حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي لا يملك الصحفي العراقي سوى قلمه، وضميره الوطني الأبيض.. فهو من الناحية المادية خالي الوفاض، وخالي الجيوب، وخالي الرصيد، لا يملك غير رغيف خبزه اليومي الحافي - هاي إذا توفر له الرغيف -!! وأفضل وصف لحالة الصحفي المادية تلك التي شبهها الكاتب الساخر المصري محمود السعدني- وهو شقيق الفنان صلاح السعدني- يوم أجاب عن سؤال حول أوضاع الصحفيين في القطاع الخاص، فقال: (الصحفي المستقل في العالم العربي، مثل الرضيع العربي، إن توفر الحليب في صدر أمه، رضع وشبع، وإن خلا، جاع وهلك)!! بمعنى إن رزق الصحفي مرهون برزق الصحيفة التي يعمل فيها. فإذا حصلت الصحيفة على موارد تمويل من الإعلانات والمبيعات، والإشتراكات، وإصدارها مستمر، فهذا يعني أن عمله سيستمر في الجريدة، مما يوفر له ولعائلته رغيف الخبز، والعكس صحيح أيضاً.. أما أن يملك الصحفي قوته وقوت عياله لشهر أو سنة، وهو قاعد عن العمل، فهذا أمر لن يحصل في صحافة العراق الأهلية أبدا، بل ولن يحصل في كل صحافة البلاد العربية، لأن الصحفي العراقي والعربي مثل عامل البناء الذي يقف في المسطر الصباحي كل يوم بإنتظار أن يجد عملاً، فإن وجده، وجد قوتاً لذلك اليوم، وإن خاب أمله، وعاد الى بيته، فلن يجد قوتاً ليومه!! وهنا يتساوى الصحفيون العراقيون جميعاً، فلا تجد فرقاً بين رئيس التحرير، وبين المحرر، ولا بين مدير التحرير والمصمم، أو بين صاحب الجريدة، وسكرتير التحرير، فكلهم طبعاً متساوون في العوز، والحاجة، والإعتماد على (رزق الجريدة)، ولا أظن أن واحداً منهم يختلف عن الثاني في مجهولية المستقبل اللهم إلاَّ الذين لهم مورد آخر. وسمير الشويلي رئيس تحرير جريدة الأخبار، هو واحد من موكب الصحفيين العراقيين المعطر بالبذل والتضحيات النزيهة، والمفعم بالمحبة والود والإنحياز للوطن والإنسان أينما كان.. وهو لا يختلف عن أي رئيس تحرير عراقي آخر من رؤساء التحرير الشرفاء الذين يبكون دماً لوجع العراق ويرقصون فرحاً لخير وسعادة ونصر العراق. فسمير الشويلي ذلك الفتى الوطني، المكتنز بحب الوطن، والمشرق بوهج الإنتماء لبلده الحبيب. والعاشق الحسيني، المسكون والمفتون، بحب أهل البيت عليهم السلام.. الطيب حد اللعنة، والنقي حد الدهشة، والجريء الى مديات الجنون، يتعرض اليوم لمحنة صحية كبيرة، وليعذرني سمير لو أعلنتها اليوم مجبراً، رغم إني واثق من زعله، وعدم رضاه عما سأقوله الان، لاسيما وإن الرجل كان قد وضع سره أمس عندي، دون أن يخبر به حتى أهله، بعد أن أتصل بي من بيروت ليلة البارحة، وهو يتحدث بصعوبة بالغة، حتى إني لم أستطع سماع صوته إلاَّ مختلطاً بأنفاسه الثقيلة، وبحشرجة حنجرته المتعبة. ولما سألته عن سبب هذا الوهن، والإنكسار في صوته، أخبرني بأنه مريض، بل ويكلمني الآن من المستشفى في بيروت!! وللحق فإن سمير رغم وجعه الواضح فقد حاول جاهداً أن يخفف من الصدمة والمفاجأة، فصور لي الأمر بغير حقيقته، مبعداً عني عنوان مرضه الحقيقي، فادعى بأنه يعاني من التهابات وتقرحات بسيطة في المعدة، لينهى معي الإتصال بطريقة تهربية. فأدركت في نفس اللحظة بأن صاحبي يعاني من أمر خطير، ما جعلني قلقاً جداً عليه، فرحتُ أفكر في أمره، وأضرب أخماساً بأسداس، حتى إني لم أتمكن من النوم ليلتها، فنهضت من فراشي ورحت أتصل به، ولما أجاب على إتصالي وسمعت صوته الموجوع إزددت قناعة بخطورة وضعه فألححت عليه بالسؤال حتى وجدته يبكى بألم، وهو يقول لي: أنا مريض جداً يافالح!! ثم قال لي سره الحقيقي.. وعرفت للأسف بأنه يعاني من ورم خبيث في المعدة بحيث إن الأطباءطلبوا منه إتخاذ قرار سريع بإجراء عملية جراحية لإستئصال الورم قبل إنتشاره في أماكن أخرى، لكن المشكلة أن سمير لا يملك أجور وتكاليف هذه العملية، وهي تزيد على الخمسة وثلاثين ألف دولار، فمن أين سيأتي هذا الصحفي الشريف بهذا المبلغ الضخم وهو الذي لايملك غير رغيف الخبز وضميره الوطني الأبيض؟ الآن، وبصراحة.. فإن كرة حياة زميلنا العزيز سمير الشويلي باتت في ملعبنا جميعاً، وأولنا دولة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، ثم مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية، وكذلك نقابة الصحفيين العراقيين، ورؤساء الصحف والمؤسسات الإعلامية الأخرى، لأن المحنة التي يتعرض لها الآن سمير الشويلي هي محنة صحية خطيرة قد تهددنا نحن الصحفيين الأحرار جميعاً. فهذا الرجل الوطني، لا سند له غيرنا، ولا ظهر له غير ظهر حكومتنا الوطنية، التي قاتل بأسنانه دفاعاً عنها.. لذا يتوجب علينا جميعاً دعمه، ومساندته، وتوفير أجور العملية بشكل سريع وعاجل، فرجاء رجاء لا تخذلوا هذا الرجل، ولا تشمتوا به فلول البعثيين والوهابيين والخميسيين الخنجريين، وأمثالهم!