حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ مايثير القلق تلك الجلبة التي أثارتها قضية خور عبد الله ـ وغيرها من القضايا الشائكة والساخنة ـ مثيرة الجدل ليس من الناحية القانونية او السياسية بل من ناحية الهيجان الإعلامي والشوارعي الذي أثارته تسونامي التصريحات التي أطلقها الكثير من المسؤولين والسياسيين العراقيين وفي كافة وسائل الإعلام لاسيما الفضائيات منها ووسائل الاتصال الاجتماعي والتي اكتظت بما لايُحصى من تصريحات كثيرة ومتناقضة وبعضها غير دقيق أو يخلو من الهدف المتوخى في مخاطبة الشارع العراقي المثقل أساسا بأخبار لهموم كثيرة وكبيرة وساخنة ـ يكفي الإرهاب وتدني أسعار النفط والحالة المعيشية وتردي واقع الخدمات أمثلة على مانقول ـ والمؤسف أن بعض هذه التصريحات يأتي في وقت غير مناسب لها إما للفت نظر وسائل الإعلام ومن باب (خالف تعرف) أو تكون أشبه بالدعاية الانتخابية المجانية والمبكرة التي يوفرها هذا الحدث أو ذاك. الخطورة التي تكمن في حيثيات تلك التصريحات التي قد تؤخذ على محمل الجد بالنسبة للرأي العام الإقليمي والعالمي، أوجزُها في ثلاثة أمور مترابطة ومتواشجة مع بعضها البعض، الأول: إن بعض السياسيين يستغلون مناسبة الحدث لا من اجل توضيح حقيقة ما من وجهة نظر شخصية ومن باب حرية التعبير عن الرأي الذي كفلها الدستور بل لأغراض التسقيط السياسي والتناكف الحزبوي او الكتلوي والتلاعب بالحقائق والألفاظ ومن دون تمحيص للفكرة أو الاستفهام عنها من مصادرها قبل الإدلاء بأي رأي عنها قد يسبب تشويشا للرأي العام المحلي ولرجل الشارع وفي زمن الحرب، الذي يحتاج الى اكبر قدر من الأجواء الصافية وعدم التأثير على مزاج المقاتلين الذين يخوضون أشرس معارك التحرير ضد عصابات داعش وفي عقر دارهم (الموصل)، والأمر الثاني هو أن تلك التصريحات تُعطي صورة ضبابية وقاتمة جدا عن العملية السياسية في البلد وتعكس حالة الانقسامات الحادة حتى بين الكتلة الواحدة فضلا عن عدم احترام مصدر القرار (رئيس السلطة التنفيذية او الطرف المعني بالقضية) والرجوع إليه، وهو ما يسبب توهين صورة العراق في المحافل الإقليمية والدولية. والأمر الثالث وهو الأخطر ويتمثل بانزلاق الرأي العام العراقي في متاهات هذه التصريحات المتناقضة والمتشابكة وتجييش الشارع وتحشيد قواه وجره في معمعات ليس له فيها ناقة أو جمل بدلا من تقديم طروحات عقلانية ومتوازنة وحقيقية تُسهم في لملمة الصف الوطني وترصين اللحمة الوطنية وتأجيل المناكفات والطروحات الصارخة الى وقت مناسب لها حفاظا على نسيج المجتمع الأهلي من التفتت والتشظي . فالتشابك في التصريحات لم يأتِ اعتباطا أو جزافا وإنما هو جزء من الفوضى الإعلامية والسياسية الخلاقة والعارمة التي ضربت المشهد العراقي منذ التغيير النيساني ولحد الان، والمضحك المبكي في آن، كون مسالة خور عبد الله ـ على سبيل المثال وليس الحصر ـ قد أخذت قسطا واسعا من التشابك بين الآراء والتهييج الإعلامي والأقوال المتضاربة فضلا عن لغة التسقيط السياسي والتخوين للبعض واتهام الآخرين ب(بيع) الخور وكأن المسألة هي عبارة عن صفقات (بيع وشراء) ولاوجود للدولة التي تقودها حكومة منتخبة بل وراح البعض يجترّ ماسمع من تلك التصريحات المتشنجة حول وجوب إعادة "احتلال" دولة الكويت التي ـ في نظرهم ـ لاينفع معها سوى هذا "الإجراء" ونسوا المآسي التي تركها صدام حسين جراء احتلاله لهذه الدولة الجارة والبعض راح يطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وكأن الأمر (فزعة) عشائر وكأننا مجرد عشائر إقليمية ولسنا دولا ترتبط بمنظومة مصالح وعلاقات ثنائية طيبة ومواثيق دولية وروابط إقليمية تاريخية، وغيرها من الآراء التي من يسمع بها يظن أن ثمة حربا ستقوم بين العراق وجيرانه متناسين وجود القنوات الدبلوماسية التي لاتفتر بين الدول حتى في حالة الحروب بينها. وقضية الخور جاءت تكرارا لقضية القوات التركية المتوغلة في الأراضي العراقية، حين اكتظت المواقع الخبرية ووسائل الاتصال الاجتماعي فضلا عن الفضائيات بالكثير من الآراء والتصريحات الحماسية وصار وكأن العراق في حالة حرب استنزاف باردة مع تركيا، وراح بعض السياسيين يجيّش الشارع العراقي المحتقن بضرورة "طرد" تلك القوات بأي ثمن أو طريقة وكان ذلك إبان الاستعدادات الاولية الجارية لتحرير مدينة الموصل المحتلة من قبل داعش. ان الكثير من السياسيين العراقيين يتعاطون مع الأحداث من وجهة نظر عشائرية او حزبوية راديكالية وينطلقون من قواعد لاتمتُّ الى ضرورة الاحتكام الى المعايير الحكوماتية في التعاطي مع الأحداث التي لها تماس بالدول الأخرى لاسيما المجاورة منها ، منعا لأي تصريح سلبي قد يسبب احتقانا دبلوماسيا حادا بين العراق وبعض الدول التي قطعت شوطا كبيرا في العلاقات الطيبة مع العراق الذي هو وفي ظرفه الحالي في أمسِّ الحاجة الى تلك الدول كالكويت وغيرها. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
- جرائم الإضرار بالطرق العامة