- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الخطاب الحسيني صوت هادر على مدى الزمان/ الجزء الثامن
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي خروج الأمام الحسين من مكة ولنرجع إلى الأمام الحسين(ع)حيث أستعد للخروج إلى الكوفة بعد ورود كتاب سفيره مسلم بن عقيل بأخذ البيعة من أهل الكوفة وحضه إلى السير إليهم بعد التأكد من أخذ المواثيق والعهود والرسالة أوردناها في جزئنا الخامس ولكن لا بأس من أعادتها حيث يقول فيها مسلم بن عقيل. " أما بعد: فان الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر الفا(1) فعجل حين يأتيك كتابي، فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوي ".(2) وكان خروجه يوم الثامن من شهر ذي أي يوم التروية وهو نفس اليوم الذي أستشهد في سفيره مسلم بن عقيل بعد مُقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوّالاً وذا القعدة وثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، وكان(عليه السلام) قد اجتمع إليه مدةَ مُقامه بمكة نَفَرٌ من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضمّوا إلى أهل بيته ومواليه. ولمّا أراد الحسين(عليه السلام) التوجّه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرةً، لأَنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقْبَضَ عليه بمكة فيُنْفَذ به إلى يزيد بن معاوية، فخرج(عليه السلام) مبادراً بأهله وولده ومن انضمّ إليه من شيعته، ولم يكن خبر مسلم قد بلغه.(3) وقد اسرع بالخروج من مكة خوفاً من انتهاك حرمة البيت الحرام من قبل يزيد اللعين وهذا ماقاله الأمام(ع) إلى أخيه محمد بن الحنفية في محاورة حيث نستقطع منها الجزء المهم وهو يقول {... فأجابه الإمام(عليه السلام): (خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية، فأكون الذي تستباح به حرمةُ هذا البيت)}.(4) ولنرى ماذا يقول العلامة هبة الله الشهرستاني حول هذا الأمر: " وأما دفاعه عن الحرم فعلمه بالمكايد المدبّرة من خصومه لحصره أو اغتياله في مكة من حين تفرّق الحاج منها. فيصبح إمّا مقتولاً أو مقاتلاً وفي كلا الأمرين هتك للحرم الممنوع فيه سفك الدماء، وقد بدت بوادر مناوأته من قدوم عمرو بن سعيد عامل يزيد قبل التروية بيوم، وتقدّمه الصلاة بالمسلمين، وبثّه العيون حول الحسين وحول ابن الزبير، فصلّى الإمام وطاف وسعى وحلّ الإحرام ثم خرج. عدما عرف عمرو بن سعيد صرخ بالناس قائلاً: «اركبوا كل بعير بين السماء والأرض واطلبوا حسيناً» ولم يحتشم حرمة البلد الأمين ولا النبي الأمين. بادر الحسين (عليه السلام) بمسيره قبل أن يبادر العدو إلى صدّه وإحصاره واغتياله، وألجأته الضرورة إلى حركة غير منتظرةوخارجة عن الحسبان، وأوجد بمسيره هذا ثورة فكرية أوجبت انتشار خبره بسرعة البرق. وحقاً أقول: إنّ الحسين (عليه السلام) مجتهد في نيّته ومستفرغ كل ما فيوسعه لنشر دعوته في كل عصر ومصر شحت وسائل النشر فيها، فكان لخروجه في غير أوانه دوي يرن صداه في الداخل والخارج والناس يتساءلون عن نبأه العظيم وعن أنّ الحسين هل حج وخرج؟ ولماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ والى أين؟".(5) ومن هنا كان الأمام الحسين يريد المحافظة على حرمة الكعبة وعدم استباحتها بالدماء والدليل على مانقول حيث ولم يبعُد الإمام(عليه السلام) كثيراً عن مكة حتى لاحقته مفرزة من الشرطة بقيادة يحيى بن سعيد، فقد بعثها والي مكة عمرو بن سعيد لصدّ الإمام(عليه السلام) عن السفر، وجرت بينهما مناوشات حتى تدافع الفريقان واضطربوا بالسياط وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعاً قوياً.(6) وقد كتب العديد من المفكرين والكتاب القصيري النظرة حول خروج الحسين مع عائلته وقد اعتبروه نوع من الخطأ(حاشا لله) في نظرتهم الضيقة والتي تلتقي مع وجهات ونظر كما قلت سابقاً مع كتاب ووعاظ السلاطين وهذا الرأي باطل من أساسه وغير مستند على أساس علمي أو منطقي يساير العقل والمنطق لأن نحن مذهبنا نسير مع هذين المنهجين والذي يعارض القرآن والسنة وهذين المنهجين نضربه عرض الحائط. ولهذا كان خروج الحسين مع عياله وأهل بيته مناحي عديدة في تفسيره وسوف نوردها وكالآتي: المنحى الأول: وهذا التفسير يفسره الكاتب والمفكر المصري عباس محمود العقاد في كتابه سيرة سيد الشهداء الحسين بن علي(ع) والذي لدينا عليه مآخذ على كتابه ولكن ننشره من أجل توضيح ماهو مفيد لنا وهو "والحق أن مسألة خروج روحي له الفداء مع عياله وحرمه هي عادة عربية قديمة ومنذ الجاهلية وحتى في الإسلام فرسول الله(ص) كان يأخذ معه واحدة أو أثنين من نساءه وحتى في غزوات المسلمين حتى مثلاُ في معركة ذي قار أخذوا معهم حرمهم وعقلوا رواحلهم في المعركة لكي يشتدوا في المعركة ويدافعوا عن حلائلهم فالعرب كانوا يأخذون أهل بيوتهم معهم للدلالة على الشجاعة والاستبسال في خوض المعارك حيث تكون حلائلهم خلفهم ولا يقرون بالتراجع والانكفاء وأن سيد الشهداء(ع) كان يقتدي بسنة جده(ص) في هذه المسألة." المنحى الثاني: "هو أن الحسين(ع)أن أخذه لحرم رسول الله أنه يضرب مثالا أنه مع مناصريه ومقاتليه وأنه مؤيديه عندما يتعرضون لأي خطر هم وعوائلهم فهو معهم في نفس الميزان وهو يكون المضحي الأول في هذا المجال لأنه معه حرم رسول الله(ص) فليس من المرؤة أن يندبهم لأمر ولا يكون لهم فيه قدوة والمسلم الذي ينصر الحسين لنسبه الشريف أولى أن غاية نصره بين أهله وعشيرته وإلا فما هو ناصره على الإطلاق فالمنتصر يكون أقوى ما يكون وهو منتصر وفي حالة الخذلان تنقلب الآية على المنتصر المقابل فينال من البغضاء والنقمة على قدر أن انتصاره الذي ينقلب عليه".(7) وهذا ما لاحظناه في قيام معسكر يزيد في نهب وترويع وسبي حرم رسول الله والفاطميات للدلالة على مدى خبثهم وأجرامهم وعدم مراعاتهم لعقائل رسول الله وحرمه وهذا ما قاله روحي له الفداء عندما سقط من جواده وأثخنته الجراح وهجموا على مخيمه قال((يا شيعة أبي سفيان أن كنتم عرباً وتؤمنون بالمعاد فخلوا عن حرمي وقاتلوني)) فهنا قال لهم عرب أي أن ناشد بهم حمية العروبة ولم يناشدهم بالإسلام لأنهم بالأصل لا يؤمنون به لأنهم معسكر كفر وطغيان وإنما اتخذوا الدين الإسلامي ستار لتمرير كل مخططاتهم الإجرامية وتسييره حسب مصالحهم وأهواءهم. المنحى الثالث: وهو منحى معطوف على المنحى الثاني وهو أنه عندما تم سبي هذه الفئة من ذراري رسول الله(ص) وسوقوا سبايا وعلى أقتاب الإبل بدون أي حرمة لحرم رسول الله(ص) واقتيادهم في الأمصار ومعاملتهم كخوارج جلدهم بالسياط من قبل الأوغاد المجرمين للأطفال وللنساء بدون أي وازع ديني وأخلاقي هو بحد حجته على عدم مراعاتهم لحرم الله ومفاهيم الدين الإسلامي بدليل عند دخول الرأس الشريف للحسين(ع) على يزيد(لعنه الله) كان يثني على الرأس الطاهر يثنايا قضيبه عند ذلك أقبل عليه أبو برزة الأسلمي وهو رجل من الصحابة وقال له ويحك يا يزيد أ تنكت بقضيبك ثغر الحسين (عليه السلام) بن فاطمة (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشهد لقد رأيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن (عليه السلام) و يقول أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما و لعنه و أعد له جهنم و ساءت مصيرا قال الراوي فغضب يزيد و أمر بإخراجه فأخرج سحبا..(8) ولنأتي الحادثة الأخرى في مجلس يزيد وهي تدلل على مصداق على ما نقول وهو أنه كان في مجلس يزيد رسول من قيصر الروم استفسر عن هوية الرأس الشريف الموضوع في طست من الذهب وعن السبايا فقال يزيد (لعنه الله)هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال الرومي ومن أمه فقال فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)عند ذلك أنتفض هذا الرومي وقال (عجبا لكم نحن نقيم مزار لأثر بغلة عيسى التي ركبها ونحج أليها في كل عام وأنتم تقتلون أبن بنت نبيكم وتقيمون المهرجانات والاحتفالات وتذبحوه) فخرج من المجلس وهو يقول(فلأخرج من هذه القرية الظالم أهلها لكي لا يصب الله علينا غضباً أو رجزاً من السماء) فقال يزيد(لعنه الله) اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما أحس النصراني بذلك قال له أ تريد أن تقتلني قال نعم قال اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم وثب إلى رأس الحسين (عليه السلام) فضمه إلى صدره و جعل يقبله و يبكي حتى قتل.(9) المنحى الرابع: والذي يتبناه كثير من الخطباء الحسينيون في المنبر الحسيني منهم الشيخ (جعفر الإبراهيمي) والشيخ(عبد الرضا معاش) وهو أن الحسين عندما خرج مع أهل بيته فإنما كانت رسالة سلام للكل في أنه كان ينشد الإصلاح في أمة جده ولا يريد إراقة الدماء كأي طالب للحكم كما يزعمون بعض المفكرين بدليل أنه طلع بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه ومن ذراري رسول الله التي يجب أن تكون لهم رادع للمقابل في عدم الحرب والقتل وحقن الدماء والتي كان ينشدها سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين(ع)وأنه جاء لطلب الإصلاح في أمة جده من قبل حاكم قد عطل حدود الله وسار بالدين إلى الجاهلية الأولى فلذلك يقتضي منه أقامة الحجة عليه.(10) ولهذا ننجد في معسكر الحسين (عليه السلام) الفضيلة، والخلق النبيل ورسالة السلام التي كان ينشدها وعدم اراقة الدماء، والمكارم بأجمعها، وليس ذلك بغريب فعقيدتنا بالإمام أن يكون متحلياً بجميع الصفات الخيرة، حائزاً على أسمى درجات الكمال، لا يسبقه فيها سابق، ولا يلحقه فيها لاحق. قال الضحاك المشرقي، لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة، فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطباً تلتهب النار فيه، فرجع راجعاً فنادى بأعلى صوته: يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة. فقال الحسين (عليه السلام): من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم أصلحك الله هو. فقال: يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّاً. فقال له مسلم بن عوسجة، يا بن رسول الله، جعلت فداك ألا أرميه بسهم؟ فإنه قد أمكنني وليس يسقط (مني) سهم فالفاسق من أعظم الجبارين. فقال له الحسين: لا ترمه، فإني أكره أن أبدأهم.(11) وبقدر ما يكون هذا الموقف الإنساني النبيل من سيد الشهداء (عليه السلام) مع أعدى أعدائه هو موقف بطولي لشهيدنا الخالد ـ مسلم ـ لمبادرته لقتال الظالمين. من هنا أن كل ما يقوله كل كتابهم ومفكريهم كالأنعام بل هم أضل ُ بل هم أضل سبيلا وهو محض افتراء وتشويه وتزوير للحقائق والتي لا يستطيعون حجبها لأن الحقيقة واضحة كعين الشمس وهذه الكاتبة الإنكليزية القديرة فريا ستارك تقول: وتبدأ هذا الفصل بقولها: "إن الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلها".. وتأتي المس فريا ستارك على ذكر واقعة الطف ومصيبة أهل البيت وإحاطة الأعداء حول الإمام الحسين (ع) ومنعهم إياه عن موارد الماء فتقول: "على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه.. بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبل (1257) سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.."(12) وما منع الماء عن العيال عن النساء والأطفال إلا دليل على إصرارهم على الغدر والحقد على أهل بيت النبوة الذين هم معدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة والذين هم بهم الله يفتح ويستفتح فلهذا كان هذا المنحى الذي يتبناه الكثير من المفكرين من الشيعة وعلماؤنا. المنحى الخامس: وهذا الرأي يتبناه أغلب علماء الشيعة من أمثال الشيخ المفيد والطوسي (رض) وعميد المنبر الحسيني الشيخ د.أحمد الوائلي في خطبه المتعددة حول نهضة الحسين والقريب إلى مفهوم أغلب العموم الشيعي وهو أن سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين (ع)باعتبار أمام زمانه وحجة الله على خلقه فهو لديه تكليف شرعي وخروجه بهذا الكم الهائل من عياله ونسائه والتي تتحدث بعض الروايات كان(83) فهو أمام ويعرف التكليف الشرعي عندما أخذ هذا العدد الكبير من آل بيته وهو في تقديري المتواضع مصداقاً لقوله أخته الحوراء زينب(ع) عندما يوصي بالعيال وبابنه زين العابدين(ع) فيقول لها روحي لها الفداء((تأسي بالله أخيه،شاء الله أي يراني مقتولاً وشاء الله أن يراكن سبايا))فهذا الحديث لسيد الشهداء هو حديث لأمام معصوم أخبر به من قبل جده وأبيه وأمه(صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لكي يهب هذه المكانة وهو ماكتبته سابقاً في قول رسول الله(ص) ((أن لك مكانة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة))فإذن عندما يقوم الحسين(ع) بهذا التكليف الشرعي فهو أمر وبلاء من الله سبحانه وتعالى وإلا أن قام بهذا الأمر من الفراغ أي عبث فهذا يفسر أن الله يقوم بأمر عبثي وهذا مستحيل لأن العبث وأوامره هي منزه من العبث والزلل(استغفر الله). ومن هنا أن الأمام الحسين(ع) لو لم يخرج بعياله ونساؤه لكان سيحصل أمران هما: الأمر الأول: فإذا كان الأمر بأن يتركهم في مكانهم ويهاجر بنفسه فلا شك في أن السلطات الأموية ستحاول الاستفادة منهم كورقة ضاغطة على الإمام نفسه كي يسلم نفسه. كما فعل الأمويون مع عمرو بن حمق الخزاعي حيث أسروا زوجته لمّا فرّ من أيدي السلطات الأموية الحاقدة. وأيضاً حصلت هذه الحالة مع زوجة المختار التي اعتقلت هي الأخرى لإرغام زوجها على الإذعان للسلطة الأموية الحاكمة. و لعمل يزيد على التنكيل بحرم رسول الله(ص) وحرم الحسين بعد الواقعة في المدينة للتشفي بقتل الحسين وهذا ما عمله عند إحضار السبايا في مجلس الطاغيين أبن مرجانة ويزيد(عليهم لعائن الله) وما قاموا من أمور استنكرها حتى الرومي المسيحي ولكل من عاصرها ولحد وقتنا الحاضر فكانت خطة الحسين بحمل عياله وحرمه يصب في الاتجاه الصحيح وتدخل في التكليف الشرعي الذي فوضه الله سبحانه وتعالى في انه حجة الله على أرضه. الأمر الثاني: فالإمام لم يكن ليأمن على عياله ونسائه لو أبقاهم في المدينة وخرج ثائرا.. وحتى لو أمن الإمام على نسائه وعياله وأبقاهم في مكانهم وخرج في طلب الإصلاح في ثورة يعلم مسبقا إن القوم يطلبونه ولو أمسكوا به فسيقتلونه لا محالة وسُيقتل مع أخوته وأبناء عمومته في أي مكان من الأرض وسيبادون جميعهم ومن ثم لا يفهم أحد لماذا أصلاً خرج الإمام الحسين عليه السلام للثورة؟ ولماذا لم يبايع؟ وحتماً ستحاول السلطات الأموية التكتم على الأمر واستعمال آليات القتل الصامتة بأي شكل من الأشكال وبهذا يضيع دم الحسين عليه السلام وتضيع ثورته ورسالته وهذا المنطق لا يتناسب أيضا مع ما حمله الإمام من مطالب صرح بها أكثر من مرة. على هذا يكون الخيار الثاني هو الأقرب لما يصبو إليه الإمام من تغيير في الواقع الاجتماعي والقيمي والإنساني. ومن هنا كان الخطاب الزينبي مقرونة بخطبة الأمام زين العابدين(ع) امتداد للخطاب الحسيني الهادر وتكون أهم وسيلة لفضح حكم بني أمية ولتسقط على هذا الخطاب الإعلامي للسبايا أهم معول في سقوط الدولة الأموية وبسرعة وفضح كل المآثم المخزية التي قام يزيد وأزلامه لتكون اكبر شاهد على خسة ووحشية هذا النظام المجرم والذي لا يراعي إلاً ولا ذمة وحتى في العيال والنساء. كما أن هناك نقطة مهمة أنه حمل الإمام معه جملة من المبلغات اللائي كانت الواقعة بحاجة إلى خطابهن تماماً كما كانت الثورة بحاجة إلى دمه وتضحيته والى هذا يشير الشيخ مرتضى مطهري في كتابه الملحمة الحسينية «التكتيك التبليغي هو حمله لأهله وعياله وأولاده في القافلة الحسينية وبهذه الطريقة يكون قد استخدم العدو استخداما غير مباشر من خلال فرض هؤلاء الناس كحربة تبليغية ورسل دعاية للإسلام الحسيني ضد يزيد».. ويضيف: «أن الإمام استخدم عدداً من المبلغين الذين أخذهم العدو بيده وبإرادته لينفذوا إلى قلب حكومة العدو في الشام وهو بحد ذاته تكتيك يفوق التصور الاعتيادي».(13) فالإمام لم يأخذ معه نساء عاديات إنما أخذ معه نساء واعيات مؤمنات بثورته وهن أيضا مبلغات يمتلكن أدوات التبليغ السليم ليُعَرِّفْنَ الناس بالقضية والثورة وأهدافها وأسبابها ويكشفن النقاب عن الوجه الأموي الأسود وليكنَّ سبباً لهزّ الوضع العام وتحريكه وضخ القيم الجديدة وتخليد النهضة الحسينية في الوجدان الشعبي كل هذه القرون. وهنا لابد من إشارة وهي ان الإمام كان قد اطمأنّ إلى الوعد الإلهي بصيانة هؤلاء المخدرات وبأنهنّ سيكنّ بعيدات عن الأذى، ونجد ذلك واضحا من خلال وصيته للنساء لما ودعهن وقال: « استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا ما ينقص من قدركم ».(14) ويقول بعض الرواة: إنّ حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) السيدة زينب قالت لابن عباس وهي باكية العين: يابن عباس، تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده ؟! لا والله، بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره ؟ وأجهش ابن عباس في البكاء وجعل يقول: يعزّ والله عليَّ فراقك يابن العمّ. (15) وهذا قول زينب الحوراء(ع)وهي تعرف ما ينتظرها من ظروف قاسية ومهام ثقيلة وبهذا تكاملت الإرادة من جانبين؛ فمن جانب أراد الإمام للثورة ان تستمر في اشتعالها وازدياد شرارتها ووضوح معانيها ولا أحد يسهم في توضيح مفردات الثورة غير هؤلاء النساء، كما سيأتي ضمن الدور الإعلامي. ومن جانب آخر علمت النساء وبخاصة السيدة زينب عليها السلام إن الإمام انطلق إلى نهضة إصلاحية كبرى في أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذه النهضة الإسلامية الإصلاحية لابد ان يكون للمرأة محط قدم في التأثير والبلاغ. وإلى هذا يشير الشيخ عبد الوهاب الكاشي بالقول: «إن الحسين عليه السلام كان يعرف انه إذا قتل فلا يوجد رجل في العالم الإسلامي يمكنه ان يتكلم بشيء ضد سياسة الأمويين مهما كان عظيماً حيث إنهم قطعوا الألسن وكمّوا الأفواه فكان قتله سدى وقد لا يعرف أحد من المسلمين ما جرى عليه.. فأراد الحسين عليه السلام إن يحمل معه ألسنة ناطقة بعد قتله لتنشر أنباء تلك التضحية في العالم الإسلامي ومذياعاً سياراً يذيع تفاصيل تلك المأساة الإنسانية والجرائم الوحشية، فلم يجد سوى تلك المخدرات والعقائل اللواتي سبين وسيرّن بعد الحسين عليه السلام في ركب فظيع مؤلم يجوب الأقطار يلقين الخطب في الجماهير وينشرن الوعي بين المسلمين وينبهن الغافلين ويلفتن أنظار المخدوعين ويفضحن الدعايات المضللة حتى ساد الوعي وتنبه الناس الى فظاعة الجريمة وانهالت الاعتراضات والانتقادات على يزيد والأمويين من كل الفئات والجهات».(16) وهذا بالضبط ما أراده الإمام من خلال حمله للنساء والعيال، وهذا ما حصل أيضاً إذ لولا وجود هذه الثلة المباركة لما تم كشف القناع عن يزيد ورفع الستار عن جرائم الأمويّين. كما نجحت المرأة «زينب عليها السلام» في التبليغ والإعلام الموجه، ولم تكن الأدوار التقليدية للنساء كالأمومة والزوجية عائقاً أمام تحقيق نجاح أوسع ضمن دائرة الأهداف العامة أبدا بل كانت هذه الأدوار سبباً لإضفاء مزيد من الحزن والتفجع على ما جرى في الطفوف، فهؤلاء النساء قدمن الغالي والنفيس بل ضحين بالولد والأخ والزوج لنصرة الثورة في زمن تقاعس فيه الأشاوس من الرجال عن نصرة الإمام الذي كانوا يسمعون استغاثته!. وبهذا تحولت الأدوار التقليدية التي تضجر منها المرأة المعاصرة إلى أدوار رسالية ومحطات انطلاق لرسم هوية ثائرة للمرأة المسلمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(17) وفي الأخير أن الخطاب الزينبي وخطبة الأمام زين العابدين(ع) هي كلمة حق قد قيلت وبشجاعة وصلابة أمام حاكم جائر وقد حققت كل أهدافها المراد منها ولتثبت وعلى الدوام أن الأمام الحسين(ع) لم يخرج بعياله باعتباط(حاشا لله) بل كان بتخطيط وفهم لمجريات الأمور وأنها كانت كلها بالهام رباني من الله سبحانه وتعالى باعتباره أمام معصوم مفوض من الله جل وعلا في تسيير أموره.. ولزيادة الفائدة نقول: لقد ذكر العالم الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه « السياسة الحسينيّة » ما يلي: « وهل نشكّ ونرتاب في أنّ الحسين لو قُتل هو ووُلده.. ولم يتعقّبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحدّيات لَذَهَب قَتلُه جباراً، ولم يَطلُب به أحد ثاراً، ولَضاع دمه هدراً. فكان الحسين يعلم أنّ هذا عملٌ لابدّ منه، وأنّه لا يقوم به إلا تلك العقائل، فوجب عليه حتماً أن يحملهنّ معه لا لأجل المظلوميّة بسببهنّ فقط، بل لنظرٍ سياسي وفكر عميق، وهو تكميل الغرض وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة إلى القضاء عليها قبل أن تقضي على الإسلام، ويعود الناس إلى جاهليّتهم الأولى ». ويقول العلامة البحّاثة الشيخ باقر شريف القرشي ما نصّه: « لقد كان من أروع ما خطّطه الإمام في ثورته الكبرى: حَملُه عقيلة بني هاشم وسار مخدّرات الرسالة معه إلى العراق، فقد كان على عِلم بما يجري عليهنّ من النكبات والخطوب، وما يَقُمن به من دور مشرق في إكمال نهضته وإيضاح تضحيته، وإشاعة مبادئه وأهدافه، وقد قُمن حرائر النبوة بإيقاظ المجتمع من سُباته، وأسقطن هيبة الحكم الاموي، وفتحن باب الثورة عليه، فقد ألقينَ من الخُطب الحماسيّة ما زَعزع كيان الدولة الأموية. إنّ من ألمع الأسباب في استمرار خلود مأساة الحسين عليهالسلام واستمرار فعّالياتها في نشر الإصلاح الاجتماعي هو حمل عقيلة الوحي وبنات الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الإمام الحسين، فقد قُمنَ ببَلورة الرأي العام، ونَشَرن مبادئ الإمام الحسين وأسباب نهضته الكبرى، وقد قامت السيدة زينب عليهاالسلام بتدمير ما أحرزه يزيد من الإنتصارات، وألحقت به الهزيمة والعار ».(18) ويقول الدكتور احمد محمود صبحي: « ماذا كان يكون الحال لو قُتل الحسين ومَن معه جميعاً من الرجال إلا أن يُسجّل التاريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه، فيَضيع كلّ أثر لقضيّته.. مع دمه المسفوك في الصحراء ».(19) ومن هنا نرى أن مذهب أهل البيت قد أعطى للمرأة مكانتها الطبيعية ومنزلتها ككائن إنساني تمثل نصف المجتمع وهي التي تربي الأجيال واعتبارها جزء مهم من المجتمع الإنساني وإعطاءها الحق في العيش بعز وكرامة وإنسانية وإناطتها بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها وعلى ضوء تكوينها البايولوجي في أنها كائن لطيف يستحق كل الاحترام والتقدير وقد جسدته كل هذه الدروس العبر في مدرسة الحسين ونهضته التي تعلم الأجيال جيلاً بعد أخر، وهذا ما نلاحظه واضحاً للعيان وبدون أي لبس أو غموض. وفي الجانب الأخر نجد في المذاهب الأخرى قد بخس حق المرأة وجعل منها من الدرجة الثانية بل وأقل من ذلك وخصوصاً في الوهابية ومن تفرع منها من القاعدة وداعش المجرمين والذين جعل من المرأة سلعة رخيصة تباع في سوق النخاسة وجعلها وسيلة للمتعة والجنس الرخيص لتباع من شخص إلى آخر وما نشاهده ما تفعله داعش من فظائع وأجرام بحق النساء في وقتنا الحاضر لهو اكبر على دليل ما نقول وإصدار فتاوى لا تمت لديننا الحنيف بأي صلة ومنها جهاد النكاح وسبي النساء إلى غير تلك الفتاوى الباطلة شرعاً ومن الأساس وهذا الذي يجري هو منتهى الأجرام والانحطاط وتحقير لمنزلة المرأة وهي تشويه لديننا الإسلامي الحنيف ولهذا نرجع ونقول أن المذهب الشيعي هو أفضل من أعطى للمرأة حقها ومنزلتها لأنه مذهب الرسالة المحمدية والذي يستمد كل فكره ومبادئه من السماء والذي ورثوها أئمتنا المعصومين(ع)من جدهم نبينا الأكرم محمد(ص) والذي هو لا ينطق عن الهوى أن إلا وحي يوحى ومن رب العزة والجلال. وفي الأخير لقد قمنا بتحليل لماذا خرج الأمام الحسين(ع)مع نسائه وعياله وقد حللناها على ضوء العقل والمنطق وبالحجة والبرهان والدليل المادي لنقول لكل كاتب قصير النظرة أو لديه ضبابية حول هذا الموضوع سواء عن عمد أم عن غير عمد والتي باعتقادي المتواضع كل هؤلاء الكتاب هم تقف وراء خلفيات وأهواء أموية وعباسية وناصبية لا تكن الحب والمودة لأهل بيت النبوة ونحن نقول هاتوا أدلتكم ومنطقكم لتناقشوا هذا الأمر ونحن مستعدين لذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1، 2 ـ الطبري 6 / 224. وفي رواية البلاذري " ان جميع أهل الكوفة معك ". 3 ـ الإرشاد: 2 / 67. 4 ـ اللهوف على قتلى الطفوف: 27، وأعيان الشيعة: 1 / 592، وبحار الأنوار: 44 / 364. 5 ـ نهضة الحسين (عليه السلام) (لـ هبة الدين الحسيني الشهرستاني). خروج الحسين من مكة، ص93. 6ـ الإرشاد: 2 / 68. 7 ـ الحُسَين (ع) أبو الشّهداء. عبّاس محمود العقّاد. منشورات الشّريف الرّضي. الطبعة الثانية ص 120،121 8 ـ اللهوف على قتلى الطفوف: 27 9 ـ نفس المصدر: 190. 10 ـ مأخوذة من محاضرات لسماحة الشيخين جعفر البراهيمي وعبد الرضا معاش ومن المنبر الحسيني. 11 ـ (تاريخ الطبري 6/242). 12 ـ كانت قد كتبت في كتابها المعروف باسم (صور بغدادية)، وقد يسمى كتابها (مخططات بغداد)، للكاتبة الإنكليزية/ فريا ستارك.. فصلاً صغيراً عن عاشوراء صفحة (145- 150) طبعة كيلد يوكس1947م. 13 ـ مرتضى مطهري، الملحمة الحسينية، ح1، ص 209. 14 ـ مقتل الإمام الحسين عليه السلام للمقرم: ص290؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص592، نقلا عن الدمعة الساكبة: ج4، ص346؛ جلاء العيون للمجلسي: ص576؛ ناسخ التواريخ: ص290. 15 ـ زينب الكبرى: 94. السيدة زينب (عليها السّلام) رائدة الجهاد في الإسلام عرضٌ وتحليلٌ. تأليف: باقر شريف القَرَشي. 16 ـ الشيخ عبد الوهاب الكاشي، مأساة الحسين بين السائل والمجيب، ص 80. 17 ـ بحث للباحث كفاح حداد على موقع العتبة الحسينية المقدسة بعنوان (لماذا حمل الإمام الحسين عليه السلام نساءه وعياله إلى كربلاء؟). وبتصرف. 18 ـ السيدة زينب (عليها السّلام) رائدة الجهاد في الإسلام عرضٌ وتحليلٌ. تأليف: باقر شريف القَرَشي ص222. 19 ـ كتابه « نظرية الإمامة » للدكتور أحمد محمد صبحي ص ٣٤٣.
أقرأ ايضاً
- حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!