حجم النص
بقلم:عباس الصباغ لايضيف جديدا من يقول إن الممارسات الديمقراطية هي ثقافة جديدة على واقع العراق والعراقيين لاسيما الجانب السياسي والبرلماني من هذا الواقع بعد أن كانت المطالبة بالديمقراطية او حتى التلويح بها تمثل انتحارا محققا، ومنذ تشكيل أول حكومة عراقية غداة التأسيس الدولتي الأول 1921 ولحد التأسيس الدولتي الأخير 2003 ولحد الآن لم يشهد العراق أية ممارسة ديمقراطية حقيقية، باستثناء تلك الصورية منها والتي كانت تسوّق لأغراض الاستهلاك الإعلامي والترويج الحزبي والتعبئة الأيدلوجية التي كانت تصب في ديمومة عجلة الديكتاتوريات المتعاقبة. ومع هذا فقد أتاح المناخ الديمقراطي الذي جاء فجأة مع التغيير النيساني، أتاح لنا ممارسات ديمقراطية متحضرة بالرغم من جنينية التجربة الديمقراطية في العراق الذي تم حكمه وعلى مدى أكثر من تسعة عقود بالحديد والنار والقهر والجور وكتم الأصوات وخنق حرية التعبير، ومن هذه الممارسات الديمقراطية ممارسة حق استجواب أي مسؤول في الدولة يشوب الفسادُ سلوكه الوظيفي أو التقصير في مهامه أو الإهمال أو الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا أو الهدر بالمال العام مايضعه في خانة الاتهام والمحاسبة أو العقاب إن لزم الأمر ذلك، فقد اقر الدستور العراقي الدائم ذلك الحق الدستوري والذي يعد من صلب مهام السلطة التشريعية المكلفة بالتشريع والمراقبة في [المادة 61 / سابعا: ج ـ لعضو مجلس النواب، وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه.] وبخصوص العقاب فقد قنن الدستور ذلك ايضا ولم يترك المسالة تسير فوق الأهواء السياسية او المزاجوية في المادة نفسها [ المادة 61 / ثامناً:ـأـ لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء، بالأغلبية المطلقة، ويُعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته، أو طلبٍ موقع من خمسين عضواً، اثر مناقشة استجوابٍ موجهٍ إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه.] وهذا يعد حقا دستوريا لكل العراقيين عن طريق من يمثلهم من نواب وتحت قبة البرلمان ولكن يجب أن لايستغل هذا الحق البرلماني استغلالا خاطئا او مبتسرا فان كانت توجد "وثائق" ومستندات يلوح بها الشخص المستجوب (بفتح الواو) فيجب عليه ان يعرضها في اوقاتها المناسبة وضد اشخاص يكونون قد تُوفوا او هربوا من البلد او "رتبوا " اوضاعهم مع الجهات المختصة فالكشف المبكر لها قد يجنب البلد مخاطر تتعلق بالامن القومي او الاقتصادي وحتى الغذائي ولكي لايعد تأخير الكشف عن تلك الوثائق تسترا عليها او تشاركا مع أطراف اخرى قد تكون دليل تورط المستجوَب (بالفتح) بقضايا خطيرة ، كما يجب ان لاتعرض هذه الوثائق لأسباب كيدية وتحريضية او انفعالية او مزاجوية او اضطرارا ملجئا إليها وفق منطق (عليّ وعلى اعدائي) و(لو العب لو اخرب الملعب) ويشرط وكما معمول في الديمقراطيات المتطورة أن تتوخى تلك الوثائق المصلحة الوطنية العليا للبلد وليس المصلحة الشخصية الضيقة او المصلحة الفئوية او الطائفية او القومانية او المناطقية وان لايمس عرضُها على الرأي العام الأمنَ القومي للبلد او سيادة الدولة او يمس امن مواطنيه وسلامتهم ولاسيما في حالة الحرب او تعرض البلد الى مخاطر اخرى كالأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية وحتى الكوارث الطبيعية. وتتطلب الأنساق الديمقراطية المتحضرة أن تكون عملية الاستجواب والياتها بمهنية عالية ورصانة وبعيدة عن الاستعراضية المسرحية او التهريجية الرخيصة والتي تكون في حالة تسريبها مادة دسمة للأقاويل والفضائح والتشهير والتسقيط او تكون مادة دسمة للإعلام الأصفر ومواقع التواصل الاجتماعي غير المنضبطة والتي تترصد المناكفات السياسية خاصة التي تحدث داخلَ أروقة البرلمان لتصوغ منها "أخبارا" وتقارير وتبث مقاطع فيديوية قد يكون الكثير منها لا أساس له من الصحة او أنها تُفسر تفسيرات اخرى قد تكون في مورد سياسي اخر ولهدف اخر , ناهيك عن أن طرح هذه الوثائق يجب أن يستند على أسس قانونية وموضوعية وليس مجرد تهويمات او تخرصات او حتى إشارات قد تكون غير صحيحة وتُفسر تلقائيا على أنها مواقف وحقائق وهذا الكلام يشمل جميع أطراف الاستجواب لكي لاتتحول جلسة الاستجواب الى حلبة للمصارعة الحرة تلك التي يحاول فيها كل مصارع أن يُسقط غريمه بالضربة القاضية . والاهم من كل ذلك أن يكون الشعب على دراية تامة بموضوع الاستجواب وخلفياته ونتائجه ودوافع ونوايا المستجوبين (بكسر الباء) ويقتنع بردود المستجوبين (بفتح الباء) وعلاقة مصلحة الشعب بأهداف ونتائج الاستجواب لا أن يكون الشعب آخر من خاصة تلك الأمور التي تتعلق بأمنه ومعيشته وسلامة الدولة التي يكون هذا الشعب احد الاقانيم التي تقوم عليها الدول ومنا العراق. • كاتب عراقي