حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ ولوجا في نظرية المؤامرة، لم يغبْ عن أذهان مهندسي نظرية (النفط سلاح في المعركة) القوة التدميرية للحرب الاقتصادية عن طريق النفط، والتي طرحوها إبان حرب تشرين / رمضان 73 لغرض الاستهلاك الإعلامي وكسب ود الرأي العام الشعبي وللإيحاء للجماهير بان هذه الأنظمة المتاجرة بقضية فلسطين (الخليجية والسعودية تحديدا) تروم فرض عقوبات اقتصادية ضاغطة ومحرجة اقتصاديا ضد الدول التي دعمت إسرائيل في هذه الحرب وفي وقت كانت دول عربية أخرى تقاتل إسرائيل قتالا حقيقيا بضراوة كالعراق كانت دول شعار النفط سلاح في المعركة تتلاعب في نسب تصديرها للنفط كمناورة سياسية محدودة الأثر للَي اذرع كبار الدول المستهلكة للنفط وسرعان ماتبدد هذا الشعار ودون أن يحقق النتائج "الكبيرة" التي كان يتوخاها واضعوه، فقد احدث ردود أفعال عكسية للدول التي تضررت بالتهديد الذي أحدثه التلاعب بنسب التصدير فيما لم تتضرر إسرائيل البتة من هذا الإجراء. فيما راحت تلك الدول (الولايات المتحدة وأوربا) التي تعتبر من أكثر الدول استهلاكا للنفط لكونها من أعلى الدول الصناعية تقدما في العالم، تبحث عن منافذ بديلة خارج الأوبك لتستورد منها نفوطها فهذه الدول ولحاجتها المستمرة لإدامة ماكنة اقتصادياتها الفائقة، كما راحت تبحث عن بدائل اخرى للطاقة غير النفط كالطاقة الشمسية والرياح الخ أما الولايات المتحدة فقد انتهجت منهجا اخر ولكي لايتكرر سيناريو 73 ويتعرض أمنها الصناعي والاقتصادي للخطر فقامت بتخزين النفط في مستودعات إستراتيجية فضلا عن استمرارها بإنتاج النفط الصخري (وتعد العدة لتكون اكبر منتج نفطي للعالم بعد ان كانت اكبر مستهلك له والاستحواذ على سوق النفط العالمية) ليلبي حاجتها الداخلية ومنذ سبعينيات القرن المنصرم وعلى هامش حرب تشرين 73 تم حظر تصدير النفط الأمريكي للخارج إلا ان الكونغرس وافق مؤخرا على رفع هذا الحظر تناغما مع السياسة النفطية لبعض الدول كالسعودية والمتمثلة بالإغراق السلعي المتعمد للإضرار باقتصاديات الدول الاخرى داخل أسرة أوبك كالعراق وإيران ونيجيريا وفنزويلا ناهيك عن روسيا مايؤكد حقيقة انه ومنذ نصف قرن، وفي مراحل مفصلية من تاريخ الصراع في المنطقة، استُخدم النفط كسلاح لتحقيق أهداف سياسية تحت غطاء الأوبك، فمحصلة القول، ان المتضررين بالدرجة الاولى من هذه اللعبة هم بعض دول الأوبك بفعل إصرار أعضاء آخرين في الأوبك على عدم تخفيض سقف الإنتاج لإتخام السوق النفطية بأكثر من مليوني برميل زائد عن سقف حاجتها يضاف اليه تدني مستويات النمو في الأسواق الصناعية العالمية واسيا والصين مما زاد الطين بلة وهذا إضرار متعمد كما يبدو ان النفط لا يزال يستخدم كسلاح بغض النظر عن الغطاء فتارة يبدو سياسيا وأخرى يبدو اقتصاديا منذ ١٩٧٣ وحتى الان!! ومن هذا المنطلق عرف واضعو نظرية النفط سلاح في المعركة أهمية النفط كعامل اقتصادي / سياسي مدمر في المعركة ولكن أية معركة هي ؟ إنها معركة تخريب اقتصاديات دول تعتمد النفط موردا ريعيا شبه وحيد (كالعراق) لأسباب تبدو في الظاهر أنها تابعة لتقلبات السوق ومناخات الكارتلات النفطية العملاقة ومزاجات مضاربات البورصة العالمية ولكن في باطن الأمر لاتعدو كونها حربا اقتصادية ضروسا هدفها التدمير عن سبق الإصرار والترصد ولأسباب سياسية / طائفية وهكذا دخلت نظرية النفط سلاح في المعركة حيز التطبيق الايديولوجي لها وبشكل فعلي مؤثر ولم تعد مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي والضحك على ذقون الجماهير فقد دخل البترودولار كسلاح من أسلحة الدمار الشامل الفعالة في ميدان توظيف هذا التطبيق على ارض الواقع ومنذ ان دخل العراق عصر الديمقراطية لأول مرة في تاريخه المعاصر بعد التغيير النيساني 2003. ومن هذا التاريخ بُدئت حرب الاستنزاف التي شنها محور نظرية النفط سلاح في معركة التخريب (السعودية، قطر، تركيا) هذه المرة ضد العراق لتوهينه اقتصاديا ومن ثم تركيعه بعد ان يستنزف قواه الاقتصادية والبشرية وصولا الى تفتيته والسيطرة عليه وإلغاء دوره المحوري والمفصلي وتعطيل أهميته الجيو ستراتيجية نهائيا من المنطقة وذلك بالتخريب المتعمد لأهم مرتكزاته الاقتصادية الإستراتيجية. في واقع الحال ان هذا المحور (العربية السعودية،قطر،تركيا) تسبب في ان يخوض العراق حربين في آن واحد إحداهما مكملة للأخرى ان لم تكونا منطلقتين من قاعدة واحدة، فالعراق لايعيش حالة حرب تقليدية كالتي تعيشها الشعوب والأمم وانما يعيش حالتي حرب غير تقليديتين (النفط، الإرهاب) والمسبب واحد(العربية السعودية،قطر، تركيا) والأسباب معروفة للجميع (سيا / طائفية) والنتائج (تدمير العراق وإسقاط تجربته الديمقراطية). فقد انكشفت عورات دول هذا المحور في التازيم الطائفي ـ المناطقي ـ الشوفيني الذي شهده العراق ومايزال إضافة الى دعم البترودولار اللامحدود للتنظيمات الإرهابية والأجندات الطائفية المرتبطة بها كداعش وأخواته ومرتزقيه السياسيين وغيرهم فضلا عن وتائر التدخل السافر بالشؤون الداخلية للعراق والتعامل مع مكوناته الاثنية تعاملا طائفيا تارة ومناطقيا تارة اخرى ومازالت تركيا تقدم التسهيلات اللوجستية لداعش في تهريبه للنفط الذي يسرقه من الآبار العراقية والسورية الى منافذ البيع الآمنة له.. ومن ملامح تأثر اقتصاد العراق بسياسة النفط كسلاح في المعركة ان موازنة العراق انخفضت بنسبة 30% عما كانت عليه قبل الحرب ضد داعش ومن الطبيعي ان يؤثر هذا الانخفاض على وتائر هذه الحرب وقد يلجأ العراق الى زيادة الإنتاج النفطي لتعويض بعض الخسارة بسبب انهيار الأسعار التي سببتها تخمة المعروض حالياً او الاقتراض من صندوق النقد الدولي وهو مايجعل سيادة العراق على كف عفريت وهو ما يامله محور التخريب السعو/ قطري / تركي كمحصلة نهائية من هذه الحرب. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- انخفاض اسعار النفط وهدهد سليمان القادم من الصين
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا