- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
معايير النزاهة المنتظرة في كشف النقاب عن الفاسدين ..
حجم النص
بقلم:فخري كريم لا أحد يحسد هيئة النزاهة فيما ستواجهه، إذا ما توكلت على تنفيذ ما أنيط بها دستورياً وقانونياً من مهمة إماطة اللثام عن لصوص المال العام وأدوات الفساد الاداري والمالي في "شبه دولتهم" المتصدعة. فهذه مهمة وطنية بإمتياز في هذا الظرف العصيب الذي تجتازه البلاد، بما تواجهه من وضع مالي متضعضع، ومن أعباء متعددة الجوانب، وهي تتصدى للإرهاب ومنازلة داعش التي تغتصب أجزاء من مساحات الوطن، وتأسر بضعة ملايين من العراقيين في نينوى وبقايا من الأنبار. والمعايير التي من شأنها تسهيل مهمة هيئة النزاهة، خاصة وهي تتصدى لـ "عتاوي" المافيات الواجهية، تجد تعبيرها في النزاهة، والموضوعية، وتجنب الانتقائية ونزعة الانتقام بدوافع كيدية، والاحتكام الى القانون وما يقتضيه من تحقيق العدالة. ويصح في هذا المنحى التأكيد على مبدأ " المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، والتشهير قبل التحقيق والمحاكمة وصدور الحكم يعتبر من باب الإدانة المسبقة، فهو يترك أثاره السلبية على المعني، حتى بعد ظهور براءته، ويجرده من حضوره الاجتماعي، قبل السياسي، مما يتطلب أقصى حذرٍ وانتباه. وفي أجواء الاحتقان والتربص والشكوك المتبادلة التي تسود الحياة السياسية، قد يتحول الاتهام ضعيف الأسانيد الى سلاح عكسي يضعف ذوي النوايا الإيجابية، ويقوّض التوجهات الهادفة لتجريف ظاهرة الفساد، والشروع بكشف الفاسدين وملاحقتهم، وتصفية مراكز نفوذهم في الدولة ومؤسساتها، ونبذهم اجتماعياً بوصفهم "عورة " وليس "وجهة نظر" في ظل مفاهيم الاقتصاد الحر وثقافته السائدة. إن ظاهرة الفساد وأدواتها ومراكز نفوذها والوقائع الدامغة الدالة عليها هي من الانتشار ومن الاتساع بمكان بحيث يجري تداولها بالأسماء والشواهد على ألسنة المارة في البيوت والشوارع والمقاهي الشعبية، ولا تُخفى على أي مسؤول "نزيه" أو محدود التورط في ارتكاب موبقات الرشى والإفساد، في مختلف درجات السلم الوظيفي الحكومي، أو القيادي المقرر في الحكومة والعملية السياسية المكوناتية التحاصصية الكريهة. والمشكلة التي قد تواجه هيئة النزاهة، ونحن نفترض من باب حسن النوايا، أنها جادة وتمتلك الإرادة على خوض المعركة بأبعادها المختلفة وما تنطوي عليها من مخاطر وتحديات، تتمثل في المعايير والاولويات التي تحددها. وبدون ذلك ستتخذ القضية أهدافاً قصدية محدودة، وبعداً زمنياً سرعان ما تبدده الكواليس، وتطويها التوافقات من جديد في أدراج النسيان أو تسجل ضد مجهولٍ أو مخبرٍ مغرض. إن حالة الإحباط واليأس التي تسود اوساط الرأي العام، هي قاعدة ايمانها، بعدم جدوى الرهان على القيادة السياسية التي تتحكم في إدارة البلد، وقدرتها على معالجة الخلل البنيوي في المنظومة السياسية، وتعبيراتها المفهومية، كمحاصصة وتقاسمٍ للسلطة، وإمعانٍ في كسر إرادة المواطنين، وهذه بمجموعها توجد البيئة التي تشكل حاضنة الفساد وهدر ثروات البلاد، وتقويض مستقبلها، ووضعها في مواجهة تحدياتٍ وحالة من إنعدام الرؤية وغموض التوقعات. ورغم ما ستواجهه هيئة النزاهة من عقبات وتشكيك، على افتراض أنها كاملة الأهلية وشديدة العزم ولديها الوضوح الكافي حول المعايير المطلوب اعتمادها، فإن "كم" الملفات ووقائع الفساد، بكل مستوياتها، تمنحها مرونة في التحرك على تحديد وتشخيص المشتبه بهم، وخزيناً لا ينضب من " الإحداثيات" على الأهداف، وما يحيط بكل هدفٍ من شواهد وأدلة وبراهين، مسجلة صوتاً وصورة. وقد تنتفع الهيئة أيّما انتفاعٍ بالركون الى الأدلة التي ساقها السيد نوري المالكي في مناسبات عديدة خلال دورتي حكومته، وكذلك العديد من الوزراء وقادة الكتل الذين لم تخل مناظرة لهم، إو إطلالة تلفزيونية أو حوار وطني رسمي من إداناتٍ لخصومٍ وقيادات ومن مسؤولي الدولة العتيدة. ولكي تظل هيئة النزاهة في ساحة ملعبها الموصوف، ولتجنيب جهدها التبعثر والتبدد، أتطلع الى أن تطوي الملفات التي تكدست لموظفين صغار، أو ممن لم تحالفهم حظوظهم العاثرة بالتصاهر مع رؤوس الفساد من الحواسم وقادة المافيات، فتورطت بقبول رشى و"هدايا" نقدية أو عينية لم تتجاوز بضعة آلاف من الدنانير أو بضع مئات من الدولارات، غفلة منهم بأن مثل هذا السلوك ليس سوى "تيمّنٍ" وتقليدٍ للكبار من أصحاب التقوى، وإن كانت زائفة..! أمام الهيئة ملف المصارف، وملف جهاز الكشف عن المتفجرات الذي بقي صاحبه حراً طليقاً مكرماً. وأمام النزاهة ملفات الوزراء والقادة والنواب الذين صار الواحد منهم بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين والمليارات من الدولارات، ومن ملّاك الأطيان والعقارات والمصارف وشركات الصرافة والتحويل المالي.. فمن أين ستبدأ.. ؟ هذا هو السؤال..
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً