- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإخلاص الحسيني للفرد والمؤسسة مؤشر على التنمية الاجتماعية
حجم النص
الاعلامي: حسين النعمة حين نمرُّ على مسيرة اربعين الإباء وسط الجموع والحشود الهائلة الزاحفة صوب كربلاء المقدسة طيلة أسبوعيين نشاهد ان التكافل الاجتماعي المدني الذي يقوم به شيعة العراق لإحياء الشعائر الحسينية في هذه الزيارة المباركة يتعدى حاجز الـ 50 مليون وجبة غذائية يوميا توزع مجانا لإطعام الزائرين على حب الحسين (عليه السلام) في كافة الطرقات السالكة باتجاه كربلاء، ويضاف لها الخدمات الطبية والخدمية التي تعكس هي الأخرى حالة من الوئام والرقي الاجتماعي، علاوة على أن أثر عديد الفئات العمرية والمجتمعية بما تفرزه من رفض للطبقية والتعالي الى إرساء حالة المساواة التي تهدف لها المجتمعات النامية يسهم هو الآخر في تشكيل تجليات صورية لمجتمع موحد متوافق جميعه يتجه الى سبيل واحد. من هنا يتجسد دور الخدمة الحسينية في صناعة التكافل الاجتماعي جلياً وبدأ ذلك واضحا في التمهيد له من عاشوراء فنرى بذل الطعام وسقاية الماء وتقديم كل ما يحتاجه الزائرون من الظروف التي تساعد على تفعيل مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين وإرساء حالة المحبة والمواساة والتكاتف بين أبناء المجتمع. الجميع يسهم ولكن ثمة ما يميز البعض ليس في شكل الخدمة؛ بل في مَن يساهم بتقديمها من حيث السلوك عقلانيا ووجدانيا وحركيا لإدراك الهدف الحافظ لكرامة الإنسان وذاته ناهيك عن تنمية قدراته ومهاراته وصقلها من خلال الممارسة. فيما تبرز أهمية الأهداف السلوكية في المساعدة على التخطيط بشكل سليم فتساعد على وضع الأهداف العامة في الحياة والتي بدونها قد تصبح الحياة ارتجالية غير منظمة. أما مجالات الأهداف السلوكية في هكذا تظاهرة مليونية تجدُ المجال العقلاني (المعرفي) أنه يهتم بالأهداف التي تتناول الجوانب الفكرية أي الأهداف التي تتعلق بالنشاط العقلي والذهني (المعرفة والفهم ومهارات التفكير والقدرات العقلية)، فتجد ممارسات خلال الزيارة المباركة تميز بعض المؤمنين في الارشاد وتقديم النصح وتفضلهم في تنمية الوعي بأبعاد الزيارة الاربعينية والسعي لأتساع سعة الادراك في نشر المفاهيم الدينية والعقائدية ومحاولة التهيئة الذهنية والعقلية لنصرة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). في حين أن المجال الوجداني (الانفعالي) يهتم بالأهداف التي تعبر عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات والاتجاهات والميول والقيم فتجد في كل قناة تمر بها طرقا وأساليب عدة تصب في اتجاه واحد هو الخدمة الحسينية حيث تلمس التفاعل المجتمعي إزاء القضية التي خرجوا من أجلها لم يشهد له نضير وفي تطور سنوي. فيما نجد أن المجال الحركي (المهاري) يهتم بالأهداف التي تركز على المهارات الحركية والمهنية، فهو يتضمن الكتابة والرسم كالمعارض الفنية المنتشرة في كربلاء والتحدث والمهارات العملية والتربية البدنية كالترحيب وحفاوة الاستقبال في المواكب التي فاقت فنون الاتكيت فضلا عن الدور البارز الذي لعبه الاعلام البديل في مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت. وحين نأتي لمفهوم التنمية الاجتماعية كما طرحها المفكرون الاشتراكيون، نجد أن التنمية الاجتماعية عملية تغيير اجتماعي موجه، يرون بان هذا التغيير لا يتم إلا عن طريق الثورة التي تقضي على البناء الاجتماعي القديم ليحل محله مجتمعا جديدا تنبثق عنه علاقات وقيم جديدة. في حين يركز الرأسماليون على الفرد بدلا من المجتمع باعتبار كل فرد له حرية شبه مطلقة في تكييف نشاطاته الاقتصادية كافة، وليس للدولة إلا الإشراف بقدر قليل لحماية بعض الأفراد والمؤسسات من المنافسة بطريقة غير مشروعة، فالفرد هو الذي يخطط لمشروعاته وهو الذي يكسب الأرباح ويتحمل الخسارة ولذلك نجد وضوحا في التباين الطبقي في المجتمع الرأسمالي. وبناء على ذلك فان الفكر الرأسمالي لا يؤمن بالثورة طريقا للتنمية، بل أن النمو التدريجي المستمر هو الطريق الأمثل عندهم، ويعرفون التنمية الاجتماعية بأنها إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان عن طريق إصدار التشريعات ووضع البرامج الاجتماعية التي تنفذها الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية. وبعيدا عن التركيب السكاني للمجتمع والبناء الاجتماعي والطبقي اللذين يطرحونهما نتوقف عند النظم الاجتماعية وأنماط العلاقات والقيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها فضلا عن أنها تتناول مختلف المشكلات المتصلة بالتغير الاجتماعي مثل: (الفوارق بين الأغنياء والفقراء والإصلاح الزراعي والمشكلات العمالية ومشكلات الهجرة ومشكلات التغير السريع). تجد ان فترة أسبوعيين في الزيارة الاربعينية تفند ما تفترضه التنمية الاجتماعية لدى الاشتراكيين والرأسماليين فالجميع يعمل في خدمة مقدس اجتمعوا تحت مظلته دون تملل أو جزع، والشواهد حاظرة مجتمعيا بعدد لا حصر له يشير الى تواجد الفقير والغني على مائدة واحدة ومكان واحد ووقت واحد يجمعهما هدف واحد وهو ما غاب عن تنمية الرأسماليين والاشتراكيين الاجتماعية. في حين تصور لكَ التنمية الاجتماعية الملاحظة في هذه التظاهرة المليونية الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية اللازمة لنمو المجتمع وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن لتحقيق اكبر قدر من حرية ورفاهية الفرد. والمتتبع الى تعريف التنمية الاجتماعية يجد أنها عملية إرادية مخططة هادفة وبناءة تطمح إلى تفعيل الطاقات والإمكانات والموارد المادية والبشرية واستنفار جهود الدولة وقطاعها العام والجماهير وقطاعها الخاص من اجل إحداث تغييرات في المجالات الاجتماعية كالنظم، والمواقف، والقيم والمعتقدات دون إهمال الحاجات الأساسية والخدمات والمستوى المعاشي أي العمل على توفير كل ما من شانه خدمة الإنسان ورفاهيته ورفع مستواه المادي والروحي حاضرا ومستقبلا وهو ما تترجمه حركة أفراد المجتمع والمؤسسات كافة في الزيارة الاربعينية.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد