سالم مشكور
يؤلمني جداً أن أرى سفراء أوروبيين يوجهون رسالة باللغة العربية الفصحى الخالية من أي خطأ بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، بينما أرى الكثير من سياسيينا وأكاديميينا وإعلاميينا وأدبائنا لا يجيدون الحديث لدقائق بلغة صحيحة دون أخطاء في النحو. العالم يحتفل باليوم العالمي للغة العربية ونحن يجب أن نعلنه يوم حداد على لغتنا، التي طالها الدمار كما هي باقي مناحي حياتنا. أستاذ جامعي يتحدث لدقائق بكم هائل من الأخطاء. لغة ضعيفة ونحو منتحر، وعليك أن تسمع وتغلي في داخلك أسفاً على الطلبة الذين يستمعون الى محاضراته، وشاعر يلقي قصيدته فرحاً رافعاً يده اليمنى تارة واليسرى تارة أخرة مزهوا بما يقدمه من إجرام بحق اللغة. لا أدري كيف يسمح شاعر لنفسه أن يرفع المضاف اليه وينصب الفاعل. دكتور في العلاقات الدولية يضع كتاباً حول المنظمات الدولية لا يميز فيه بين الوصاية والوصايا فيتحدث عن لجنة "الوصايا" في عصبة الأمم بينما هو يريد الحديث عن "لجنة الوصاية" وبين التعبيرين فرق كبير، فالاولى هي جمع وصيّة والثانية جمع وصاية وهي الولاية على العاجز أو القاصر. سياسي وقاضٍ يكتب حول الفيدرالية معنونا كتابه "رؤيا في الفيدرالية" قاصدا "رؤية" وبين الرؤيا (الحلم أو المنام) والرؤية(الرأي والنظرة) فرق كبير. أما تدهور اللغة في الاعلام وعلى يد العاملين فيه فحدّث ولا حرج. بات نادراً أن نسمع مراسلاّ أو مقدماً يتحدث بلغة صحيحة. فتخيلوا حال اللغة في مجتمع يتعلم من هكذا مدرسة وهكذا اعلاميين ومثقفين وأدباء.
عندما تعترض يأتيك جواب من معترض على اعتراضك: ولماذا تتوقف عند هذه الأمور البسيطة؟.
يا سادة يا كرام: الامر ليس بسيطاً، اللغة وعاء المعرفة فاذا فسد الوعاء وتلوث فسدت المعرفة التي يوصلها.
في مجال الدراسات الدينية والشرعية يجري التركيز على ضبط اللغة أولا، فحركة اعرابية واحدة قد تغيّر حكما شرعيّا الى النقيض، وحركة اعرابية واحدة قد تقلب معنى آية قرآنية. في الولايات المتحدة مثلا، لا يسمح بدخول الجامعة الّا بعد اجتياز امتحان في اللغة قلّما يمرّ منه أصحاب اللغة الاصليون دون تحميلهم دروساً للتقوية، فلا علم صحيح بدون لغة صحيحة.
من أشكال تدهورنا، تراجع اللغة، ومن يريد التغيير والتطوير والبناء عليه البدء ببناء العلم ومؤسساته، وفي صلبها، إعادة بناء اللغة وجعلها مادة أساسية تمكننا من الحصول على العلم الصحيح.