حجم النص
في مشغله الفني المتواضع، الواقع في مكان نزوحه على أطراف العاصمة الأردنية عمان، يستقبلنا الفنان التشكيلي الخمسيني إبراهيم سالم، القادم من الفلوجة، غربي العراق، تاركاً خلفه أرشيفه الفني الذي كان نتيجة لمسيرة بدأها عام 1979، بأعمال تزيد عن 300 ما بين لوحات ومنحوتات، لم ينجُ منها سوى عمل يمثل العراق وهو موجود في هولندا إلى جانب شعلة السلام الدولية، ليتم تدمير ما تبقى من أعماله على يد إرهاب تنظيم داعش. هدوء ما قبل العاصفة قصة تهجير قاسية لم تستطع ألوان المشغل الزاهية تجميل قبحها، يرويها الفنان التشكيلي لموقع (إرفع صوتك)، بدأت بالتزامن مع مطلع عام 2014، حين كان العالم يحتفل بدخول العام الجديد، إلَا في مناطق كالفلوجة التي طغت أصوات التفجيرات وآثار الموت على ملامحها آنذاك، ما جلب الذعر لحياة إبراهيم وأطفاله، لا سيما بسقوط بعض الرصاصات الطائشة على منزلهم، التي رافق سقوطها انقطاع للكهرباء وشبكة الإنترنت وكافة الخدمات عن المنطقة، إلى أن هدأت الأجواء مع شروق شمس اليوم التالي، وكأن شيئاً لم يكن. وعلى حد تعبيره “لم نكن نعرف أن هذا كان هدوء ما قبل العاصفة”. ويتابع سالم “في اليوم التالي أتاني شخص مسلح استفسر مني عن المتواجدين في المنزل، فأخبرته بوجود أطفالي، فطلب مني الخروج من منزلي بنبرة ونظرة مليئتين بالزجر!”. هدم الفلوجة وبحسب شهادته، فقد عاد القصف بشراسة غير مسبوقة، ما دفعه لأخذ زوجته وأطفاله إلى مكان آمن تاركين خلفهم جميع ممتلكاتهم. “في طريقنا لاحظت حركة لسيارات التنظيم يركبها أشخاص بملابس سوداء ويرفعون عليها رايات سوداء، وكانوا يقومون باستعراض في شوارع الفلوجة”، متابعاً “ثم علمنا بأن تنظيم داعش قد دخل المدينة، وقام أفراده بحرق البريد ومركز الشرطة، وكافة مؤسسات الدولة في المنطقة، وبهذا كانوا قد فرضوا سيطرتهم على الفلوجة بإرهابهم وراجماتهم التي شاهدناها في المدينة”. ويشير إبراهيم إلى أن ما حصل في الفلوجة من هدم وتدمير للمدينة ولبنيتها التحتية يحتاج إلى سنوات من العمل حتى يعود إلى وضعه السابق. وبرأيه فإن المشكلة الأكبر تكمن في أن أطفال الفلوجة أصبحوا يعيشون منذ سنوات في عزلة عن الحضارة، وبُعدٍ عن المدارس، وعن المتطلبات الصحية التي يحتاجها العديد من كبار السن والمعوقين أيضاً. وفيما يخص الأطفال يضيف الفنان التشكيلي “تم الإيقاع بعدد من الأطفال ليكونوا في صفوف داعش، فقد تم استعطافهم بالدين والجنة، كما تم تخويفهم بقتل أهاليهم لو لم ينضموا إلى صفوف الإرهاب، ما أجبر بعضهم على الانضمام خوفاً وحرصاً على سلامة أهاليهم”. ما قبل وبعد داعش يستذكر سالم ما كانت عليه منطقتهم ما قبل دخول إرهاب داعش إليها، قائلاً “كنا نعيش بأريحية ورخاء وتعايش ما بين الطوائف منذ القدم، وكانت التجارة جيدة، وكانت الأعياد تحل على المدينة ببهجة وفرح”. ورغم قسوة ما شهدوه، إلّا أن الأمل بالعودة لا يزال قائماً “نحن نستبشر خيراً بالتحرير، ونتمنى أن يكون تحريراً نهائياً لصالح الدولة على هذه الشراذم من داعش، الذين أفرزوا التعاسة بأفظع الطرق المؤذية للإنسانية”، ليختم حديثه “كل ما أتمناه هو أن أحصل على فرصة لتأمين مستقبل جميل لأطفالي”. الشوق إلى المكان وعلى حد تعبير زوجته إيمان علوان “كنا نعيش بأمان في الفلوجة، وما قام به داعش هو احتلال”، واصفة حياتهم السابقة بالبسيطة والهادئة، معبرةً عن اشتياقها إلى منزلهم السابق وكافة تفاصيل حياتهم. “نحن نتمنى العودة اليوم قبل الغد لأنه لا شيء يعوض بيت الشخص ووطنه، والحياة بلاهما صعبة خاصة على الأطفال”. وتختم إيمان حديثها بنبرة متألمة “خدعوا الناس وقاموا باحتلال منازلهم، وقاموا أيضاً بالقتل والسلب والنهب وأخذ الشباب والأطفال وسبي النساء، لا أتخيل أن هناك أفظع من ذلك!”. وببراءة سنه الذي لا يتجاوز 13 عاماً، لا يزال ابنهما سالم يتذكر آخر يومٍ قبل تهجيرهم من وطنهم كما لو كان في الأمس. “أذكر أن شخصاً من داعش له ذقن أتى إلى بيتنا، وكان يريد أن يأخذنا معهم، لولا أن والدي أخبره أننا أطفال صغار في العمر”. ويعبر الطفل عن اشتياقه لكافة تفاصيل حياته التي يرى أن تنظيم داعش كان سبباً لحرمانه منها، لا سيما مدرسته التي أغلقت على يدهم، معبراً بطريقته الخاصة “كان منزلنا جميلاً وكبيراً، به حديقة جميلة، أشتاق له ولجيراننا، أشتاق لألعابي ولدراجتي التي كنت أركبها وأذهب لشراء الخبز”.
أقرأ ايضاً
- ذاكرة في مدينة ... لمدينة في الذاكرة ..اخر لقاء مع الشاعر والفنان المسرحي محمد زمان الكربلائي قبل وفاته
- قصة الزائر السعودي الذي كان مشتبها بإصابته بفيروس (كورونا) في كربلاء يرويها بنفسه للراي العام
- الاعلام المسموع في كربلاء يشهد ولادة فنان غير تقليدي