- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
آكلو الكتف يجوبون أروقة المؤسسات
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال
(ألم تر أنّ الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم ولا خمسة إلّا هو سادسهم) ـ المجادلة / 7 مدخل تمهيدي ـــــــــــــــــــــــ شغلت الأمثال الشعبية والمقولات المأثورة مساحة واسعة في متبنيات العقل الجمعي وتداولها بين المجتمعات . بل ارتكزت منهجية بعض المجتمعات على التعاطي معها في مفاصل كثيرة من مفاصل الحياة الإجتماعية العامة لا سيما تلك الأمثال التي يتمحور جوهر مكنوناتها بإشارات حادة أو بتحليل أو تعليل لمجريات الأمور اليومية أو مما يحرك المشاعر أو يناغمها. وإن ورود المثل أو وشيوعه أو التعاطي معه لم يكن جزافا أو عفويا إنما وضعت الأمثال لتتوغل في ذات المجتمع وتتجانس مع جزئيات حياته وغالبا ما تقود الأمثال أناسا إلى إتقان حسن التصرف أو حسن التعامل مع الآخرين أو تكون نقطة انطلاق لسلوك السبيل إلى الوجهة الصحيحة الصائبة. والأمثال منها ما هو نتيجة خوض تجارب حية لأصحاب الفطنة والكياسة واستخلصت من عصارة ألباب أغنتها الخبرة الوافية فاستنارت .وثمة أمثال جسدتها البيئة أو وقائع وأحداث وقصص سجلت حضورا في الحقب التاريخية ومنها ما أصبح جزءًا من مكونات البيئة الإجتماعية أو الطبائع والتطبعات . وثمة نمطٌ من الأمثال ينحصر تداوله بمجتمع أو فئة أو طائفة معينة . ونوعٌ منها يتسم بنمطية العموم وتكون قاسما مشتركا بين الشعوب سواءٌ بالشكل والصيغة أو المغزى أو التشابه .أما بعض منها ينسجم تعاطيها مع سلوكيات صنف معين من الأصناف البشرية . ومنها ما يندرج في قائمة الإهمال إذ قلما يتكرر ذكره إلا عند الضرورات أو في بعض المناسبات . أما بعضها فقد راح ينال حصة أكبر في التداول أو الشيوع وبين مختلف شرائح المجتمع . والمثل أو المقولة الشهيرة: ( معرفة من أين تأكل الكتف ) إنموذجٌ لهذا الشيوع والتداول والمعروف أن هنالك قضية أو دلالة لهذه المقولة أو مصدر شيوعها أو زمن تسويقها لا سبيل لذكرها هنا . لقد شاع تداول هذا المثل في كثير من الأوساط العملية وفي مختلف مجالات الحياة وعكس انطباعا سائداً يلمح للشخص الذكي ذي الفطرة السليمة والبصيرة الحادة الحاذق المحنك الواعي الذي اعتصرته التجارب فاستقى من انثيالها خبرة وقدرة على فهم جزئيات الواقع المعاش وكيفية التاقلم والتعايش مع هذا الواقع .ليتيسر له تحقيق أي هدف يصبو إليه . وبما أنه يتحتم على العاقل الفطن أن ينصهر ببوتقة استخلاص الذكاء والخبرة واغتنامهما لخدمة الناس وتحقيق الصلاح ونيل الفلاح إنما انبرى أصحاب الأهواء والميولات المزاجية والمبادرون لتخالط الأوراق وتشابك المعاني وبادروا للسعي الحثيث لقلب الصورة وتغيير مغزى حقيقة الذكاء والفطنة إلى دهاء ومكر وخبث وتنمر وبما أن ذلك كله يُجَيَّر لاغتنام الفرص فقد تمادوا في تحقيق مآرب معينة. مما أدى أن يقترن ظاهر منطوق هذا المثل بوجود الشخص المتملق المتزلف التائق للدنو بذلة من المسؤولين الإداريين أصحاب المناصب العليا على مختلف الأصعدة وفي مختلف الزمكانيات العملية ومن إنطبقت عليه كناية ( العارف من أين تأكل الكتف ) صار يثير الكثير من التساؤلات والجدليات والتوجسات وخلق الوسوسات في النفوس حيث أصبح وجوده مصدرا للتوجس خيفة من شره وأضراره حيث أين ما وجد أوجد تجانساً بين ثرثرة العقول مع ثرثرة الألسن وتشويه الكثير من الصور وأدرجت عبارة ( العارف من أين تؤكل الكتف ) بملفات الكثير من الأشخاص أو أنها باتت أشبه بلقبٍ أو كناية أو عنوان وظيفي رسمي يلتصق بالمتملق الوصولي الذي تفوق غاية التفوق في ممارسة التلون في أداء الأدوار الزائفة الخادعة بكل براعة لتمرير غاياته وتحقيق مآربه بمنأى عن المبادئ الأخلاقية للمجتمع وثقافته ورقيه . إلى اللقاء في الجزء الثاني
أقرأ ايضاً
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء العشرون والاخير
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء التاسع عشر
- المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء الثامن عشر