حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ اللامركزية الوطنية ليست مصفوفة لغوية تلوكها الألسن برطانات وسفسطات مبهمة وليست هي مزاجات سياسية تفرضها المصالح المناطقية والحزبوية الضيقة بل هي وبحسب تعريفها المقتضب نظام إداري يقوم على توزيع النشاط الإداري بين هيئة مركزية وهيئات أخر مستقلة وتوزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وفروعها الإقليمية من جهة، وهيئات مستقلة منتخبة من جهة أخرى.وهي ايضا نموذج لمشروع حكومي في إدارة الدولة وتقسيم السلطات والصلاحيات وللتمييز بينه وبين نموذج مشروع آخر اقترن بنظام الحكم الأوتوقراطي شديد المركزية وتلازمت المركزية في المشهد العراقي ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مع المركزية الحديدية شديدة السطوة والديكتاتورية العسكريتارية ومع الحكم الفردي والتسلطي ولم يشهد العراق في تاريخه المعاصر أي نموذج مخفف من المركزية المكبِّلة لتطلعات الجماهير في المحافظات العراقية في إدارة شؤونها بعيدا عن قبضة المركز الا ان الدستور العراقي الدائم ضمن في بنوده هذا التخفف من أعباء التمركز والتبعية المطلقة للمركز وهو حق دستوري لاي محافظة غير مرتبطة بإقليم وذلك في (المادة (112):-[يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية]. وفي المادة (115) وضع الدستور معالم خارطة الطريق نحو اللامركزية:-[يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين إقليم بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: اولاً:ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً:ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. وبخصوص صلاحيات الأقاليم المتحررة من شرنقة المركزية فقد حددها في المادة (117):- [اولاً:ـ لسلطات الأقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.] وانطلاقا من هذا الحق الدستوري كانت الأقلمة والفدرلة حلما راود الكثير من المحافظات العراقية التي كفل لها الدستور حق تشكيل أقاليم بضوابط حددها في المادة (115) واستكمالا لهذا الحق وشروعا في تحقيق هذا الحلم ولتحقيق الحد الأدنى من اللامركزية أوعز رئيس الوزراء د.حيدر العبادي بمنح المحافظات صلاحيات واسعة وأوسع من ذي قبل متعهدا بسحب الطعن السابق في قانون رقم (21) المعدل الذي كان يمنح المحافظات صلاحيات مالية وإدارية واسعة، وكانت المحافظات تأخذ صلاحياتها من هذا القانون الى ان تم الطعن فيه من قبل حكومة السيد المالكي وهو ما حدا بـ د.العبادي بان يطلق مبادرته من البصرة من خلال اجتماع الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات غير المنتظمة بإقليم وتقديم المقترحات بذلك وعرضها على البرلمان بإلغاء هذا الطعن في خطوة انفتاحية داخلية نحو ترميم العلاقات داخل البيت العراقي وتقنينها مابين المركز والمحافظات غير المرتبطة بإقليم بنزع فتيل التوتر فيما بينها ورفع المحرومية والمظلومية عن بعض المحافظات التي تشتكي من ذلك بسبب تقييد صلاحياتها وذلك بإطلاق صلاحيات تنفيذية وتشريعية ومالية وأمنية اوسع وبما يهدف الى تخفيف العبء عن كاهل الحكومة المركزية من جهة ومن جهة اخرى فسح المجال أمام الحكومات المحلية لتقديم افضل الخدمات للمواطنين وذلك بالتحرر من السطوة المركزية المقيدَّة بالآليات البيروقراطية المعقدة والحلقات الإدارية المتشابكة والزائدة والروتين الحكومي المغلف بصور شتى من الفساد المالي والإداري. وتبدو من الحراك الأخير من قبل رئيس الوزراء الجدية الواضحة والأكيدة في مشوار ترميم العلاقات الداخلية وتنقية الأجواء الوطنية وإزالة مايعكر صفو هذه الأجواء وكانت الخطوة الاولى في هذا المسعى هو الاتفاق التاريخي ما بين حكومتي المركز واربيل لتسوية الملفات العالقة بينهما تلتها هذه الخطوة التي انطلقت من البصرة في ذات المسعى لحلحلة الملفات العالقة مابين المركز وبين المحافظات غير المرتبطة بإقليم ويستشف من هذا الحراك ان د. العبادي ماضٍ في تطبيق برنامجه الحكومي الذي تعهد به لاسيما ما يخص العلاقة بين المركز والأطراف. وكما جاء في هذا البرنامج[سادسا: تنظيم العلاقات الاتحادية ـ المحلية أ ـ توزيع الصلاحيات الحكومية بين الإقليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم. تفعيل صلاحيات المحافظات استنادا الى ما جاء في قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل مع مراجعة الآثار المترتبة على مواد الدستور ذات الصلة بسلطات الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والعمل على إصدار التشريعات اللازمة لتطبيق أحكام الدستور والعمل على: 1 ـ تحديد آليات جديدة في الإدارة الأمنية في المحافظات بما ينسجم مع الدستور. 2 ـ منح الحكومات المحلية صلاحية ادارة المؤسسات التربوية والصحية والخدمية وان يقتصر دور الحكومة الاتحادية على الإشراف والمراقبة بموجب ضوابط عمل مركزية لكل قطاع 3 ـ منح الحكومة المحلية سلطة تطوير الإجراءات الإدارية حسب احتياجاتها] وانه بتنقية الأجواء الوطنية وتقنين العلاقات الداخلية مابين المركز والأطراف سيتم الانطلاق نحو إعادة العراق الى مستواه الطبيعي إقليميا ودوليا واخذ استحقاقاته وبما يتناسب مع حجمه وثقله وأهميته الجيوستراتيجية وعلى جميع الأصعدة فضلا عن ان الظرف الراهن والحساس الذي يمر به العراق يستدعي هذا الحراك وإزالة كابوس المركزية المرعب والثقيل الذي جثم على صدر العراقيين عقودا طوالا والوصول الى تحقيق عراق اتحادي مستقر . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- مجالس المحافظات .. محنه الذات وعقدة اللامركزية
- التحالف العابر للمكونات .. آفاق الحل للأزمة العراقية
- شعوب الربيع العربي تفضل العودة لإمتهان الطغاة على شذاذ الآفاق