حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ مايزال الوقت مبكرا لوضع تقييم مقتضب حول سياسة الرئيس المنتخب ترامب حيال العراق فمازال أمامه امتحان المائة يوم الأولى من ولايته التي قد تمتد الى ولاية أخرى وهذا مرهون بقناعة الناخب الأمريكي واللوبيات والكارتلات التي تحسم الوصول الى البيت الابيض ، وبعيدا عن الجَلبة الانتخابية والصخب الدعائي والطروحات المثيرة للجدل في برنامج ترامب الانتخابي وعن الإثارة الصارخة التي أثيرت حول شخصية ترامب وسلوكه الشخصي والانتخابي، فان الكلام حول أي رئيس منتخب لايقترن بفترة الانتخابات والهوس الشعبوي مابين الجمهوريين والديمقراطيين فقط والذي يلازم المرشحين للرئاسة طيلة فترات الحملات الانتخابية ومايتبعها من صخب وضجيج وسائل الإعلام ومراكز البحوث والاستبيانات، فمازال أمام ترامب طريق طويل من المهام الشاقة والشائكة التي تكتنف الملف العراقي ـ تحديداـ تأتي اتفاقية الإطار الإستراتيجي المبرمة بين البلدين سنة (2008) في مقدمتها والتي بقيت على الرف دون تفعيل حقيقي لها، تضاف إليها استحقاقات العراق في حربه ضد الإرهاب التي يقال عنها إنها "نيابة" عن العالم، والولايات المتحدة جزء مهم من هذا (العالم) الذي يقاتل العراقيون نيابة عن أمنه وسعادته، وإذا ما اعتبرنا أن هذه النيابة الدفاعية عن امن العالم اجمع تشمل الأمن القومي الأمريكي أيضا ولهذا لم يغب الشأن العراقي عن برنامج ترامب الانتخابي رغم التلويح المباشر بانصراف فريقه الى شؤون الولايات المتحدة الداخلية خاصة الاقتصادية منها، ومع هذا فقد جاء تعهد ترامب في برنامجه الانتخابي واضحا وبقي عليه التنفيذ ليثبت مصداقيته أمام الرأي العام الأمريكي وللناخب الذي أوصله الى البيت الأبيض إذ وعد بإنهاء تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط، وقال إنه - وفور وصوله- إلى البيت الأبيض انه سيطلب من إدارته إعداد خطة خلال 30 يوما للقضاء على تنظيم داعش وبعد أن اتهم سلفه وغريمته كلينتون بتأسيس هذا التنظيم في المنطقة وذلك بسبب سياستهم الخارجية المتراخية والمعتمدة على القوة الناعمة، فمازال الشرق الأوسط والعراق يمثلان عصبا حيويا لمنظومة المصالح الأمريكية والوتر الأكثر حساسية للأمن القومي الأمريكي ويعد العراق مرتكز هذا العصب وبيضة القبان في تلك المصالح والوتر الأكثر حساسية تجاه الأمن القومي الأمريكي، ولا احد يدري هل أن هذا التعهد هو مجرد فرقعة انتخابية لكسب ود الناخب كبقية الفرقعات الانتخابية التي أطلقها ترامب في ذروة التسابق الماراثوني الى البيت الأبيض وكما هو معروف أن ترامب قد عدَّل كثيرا من تلك الفرقعات وحوَّرها لصالح حزبه ومستقبله السياسي لكي يظهر كرئيس مرتقب ومقبول للولايات المتحدة وبمظهر لائق كرئيس جمهوري قوي، وليس كما صورته وسائل الإعلام لاسيما الأمريكية منها بأنه رجل شرير ومثير للجدل وغير متزن او مخبول ولايليق بهذا المنصب وقد جاء فوزه صدمة غير متوقعة . وكما يقال إن الولايات المتحدة بلد مؤسسات وقوانين وهو ما يشجع على التخفيف من غلواء الطرح الشعاراتي الصارخ والاندفاع الحماسي الزائد عن حده لترامب ـ وعدم التعاطي معها بجدية مفرطة ـ حيال الملفات الساخنة والإستراتيجية المتعلقة بالشرق الأوسط كملف الاتفاق النووي الإيراني مع (5 + 1) والملف السوري ـ التركي وبقية الملفات التي أثيرت أمريكيا لأول مرة علنا كعلاقة الولايات المتحدة بالقبائل والمشايخ الخليجية الحاكمة وهي علاقة كانت ولزمن قريب توصف بـ "الإستراتيجية" و"التاريخية" لاسيما مع المملكة العربية السعودية التي بدأ الخناق عليها يضيق منذ إقرار قانون جاستا وهو ماشجع ترامب على دغدغة مشاعر الناخب الأمريكي حيال هذه الدولة التي لم يعد تعاطيها السلبي مع ملف الإرهاب الدولي خافيا أو سرا عن الرأي العام العالمي وما تداعيات الحرب ضد داعش والأعمال الإرهابية الممتدة حول العالم وفي عقر دار الولايات المتحدة نفسها سوى تجلٍ واضح لهذا الدور. تمثل الترامبية صعود اليمين المتطرف المتمثل بالصقور الجمهوريين والشعور بالشعبوية المترسخة في المخيال الجمعي الشعبي الأمريكي بان الولايات المتحدة يجب أن تبقى القوة الأعظم في العالم وبما يتواشج مع الشعور القومي العالي للناخب الأمريكي وهو مايفسر الفوز "المريح" لترامب على نظيرته كلينتون التي تعد النسخة المعدلة حزبويا لاوباما الديمقراطي وهو ماجعل الناخب يدرك بان الاوبامية ستستمر لأربع سنوات أخرى أو أكثر إذا مافازت كلينتون بمقعد الرئيس وهذا يعني بالمجمل أن السياسة الخارجية الأمريكية لن يطرأ عليها تعديل كبير من شانه أن يجعل الولايات المتحدة في الصورة التي يطمح إليها الجمهوريون الذين سئموا (مع امتداداتهم الجماهيرية) من سياسة اوباما التي توصف بالقوة الناعمة وهو ما لايرضي طموح معظم الشعب الأمريكي. الذي يهمنا كعراقيين من الجعجعة الترامبية المدوية هو وعوده تجاه العراق والشرق الأوسط وتداعياته على العراق، فقد شهدت السنوات الثمان من ولايتي اوباما إحباطا عراقيا من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العراق رغم إبرام معاهدة الإطار الإستراتيجي بين البلدين والتي بقيت دون تفعيل حقيقي خاصة البند الأمني منها (الثالث) ولو كانت قد فُعلت ببراغماتية مرنة لما وصلت الأمور الى هذه الحالة المزرية من تغول تنظيم داعش في الشرق الأوسط وامتداده الى شمال إفريقيا ولما مدَّ هذا التنظيم ساحات معاركه بذئابه المنفردة في عموم العالم ولما بقيت فاعلةً المراكز والبؤر البترودولارية التي تمد هذا التنظيم بما يحتاجه من أسباب البقاء والتمدد لوجستيا وماديا وفتوائيا وإعلاميا والسبب هو غض نظر الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) عن كل ذلك تماشيا مع "المصلحة" الأمريكية المفترضة و"التاريخية" مع هذه المراكز وهو ماسبّب تململا ورغبة في التغيير لدى الناخب الأمريكي الذي وجد في الترامبية فرصته السانحة بعد أن أهدرتها الاومابية (الناعمة) لدورتين رئاسيتين كاملتين . وعراقيا قد يجد العراقيون فرصتهم في تغيير السياسة الخارجية الأمريكية الواعدة في تصحيح الأخطاء الإستراتيجية الأمريكية السابقة والقاتلة تجاه الشرق الأوسط عموما والعراق خصوصا وقد تكون الترامبية الممر الآمن نحو التصحيح والتغيير وفي وقت مازال العراقيون يقاتلون "نيابة" عن (العالم) فهل تدرك أمريكا ذلك وقبل فوات الأوان ؟ كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي