سالم مشكور
تصريحات ترمب في اليابان بشأن ايران شكلت صدمة لكل الذين كانوا يهللون للتصعيد الذي بدأه ضد ايران منذ شهور. البعض راح يصفه بالتكتيك والأخر يتحدث عن أنه ناتج عن "تراجع ايران وركونها الى شروطه" وهو ما لم يظهر في أي تصريح أو موقف إيراني، بل أن رفض حتى التفاوض مع إدارة ترمب مستمر حتى الان. البعض الاخر حاول تجاوز الصدمة بالقول أن التصعيد كان للضغط وابتزاز الحلفاء. ترمب أثنى على الإيرانيين -بنظامهم الحالي- وأبدى استعداده لمساعدتهم متراجعاً عن شروطه الاثني عشر لصالح مطلب واحد من الايرانيين هو إعلانهم أنهم لن ينتجوا السلاح النووي. هو يعلم أن الاتفاق النووي الذي انسحب منه يضمن هذا المطلب الذي سبق وأكده الإيرانيون مراراً. تزامناً مع هذه الانعطافة كانت سفن بحرية أميركية تنسحب من الخليج.
ما يهمنا نحن – عراقيين وأبناء منطقة ملتهبة- أن احتمال الحرب تراجع، وأن الدمار الذي كان سيطال المنطقة وخصوصا الدول المهللة للحرب، بدأ يتلاشى حاليا على الأقل، دمار كان سيطال حتى الدول الإقليمية التي بشّرت بتلك الحرب وروّجت لها. لا يقتصر التحريض على ضرب إيران على دول عربية بل أن أوساطاً أميركية تؤكد أن هذه الحرب تدفع باتجاهها الحكومة الإسرائيلية. الكولونيل لورانس ولكنسون يقول في مؤتمر عقد في مركز الشرق الأوسط في واشنطن مؤخراً إن نتنياهو ومن حوله يريدون دفع واشنطن الى شن الحرب على ايران حماية لأمنهم متسائلاً: "لماذا ندفع نحن الفاتورة من جنودنا وقوتنا، فيما يتوفر لإسرائيل ما يمكنها من الدفاع عن نفسها أمام ايران لا أن تهاجم ايران". الكولونيل لورنس تحدث أيضا عن حلقة محيطة بترمب تدفعه بنفس الاتجاه.
وزير الخارجية في عهد أوباما جون كيلي يقول في مقابلة تلفزيونية أنه كلما كان يلتقى نتناهو وحسني مبارك والملك السعودي السابق عبد الله كان يسمع منهم تأكيداً على ضرورة شن الحرب على ايران والاطاحة بنظامها. هذه الاعترافات تضعف من التحليل القائل بان التلويح بالحرب هو مجرد ابتزاز مالي لدول خليجية.
اليوم، وبعد حوالي العام على الإفصاح عن نية الإطاحة بالنظام الإيراني يعود ترمب الى التأكيد أنه لا يسعى الى ذلك وانه مستعد للتفاوض مع إيران ودعم نظامها لتكون ايران بلداً عظيماً، فيما يأتي الجواب من ايران بأن فرص التفاوض معدومة.
مهما كانت الأسباب وراء هذه الانعطافة الحادة في موقف ترمب من ايران، فان النتيجة هي في صالحنا، في العراق ودول المنطقة العربية، التي يندفع بعضها باتجاه التدمير الذاتي دون وعي. بلدنا والمنطقة لا تحتمل مزيدا من الحروب والدمار.. دعونا نعيش.