- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أٓلْمِنْبَرُ الْحُسَيْني..مَسْؤُولِيّاتٌ مُتَبادَلَةٌ 2
حجم النص
بقلم:نــــــــــــزار حيدر المنبرُ مدرسةٌ، مهمّتهُ التّربية والتّعليم والتّزكية، ولذلك فدورُ الخطيبِ هو دور الأنبياء الذي حدّدهُ القرآن الكريم بقوله تعالى {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فيما قال أميرُ المؤمنين عليه السلام بنفس المعنى {فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا}. لقد تخّرج من تحتِ المِنبرِ علماءٌ وفقهاءٌ وأدباءٌ ومفكّرون ومصلحون وقادةٌ، ولذلك حرصَ عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلماؤنا على مرّ التاريخ، فأَعاظم مراجعنا ينصبون منبرَ الحسين (ع) في بيوتِهم طوال العام وخاصّةً في شهري محرّم الحرام وصفر المظفّر، وتراهم يجلسونَ عند عتبة المجلس احتراماً للمنبرِ ولدورهِ ولصاحبهِ السّبط الشّهيد عليه السلام. ولقد تجلّى حرصهم على المنبر من خلال الاهتمام به كمنبرٍ ليستمر دائماً من جانب، وبمحتواه بالتّسديد والتّرشيد من جانبٍ آخر. ولكي تنجح هذه المدرسة في أداء رسالتِها في المجتمع ينبغي ان يتحلّى فارسُها، الخطيب الحسيني، بخصلتين مهمّتين جداً هما: العلمُ والعملُ الصّالح، او العلمُ والسّلوك القويم والسّليم، فالمعلّم الجاهل لا يعلّم النّاس شيئاً يُذكر، كما انّ الخطيب نصف المتعّلم لا يرتقي بروّاد المنبر أبداً، كما انّ المعلّم المنحرف او غير القويم في سلوكيّاتهِ والذي يتناقض فعلهُ مع قولهِ وعملهُ مع حديثهِ وكلامهِ للنّاس لا يُزكّي الانفُس ولا يربّي النّاس، فالمجتمع يبحثُ عن نماذجَ صالحةٍ ليقتدي بها، كما انّهُ يستأنس بمتحدّث يفعل ما يقول، يفعل الخير والمعروف قبل ان يدعو الآخرين اليه وينتهي عن المنكر والباطل قبل ان ينهى الآخرين عنه، والى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ} وما أعظمهُ من كلامٍ ينبغي ان يُخطَّ بماءِ الذّهب ويوضع على المنابر فوق رأسِ كلّ خطيبٍ يروم اعتلاء المنبر الحسيني، ولذلك قيل قديماً [ما يخرجُ من القلبِ يدخلُ الى القلبِ، وما يخرجُ من اللّسانِ لا يصِلُ الآذان]. ومن أجل ان تتكاملَ مسؤوليّة الخطيب مع مسؤوليّة المتلقّي للارتقاء بمستوى المنبر الحسيني، ينبغي على الخطيب ما يلي: أولاً؛ ان يأتي بكلّ جديدٍ، ليكون منبرهُ عصرياً حداثوياً مستوعباً للمتغيّرات والتّحديات بكلّ أشكالِها، خاصةً العقديّة والفكريّة. انّ عاشوراء تستوعب الزّمان والمكان، فلا حاجةَ للتّكرار والاجترار. حتى ثوابت المجلس الحسيني كالسّيرة والتّاريخ مثلاً، ينبغي تحديثها من خلال: الف؛ اعادة تحليلها وتفسيرها بما يتناسب وحاجة الزّمان والمكان، ويتحقق ذلك بإِعمال الفكر في مجال الاستنباط والاستقراء. باء؛ المرور على فصول السّيرة والتّاريخ الأقرب الى الواقع والتي نحتاجها اكثر من غيرِها، ولقد قيل في الحكمة [لكلّ مقامٍ مقال]. فكما نعرف فإنّ السّيرة والتّاريخ يحتويان على مجلّدات عظيمة تحمل من التّفاصيل الشيء الكثير، وانّ مهمّة الخطيب الرّسالي الهادف والنّاجح هو التقاط الصّور الأكثر أهميّة للزّمان والمكان، وكذلك لنوعيّة ومستوى المتلقّي. جيم؛ عدم الاستغراق في تفاصيلِ التّاريخ ونسيان او تجاوز ربطها بالواقع، فالتاريخ الذي لا نتعلّم مِنْهُ درساً او عبرةً او تجربةً لا ينفعُ أبداً فلماذا نُشغِل أنفسنا به؟!. أنظر الى كلّ قصص القرآن الكريم، لم تجد حتّى حرفاً واحداً زائداً فيها، فكلّها دروسٌ وخبرة وعِبرة ومنهج وخطّة عمل للواقع والمستقبل، حتى وصفها تعالى بقوله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} وقلهُ تعالى {إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} طبعاً اذا ما قرأناها بتمعّن وتفحّص وبعقولِنا لا بعواطِفنا. ثانياً؛ إنّ الخطيب كالطّبيب مهمتهُ تشخيص الحاجة أولاً قبل وصفِ العلاج، ولذلك ينبغي على الخطيب ان يطّلع على حاجات الحضور قبل ان يقدّم لهم المادّة المنبريّة، وإلا فسيكون حديثهُ في وادٍ وحاجات الحضور في وادٍ آخر، وبذلك سوف لن يُثير انتباههم او اهتمامهم أبداً، لان من طبيعة الانسان انّهُ لا يُعير كثير اهتمامٍ او انتباهٍ لمتحدّثٍ لا يعنيه من حديثهِ شيئاً. ينبغي على الخطيب ان يكون خبيراً في حاجات المتلقّين ومشاكلهم العقديّة والاجتماعية والأخلاقيّة والسّلوكية وغيرها ليعرف ما الذي ينبغي عليهِ تقديمهُ لهم. ثالثاً؛ ولكي تكتمل عمليّة التّأثير في المتلقّي ينبغي على الخطيب ان يتواصلَ مع جمهورهِ بشتّى الطّرق، ولله الحمد، فلقد أتاحت لنا وسائل التّواصل الاجتماعي مجالاً واسعاً جداً لتحقيقِ التّواصل مع المتلقّين، إِنْ بالحوارِ والنّقاش او بالجوابِ على سؤالٍ او ما أشبه. ينبغي على الخطيبِ ان يتحلّى بسعةِ الصّدر ليستوعب المتلقّين بكلّ مشاربهم وأذواقهم ومستوياتهم خاصّة جيل الشّباب الذين تختلف حاجاتهم كلياً عن حاجات الآخرين، خاصةً في هذا العصر، اذ تغيّرت التّحديات والتّطلعات والآمال والاحلام عند الجيلِ الجديد. رابعاً؛ لا يجوز تسييس المنبر الحسيني أبداً كما لا يجوز ان يتحزّب أبداً، اذ يلزم ان يتمسّك المنبر بانتمائهِ التاريخي فقط، للحسين (ع) ولعاشوراء ولكربلاء، وانّ الذين يسيّسون المنبر لصالح هذه الجهة السّياسية او تلك الحزبية يرتكبونَ جريمةً عظيمةً بحقّ المجتمع. هذا المنبر للحسين (ع) فقط وليس لأحدٍ سواهُ أبداً. لا تغيّروا انتماءهُ ولا تبدّلوا هويّتهُ فليبق المنبر لصاحبهِ أبد الدّهر. خامساً؛ التّحضير والتهيئة والاستعداد للمنبر، فمن يقول انّهُ ليس بحاجةٍ الى كلّ ذلك فمادّةُ المجلس تحضر لحظة اعتلاء المنبر! واهم، انّهُ يخدعُ نَفْسَهُ ويخدع الحضور، فالذي يعتلي المنبر من دون استعداد يملأ وقت المجلس بالانشائيّات وتفسير الاحلام والقصص الخرافيّة والرّوايات الضعيفة وغير ذلك. قد يَقُولُ قائلٌ؛ انّ خبرة الخطيب تعوّضهُ عن الاستعدادِ والتّحضير، وأقول؛ انّ المستجدّات والتّطوير والتّحديث في المنبر، خاصةً في هذا العصرِ المتسارع في كلِّ شيء، لا تكفيها الخبرة فحسب، فكما ان الفّقيه المرجع يحضّر لدرسهِ في كلِّ مرّةٍ حتى آخر لحظة من حياتهِ، مع كلّ علمهِ وخبرتهِ، كذلك الخطيب ينبغي عليه ان يحضّر لكلِّ مجلسٍ ولكلِّ منبرٍ يرتقيه. ولا ننسى فإنّ الحضور متنوّعُ الثّقافات والعلوم، ولذلك ينبغي على الخطيب ان يكون ملمّاً بآخر مستحدثات العلوم والثقافات الى ما قبل اعتلائهِ المنبر بلحظة، ليأتي بكلّ جديدٍ دائماً. E-mail: nhaidar@hotmail. com
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (20)