حجم النص
بقلم:طلال فائق الكمالي تعارف أن تكون لخطبة الجمعة خطبتان إحداهما دينية والأخرى سياسية، وإن كانتا - وهو الحق- دينيتان، لأن الخطبة السياسية، دينية بالمآل كون الدين هو الذي يستوعب مفردات الحياة والإنسان كافة. كما تعارف عن المنابر الاعلامية ومؤسسات المنطقة والدول الأُخر جميعها التي تهتم بشأن منطقة الشرق الأوسط والخطاب الشيعي على وجه التحديد، إذ نجدها تترقب الخطاب المرجعي من خلال صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف، وترصده بمجهر الدراسة والتحليل، ومن ثم تضع النتائج والسيناريوهات المحتملة، لتنتهي تلك المؤسسات الى قراءة ما بين أسطر تلك الخطبة، وتبحث بين كلماتها عمّا ينسجم وتطلعاتها ووجودها وكيانها ومصالحها التي طالما سُحب البساط من تحت أقدامها بقصاصة ورقة صغيرة قد خُطت بيد العزة والكرامة وبيد رجل شُحّ ماؤها لطول السنين وثقلها، لتجود هذه اليد بالحكمة التي استظلّ بها العراق والعراقيون بأطيافهم جميعها من شر المبغضين والحاقدين والخارجين عن قانون السماء.كانت خطب صلاة الجمعة جميعها ذات بعد آني، وآخر استراتيجي، إذ كان لبعض كلماتها هدفا واضحا لتغيير الحال الآني الى ما هو افضل، و نجد كلمات أُخر اضفت الحياة بجسد ميت أو شارف على الموت، ومنها ما انطوى على عبارات قلبت السحر على الساحر، بل قلبت المعادلة بالكامل، وغير ذلك من الخطابات التي عبرت عن كثير من الدلالات والمرادات.... غير أن خطبة يوم الجمعة المصادف الخامس من شباط الذي صرح فيها خطيب الجمعة عن إرجاء الخطاب السياسي إلى اشعار آخر بمقتضى الظرف والحدث، كان لذلك التصريح بعد مختلف عن كل الخطابات على الرغم من أهميتها جميعاً. حينها تذكرت الحكمة التي تقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.... والحر تكفيه الإشارة..... وحسبت لوهلة أن صمت المرجعية الرشيدة عن الخطاب السياسي يقف من ورائه مسوغ شرعي وعقلي ووجداني، ومغزى ذو نظرة علمية، ورؤية استشرافية، وحنكة إجرائية، تنم عن الحكمة ذاتها التي أنطقت العقول وثورت النفوس وعصفت بالوجدان لينتفض كل أبي للدفاع عن دينه وشرفه وماله ووطنه، والوقوف بوجه أقبح وأشرس هجمة صفراء في العصر الحديث يوم أعلنت المرجعية الرشيدة لزوم الدفاع عن المقدسات.من هنا يمكن القول أن صمت المرجعية هو كناية عن معانٍ عدةٍ يمكن اختزالها بكلمة واحدة هي الصمت الناطق، لأننا ندرك أن للصمت لغة.