين مدني وعسكري. ورغم سماح القرار بإمكانية شراء العراق للمستلزمات الطبية إلا إن المؤسسات الصحية بقيت تعاني من شحه المواد الطبية والأدوية والمضادات الحيوية ومواد التخدير ونقل الدم ومواد التعقيم والتنظيف وأصبح المجتمع العراقي يعاني من كثير من الأمراض الناتجة من سوء التغذية وتلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي وعدم توفر الأدوية واللقاحات وتلوث الهواء بالغازات والمواد الضارة. وأصبحت الأمراض الشائعة تشمل نقص فيتامين A) & (D ومرض الملاريا والالتهابات الصدرية المزمنة والحصبة والليشمانيا.
أما نسبة الإصابة بالأمراض لدى الأطفال دون سن الخامسة من العمر فكانت عالية جدا وشملت أمراض التنفس المزمنة والالتهابات وأصبحت أمراض الإسهال تمثل حوالي (70%) من نسبة الأمراض المسببة لوفيات الأطفال ووصل سوء التغذية إلى مستويات قياسية بحيث إن (23%) من الأطفال كانوا يولدون بوزن غير كافي. وما زالت البنية التحتية للمؤسسات الصحية العراقية تعاني كثيرا من سوء الخدمات الصحية وقلتها ولذا اصبح العلاج في المستشفيات والعيادات الاهلية هي الوسيلة الوحيدة للحصول على العلاج المناسب. كما يدفع الوضع الصحي في العراق العديد من المرضى للذهاب الى دول مثل الهند وايران ولبنان وتركيا لغرض تلقي العلاج المناسب واجراء العمليات الصعبة.
هـ– تدهور الأراضي الزراعية
إن أخصب المناطق الزراعية في العراق تقع ما بين وحول نهري دجلة والفرات حيث تبلغ مساحة هذه الأراضي حوالي (11,5) مليون هكتار أو ما يعادل حوالي (25%) من المساحة الكلية للعراق. وقد تدهورت حالة الأراضي الزراعية والإنتاج الزراعي بعد حرب عام 1991 وإعلان الحصار الشامل على العراق من قبل أمريكا وحلفائها. وأصبح القطاع الزراعي يشكوا من شحة المياه وتدهور حالة الترب الزراعية وفقد الأدوات الاحتياطية للمكائن والمعدات وقلة البذور والأسمدة والمبيدات اللازمة لمكافحة الأمراض النباتية والحيوانية والحشرات الضارة إضافة إلى الاضطرابات السياسية والعمليات العسكرية والارهاب في العديد من المناطق الزراعية. كل ذلك أدى إلى نقص الإنتاج الزراعي حيث قدرت بعض المصادر بان 3 إلى 5 مليون هكتار فقط كانت تزرع سنويا. وهذه المساحة المزروعة هي اقل بكثير من نصف مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
إن شجرة النخيل وهي رمز العراق منذ الأزل تعرضت للقطع والتدمير والتلف. فخلال أعوام الحروب (1980-1991) فقد العراق أكثر من (80%) من أشجار النخيل التي كان عددها يتراوح ما بين (17-18) مليون نخلة على ضفاف شط العرب والمنطقة الجنوبية حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2003. وحسب تقرير آخر للامم المتحدة نشر عام 2013 فان العراق يستورد ما بين (3 - 4) مليون طن من القمح كل عام كما يستورد لحوم الابقار والدواجن والارز والزيوت والدهون والالبان والشاي والسكر ومن المتوقع ان يتجاوز الاعتماد مستقبلا على واردات القمح من الخارج بنسبة (70 %) الامر الذي ينذر بخطر جدي يهدد الامن الغذائي في العراق.
و- ضعف الامن المائي العراقي
نتيجة لضعف الدولة في الوقت الحاضر بسبب العوامل التي تم ذكرها اعلاه يواجه الامن المائي العراقي ايضا تحديات عديدة رغم اهمية الموارد المائية في جميع المجالات حيث لا يمكن الحياة والنمو والتطور من دون وجود مصادر مائية كافية. فالموارد المائية العراقية تشكوا من وجود مصادر المياه خارج الحدود الوطنية ومن سياسات دول الجوار المائية وهو ما عاشه العراق في شهر حزيران 2018 من انخفاض كبير في منسوب نهر دجلة.
كما تواجه الموارد المائية تحديات اخرى حيث تزداد الحاجة الى المياه للاغراض المختلفة نتيجة زيادة عدد السكان وزيادة الوعي الصحي وتلوث المياه وتدهور نوعيتها نتيجة عوامل داخلية ومن تدني كفاءة استخدام المياه وخاصة في المجال الزراعي وضعف ادارة شبكات مياه الاسالة اضافة الى قلة الوعي المائي والبيئي لدى عموم الناس. كما تعاني الموارد العراقية ايضا من عوامل اخرى تتمثل بالظروف المناخية الحالية (خاصة ارتفاع درجات الحرارة وشدة التبخر وقلة الامطار) والظروف المناخية المتوقعة مستقبلا (ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية). ويشير موقع الامم المتحدة في تقديمه للعراق الى احتمالية تعرض نهري دجلة والفرات للجفاف بحلول عام 2040 اذا استمر الحال على ما هو عليه الان من استمرار تطوير المشاريع الاروائية في دول الجوار على حساب حقوق العراق المائية واذا لم يتخذ العراق الاجراءات المناسبة (موقع الامم المتحدة, لمحة عن العراق, 4/4/2018).
ويمكن التنويه بامكانية الحصول على حقوق العراق التأريخية من المياه من دول الجوار عن طريق المفاوضات والتحكيم الدولي او الذهاب ابعد من ذلك واستعمال وسائل الضغط المختلفة (التجارية, السياسية, مصادر الطاقة, ...). كما ان جزءا من الحل يأتي عن طريق تشجيع الاقتصاد في استهلاك المياه داخل العراق لمختلف الاستعمالات والبحث عن مصادر جديدة للمياه بالاعتماد على الكوادر العلمية العراقية الكفوءة واعتماد المعايير العلمية بعيدا عن المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية وعمل الدورات التدريبية وورشات العمل الجادة والاستعانة بخبرات المنظمات الدولية والشركات العالمية الرصينة.
ز- انتشار الفساد وغربة المجتمع وثقافة الصبات
لقد انتهى غزو العراق عام 2003 بمقتل وجرح واعاقة الملايين بشكل مباشر او غير مباشر كنتيجة للغزو ودمار البنية التحتية الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والصناعية للعراق كما فسحت الادارة الامريكية بعد الغزو المجال واسعا للافكار الضالة والهدامة والصراعات الطائفية والقومية والحزبية وشجعت على نشر الفساد الاجتماعي والثقافي والسياسي ووصلت هذه الهجمة الشرسة الى حد يمكن القول بأنه ابادة مجتمع بأكمله فهو هجوم شامل على حياة العراقيين وثقافتهم وهويتهم الوطنية والدينية وكل ما له علاقة ببقائهم بعزة وكرامة.
ان مشروع الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد الذي تسعى له امريكا يعتمد على تغريب المجتمع واستبدال قيمه الدينية والثقافية بافكار دخيلة لا تمت له بصله كما يراهن على استنزاف موارد العراق وثرواته على يد ابنائه انفسهم ولكن بتخطيط وادارة غربية وقتل وتشريد الالاف منهم في حروب داخلية تمهد في مجملها لتمزيق وحدة العراق شعبا وارضا الى دويلات متصارعة غير قابلة للحياة من دون مساعدة اجنبية.
لقد ادت السياسة الامريكية الى تغيير نظرة الناس للامور وتغيرت طريقة تفكيرهم واستبدلت الاسس الاخلاقية والاجتماعية وروابط اللغة والتاريخ بروابط المصلحة الشخصية الضيقة واللامبالاة مما ادى الى تدمير النسيج الاجتماعي والبنية الاساسية للدولة والمجتمع في العراق وأصبحت الصبات الكونكريتية حواجز مادية ونفسية تفصل ما بين مكونات الشعب العراقي. حيث جرت سياسة المحاصصة الطائفية والقومية التي فرضتها الإدارة الأمريكية كنظام حكم في العراق على تحطيم هيبة السلطة والدولة وخلق محاور نفوذ متعددة تعمل حسب مصلحتها الضيقة بعيدا عن المصلحة العليا للوطن اضافة الى خضوعها لاجندة اجنبية. كما خلقت طبقة سياسية تحمل ثقافة اللامبالاة واللهث وراء مصالحها الشخصية ومنافعها الذاتية بعيدة كل البعد عما يجري على الشعب والوطن من مشاكل ومآسي وكأنها ليست منهم. لقد اصبح التدخل الاجنبي السافر في شؤون العراق الداخلية والخارجية والاستخفاف بسيادته واستقطاع اراضيه وثرواته ومياهه امرا لا يثير الاعتراض ولا حتى الاستهجان.
لقد اشار تقرير مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة نشر في الشهر الثامن من عام 2003 الى وجود ثلاث عوامل في السابق ساهمت في الحد من استهلاك المخدرات في العراق وهي العامل الاجتماعي والديني والقانوني. فالعادات والتقاليد الاجتماعية العراقية عملت على منع تعاطي المخدرات وقد دعم ذلك العامل الديني اضافة الى القوانين الصارمة التي تصل الى عقوبة الاعدام لتجار المخدرات. اما الان وقد هوجمت العادات والتقاليد وسخفت القيم والمباديء الدينية وتم تسريح الالاف من عناصر النظام الصدامي البائد من قبل الادارة الامريكية بعد عام 2003 فضلا عن انخفاض نسبة العقوبة للمتاجرين بالمخدرات وكون اغلبهم مدعومين من جهات متنفذة فقد انتعش سوق الجريمة والمخدرات والارهاب وزاد عدد المدمنين في العراق بشكل مخيف ومتسارع مما يعرض مستقبل الاجيال القادمة للضياع ومستقبل الوطن للخراب.