- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما لم يذكره أوباما عن "داعش"!
حجم النص
بقلم: عباس البغدادي يمارس أوباما (إجتثاث الحقائق) بشهية واضحة لدى تناوله ملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها اليوم ملف "داعش"، الذي يبدو انه المادة السلسلة والمفضلة في خطابات وتصريحات الرئيس! والملفت انه كان يتضايق من بعض الاجتثاثات في السابق؛ كـ"إجتثاث البعث" حسبما نتذكر له، ولم يتوانَ حينها بتوجيه نيرانه الصديقة ضد الحكومة العراقية (المالكية) الصديقة، كنوع من الابتزاز الممجوج! بيد انه يمكن تلمّس ازدواجية المعايير حتى في موضوع الإجتثاث، بفارق وحيد؛ ان أوباما يبتز شعوب الأرض قاطبة هذه المرة، اذ يتناول (كل الحقائق) عن داعش وتوائمها من التنظيمات الارهابية، لكنه (يجتث) في تصريحاته أهم تلك الحقائق بـ(حسن نية) طبعاً، أو على عهدة (سقط سهواً)، متناسياً ان تلك الحقائق المجتثة هي أهم بكثير من معلومة الملثم الذباح الداعشي، هل هو بريطاني من لندن أم من ليفربول؟! بات الخطاب الأوبامي ظاهرة يتندر بها الاميركيون قبل غيرهم في الفترة الأخيرة، اذ يصفون رئيسهم بـ"رئيس الأقوال" لإدمانه الحديث والتصريح والخطابة بلا فرامل، ودونما تكريس عملي للوعود والبرامج الوردية، وبالطبع، من (كثُر كلامه كثُر خطأه) كما جاء في الحكمة، ولكن هذه الحكمة ممنوع دخولها الى البيت الأبيض، اذ قوالب تضليل الرأي العام يتوارثها كل رئيس جديد عن سلفه، بفارق التفاوت في لباقة التحدث وفنون الخطابة، مع مهارات الإقناع، والتي تفوّق بها السيد أوباما -وهذه حقيقة- على من سبقوه أمثال الأرعن بوش الابن، والكابوي ريغان. وتلك القوالب توظف على مستويين؛ لتضليل الرأي العام الداخلي، كوصفة للاستهلاك المحلي، وأخرى لتضليل الرأي العام الدولي، فتقع بين المهمتين الكثير من المفارقات؛ بل والتناقضات، بل وازدواجية المعايير الفاضحة! تحدث أوباما كثيراً عن (خطر) داعش، وخطر الارهاب الذي يعصف بالمنطقة، وعن (وحشية) الارهابيين، وقطعهم للرؤوس، وخصوصاً رأسين غاليين على أوباما، هما للصحفييْن فولي و سوتلوف. وأسهب في الحديث عن الخطط والاستراتيجيات والجهود الدولية وتقييم الأوضاع! كما تحدث كثيراً عن "تهميش السنّة وإقصائهم" في العملية السياسية العراقية! متهماً حكومة الأغلبية الشيعية بممارسة هذا "الإقصاء"، وانه كان سبباً في استفحال دور داعش في العراق والمنطقة (كذا..)! وتحدث "رئيس الأقوال" عن الحكومة العراقية (المالكية) وكيف انه لم يكن في الإمكان (الوثوق) بها كشريك! وأفاض أوباما واستفاض في كل شاردة وواردة يهمس بها له مستشاروه أو تمدّه بها الـ CIA! وتحدث كثيراً عن (الأخطار المهولة والمفزعة والمدمرة) التي تهدد أميركا إثر تمدد داعش وتوائمها في العراق، حتى انه ذكر بأن الرعايا الأميركيين في سفارة أميركا ببغداد مهددون بالغرق والفناء اذا ما دمرت داعش سد الموصل الذي يبعد 465 كم عن أسوار السفارة (لاحظ انهم لا يعرفون السباحة، وان الأساطيل الأميركية في الخليج ستكون نائمة حينها فلا تتحرك لإنقاذهم، وان سرعة المياه الهادرة ستقطع المسافة من سد الموصل الى السفارة في دقائق)! ما (سقط سهواً) من أحاديث وتصريحات أوباما حقائق كثيرة جداً (لا نقول انه تناساها عامداً متعمداً، خشية أن نُتهم بدعم الارهاب)، ونذكر بعض ما تسعفنا به الذاكرة هنا، علها تصل الى الرئيس فيكون لنا من الشاكرين! ومن هذه الحقائق: - ما لم يذكره أوباما حول الدور القطري المفضوح في نشأة ودعم التنظيمات الارهابية التكفيرية، وإغداق إمارة قطر مليارات الدولارات على هذه المهام، واستثمار قنواتها الدبلوماسية في التنسيق مع دول داعمة أخرى كتركيا والأردن وإسرائيل، وتسخير فيلقها الإعلامي "الجزيرة" لتبييض صفحة الارهاب وتنيمقه كـ(جهاد مقدس) في مقابل النيل من كل مناوئي الارهاب التكفيري، اضافة الى احتضان رموز الفتنة والطائفية والارهاب كالشيخ القرضاوي ومن على شاكلته، وكل ما سلف تقرّه التقارير الدولية وجزء كبير من التسريبات الإعلامية الأميركية ذاتها! - ما لم يذكره أوباما عن الدور السعودي المؤسس والحاضن والداعم للجماعات والتنظيمات الارهابية التكفيرية، التي تغترف من صديد الفكر السلفي الوهابي، وتشيع الكراهية وتمارس الشحن الطائفي ضد الشيعة، وتكفّر باقي المسلمين ممن لا يتعبدون بالوهابية، ويمجّد مشايخها عبر المنابر والحواضن المزروعة في الجزيرة العربية بالمسلخ البشري لداعش والقاعدة وتوائمهما، ويبذخون على فضائيات الفتنة والكراهية والارهاب التي تحميها الحكومة السعودية بذريعة (الديموقراطية وحرية الرأي) حينما يتعلق الأمر بإبادة الشيعة والمناوئين! وليس بلا مناسبة ان نُذكّر هنا السيد أوباما بالأوامر الأميركية للإتحاد الأوربي بإيقاف بث قناة "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني على قمر "هوتبيرد" قبل سنوات، بحجة انها تدعو الى (العنف)، أما الفضائيات الوهابية التي تدعو الى قطع الرقاب وتبارك تفجير الانتحاريين أنفسهم بالأبرياء من النساء والأطفال، وتتلذذ بمشاهد اللعب برؤوس الضحايا ككرة القدم، وتضخ يوميا فتاوى إبادة الشيعة وغيرهم جهاراً، وتتفق تماماً مع فكر داعش، ومسلخ داعش، ومع ذلك لا تُغلق قنواتها ولا تمس بكلمة سوء! - ما لم يذكره أوباما عن تدريب التنظيمات التكفيرية (ومنها داعش والنصرة) في الأردن، كما ورد في التقرير الخطير لوكالة (وورلد نيت دايلي) الأمريكية حينما نقلت تسريبات عن مسؤولين أردنيين مؤخراً بأن "أعضاء داعش سبق لهم أن تلقوا تدريبات عام 2012 من قبل مدربين أميركيين يعملون في قاعدة سرية في بلدة الصفاوي بالأردن"! - ما لم يتطرق له أوباما حول الدور التركي والتسهيلات التي تقدمها تركيا الى داعش وباقي التنظيمات الارهابية، وتسهيل عبور الارهابيين من كل أقطار العالم عبر الحدود السورية المستباحة، اذ يدخلون ويخرجون بكل سلاسة كأنهم أفواج سياحية مؤمّنة من الاستخبارات التركية، ولم يخبرنا أوباما عن مئات عربات الدفع الرباعي -بمواصفات خاصة- التي تتباهى بها (دولة الخلافة) الداعشية، والتي بطراز واحد توحي انها مستوردة بصفقة كاملة، وبلون واحد، ناهيك عن الأعتدة والتموين، ونقل مصابي داعش الى المشافي التركية. ولم يذكر أوباما شيئاً عن رصد الأقمار الاميركية -المتطورة جدا- لهذه التحركات الحثيثة على الحدود، بالتزامن مع تحركات داعش (ومقاتليها الذين يفوقون الـ 30 ألف مقاتل حسب الرواية الأميركية) على مساحة تسيطر عليها، تقدّر بمساحة بريطانيا أو تزيد! - ومن الحقائق ما لم يكشفه أوباما حول تهريب النفط الذي تستخرجه داعش من المناطق التي تحت سيطرتها، والذي يدرّ عليها أكثر من 3 ملايين دولار يومياً، وتهرّبه عبر وسطاء من المخابرات التركية وقيادات في "الجيش الحر". - لم يذكر "رئيس الأقوال" شيئاً عن التهرب الأميركي من تفعيل المعاهدة الأمنية المبرمة مع العراق عام 2008، والتي كانت ينبغي أن تتكرس الى أفعال على أرض الواقع منذ بواكير نكبة الموصل. ولماذا يتم تجاهل تسليم صفقات الأسلحة التي اشتراها العراق وسدّد أثمانها لأميركا، بما فيها طائرات مقاتلة؟! - وأخيرا ما لا يجرأ الرئيس الأميركي على ذكره، خشيته هو وإدارته من تحقيق انتصار عراقي خالص على الارهاب التكفيري، بإرادة عراقية صرفة، وتحديداً إرادة تقتدي وتسترشد بفتاوى وتوجيهات المرجعية العليا، التي أنقذت العراق من كارثة حقيقية، بينما كانت أميركا تكتفي حينها في التفرج وتوجيه الاتهامات للحكومة العراقية بـ(الطائفية)! وفي أجواء (الاحتفاء) بالتحالف الدولي الأربعيني الذي يتزعمه "رئيس الأقوال" وإدارته، لنا أن نتساءل؛ من يضمن عدم تكرار السيناريو الأفغاني هذه المرة أيضاً، ولاشق المتعلق بالتسوية التي تبنتها أميركا منذ مدة مع طالبان (وطبعاً في ظلها القاعدة) وبوساطة ورعاية قطرية (قطر والإرهابيين مجددا)، كل ذلك بعد سنوات عجاف طوال من السيناريوهات الأميركية، وتحالفاتها الدولية في "محاربة الإرهاب" والقضاء عليه، حتى الرئيس الأفغاني كرزاي والمعلّب أميركياً، قال لأميركا "عيب"! نعم، وألف عيب يا كرزاي..