حجم النص
نــــــــــزار حيدر ليس هناك قوةٌ في هذا العالم قادرةٌ على ان تمنعك من نشرِ شَيْءٍ ابداً، الا قوة الضمير وسلطة العقل والمنطق والحكمة التي تميّز بها بين النافع والضار عندما تريد ان تنشرَ شيئاً ما. وبالمناسبة، فانا لا اقصد هنا التّوقّف عن نشر ما يخصُّ الارهابيين فقط، ففي اخبارنا وصورنا وأفلامنا الكثير جداً، كذلك، من الكذب والفبركة والدعاية المبتذَلة والرّخيصة التي يُشَمُّ منها عن بعد رائحة التشفّي والطّعن والترصّد والكيديّة والتّسقيط والتّشهير واغتيال الشّخصية والسعي لافشال النجاح او على الأقل الطّعن به، والتقليل منه. دعوني هنا اسوقُ مثالين؛ الاول؛ عندما انتشرت في الآونة الاخيرة، وعلى نطاق واسع، أبيات من الشّعر، والذي يسمونه العراقيون تندراً بحرِ الخَرُط، منسوبة لأمير المؤمنين وامام البلاغة وسيد اللغة العربية علي بن ابي طالب عليه السلام!. كان من الواضح جداً ان جهة مغرضة نشرت البوستر، للطعن بأمير المؤمنين (ع) الا انّه انتشر بسرعة البرق انتشار النار في الهشيم وكأنَّ فتحاً أدبياً عظيماً قد تم انجازه او اكتشافه. ولم يتوقّف البوستر عن النّشر والتّداول حتى تدخّل احد العلماء موضّحاً ومبيّناً وشارحاً وكاشفاً عن الحقيقة من خلال إماطة اللثام عن جوهر الموضوع. ولو انّ المصدر الاول الذي بادر الى نشر البوستر كان قد بذل ابسط جهدٍ معرفي او مقارنة بسيطة لأكتشف زيف البوستر بل ولسَخِرَ منه ورماه في سلّة المهملات. الثاني؛ عندما فبرك مجهول الهوية خبراً عن سفارة جمهورية العراق في واشنطن، ليطير في اليوم الثاني حاطاً رحاله على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي!. لحدّ الان قد لا يكون في القصّة ايّة اثارة او استغراب، فلقد تعوّدنا على استهداف الفاشلين والموتورين ومن يخسر امتيازاته عندما يتم الكشف عن دَجَلِهِ مثلاً او تلاعبه باوراقه الثبوتية وخاصة اختصاصاته وشهاداته وغير ذلك، استهدافهم للنّاجحين من الذين يحقّقون تميّزاً في فترة قصيرة من تسنّمهم لمواقع المسؤولية، كما هو الحال مثلاً مع سعادة السفير الاستاذ لقمان الفيلي، وفريق عمله، الا ان الغرابة في الامر عندما تكتشف انَّ (بغداد) تلقّفت الخبر المفبرك ورتّبت عليه أثراً من نوع ما وكأنّها كانت تنتظره على أحَرٍّ من الجمر!!. هنا يُثار التساؤل؛ ترى! هل من المعقول انّ (بغداد) تستعجل الامور، وبهذه الدرجة، لترتّب على كلّ ما يُقال ويُنشر في الاعلام؟ وهي تعرف قبل غيرها ان الكثير مما يُقال هو كذب ومُفبرك ومزوّر ولا أساس له من الصحة؟!. هذان مثالان، والأمثلة كثيرة لا تُعٓدُّ ولا تحصى، فيما يخصّ حالنا، اخبارنا ومنشوراتنا وصورنا وأفلامنا، الى جانب الانتاج التّضليلي الذي ينشره الارهابيون والذي غزانا بشكل مخيف!. اعودُ وأكرّر القول بانّه لا توجد قوّة في هذا العالم لها السلطة عليَّ وعليك وعلى ايّ أحدٍ لتمنعنا من نشر شَيْءٍ ابداً الا سلطة الضمير والعقل، ولذلك فانا هنا لا أُدافع عن أحدٍ ابداً وانما أدافع عن عقلي وعقلك، ولذلك قيل في الحكمة المشهورة؛ [حدّث المرء بما لا يُعقل، فانْ صدّقكَ فلا عقلَ له]. كذلك، ومن جانب اخر، فليس هناك من يمكنه ان يجبُرك على نشر شيء ما اذا لم تكن مقتنع به او لم تشأ نشره، فليس لاحدٍ سلطةٌ عليك لاجبارك على ذلك، الا سلطة واحدة فقط هي سلطة (الاستسلام) او ما يسمّيه القران الكريم بـ (الابسال) في قولهِ تعالى {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} وهي السلطة التي يتولّاها العقل الباطن، لكثرة تكرار الخطأ بلا وعي، فعندما يستسلم الانسان لشيء ما يبدأ بفعله وتكراره بشكل اوتوماتيكي، لا إرادي، حتى يكونَ جزءٌ من شخصيّتهِ فلم يعد يمتلك القدرة على التوقّف لإعادة النظر مثلًا لتغيير الموقف والحال. ومن باب الشيء بالشيء يُذكر؛ يُروى ان رجلاً صادف في طريقه (قشرة موزة) طبعاً ليس المقصود بها (موزة قطر) ابداً!، فتوقّف عندها فوراً، محدثاً نفسه بالقول؛ يا الهي! ما هذه الصّدفة؟ لماذا يتكرّر المشهد معي؟ قشرة موزة مرّةً اخرى؟! هذا يعني انّني سأطأها بقدمي مرة ثانية فاسقط على الارض فتنكسر رجلي مرّةً اخرى فتأتي الإسعاف لتأخذني الى اقرب غرفة اسعاف في المستشفى ليعالجوني مرة اخرى، بالصّب، ما يعني أنّني سأمكثُ في بيتي فافقد عملي لعدة أسابيع اخرى!!!. ذات مرّة عتبتُ على صديقٍ نشر صورة مفبركة، وهو يعلم بذلك علمَ اليقين، فأجابني؛ لقد تعوّدنا على نشر كلِّ ما يصلنا! يبدو ان قدرنا هو ان ننشر الاكاذيب!!!. ٢٥ شباط ٢٠١٥
أقرأ ايضاً
- أُسُسُ التَّقييمِ (٢)
- أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ ,,, أَظَنِنْتَ يا يَزيد!(٢)
- ظَنَنْتُهُ تَعَلَّمَ! (٢)