حجم النص
بقلم:نزار حيدر على وزن (حاميها حراميها) كيف؟. اولا: ان النظام السياسي الديمقراطي في العراق الجديد هو نظام برلماني، يعني ان مجلس النواب هو المحور في الدولة العراقية لا تعلو على سلطته شيء ابدا. ثانيا: والنائب في البرلمان هو المسؤول الوحيد في الدولة العراقية الذي يحجز مقعده في موقع المسؤولية بتفويض مباشر من الناخب، المواطن، عبر صندوق الاقتراع في الانتخابات النيابية العامة. ثالثا: والنواب مسؤولون عن اختيار بقية المسؤولين في الدولة بدءا من رئيس الجمهورية وانتهاءا بكل الدرجات الخاصة مرورا برئيس مجلس الوزراء وكل وزرائه. رابعا: كما انهم مسؤولون عن تشريع القوانين في البلاد والرقابة والمحاسبة على التنفيذ. هذا يعني ان مجلس النواب في الدولة العراقية كالصلاة بالنسبة الى سائر العبادات، ان قُبلت قُبل ما سواها وان ردّت رُدّ ما سواها، فاذا نجح البرلمانيون في مهامهم وتمكّنوا من اداء واجباتهم على افضل وأحسن وجه، هذا يعني اننا سنتوقع نجاحا وإنجازا من بقية مؤسسات الدولة بما فيها الحكومة ورئاسة الجمهورية ومختلف الهيئات المستقلة التي نص الدستور على انها مسؤولة امام البرلمان حصرا، وكذلك المؤسسة الأمنية بمختلف أجهزتها، والعكس هو الصحيح، فاذا فشل النواب فشلت الدولة، فهم قطب الرحى. وانا أتابع امس آخر جلسة للبرلمان قفز في ذهني جوابين على سؤالين طالما أرّقاني وشغلا ذهني: الاول يقول: لماذا فشل العراق لحد الان على الرغم من مرور اكثر من عقد من الزمن على عملية التغيير؟. الثاني يقول: لماذا انتشرت ظاهرة الانفلات الوظيفي في طول البلاد وعرضها؟ فلم يعد احدٌ يحترم وقت الدوام الرسمي ناهيك عن وقت العمل بشكل عام؟ سواء في المؤسسات المدنية او في المؤسسات العسكرية والأمنية؟. بالأمس عرفت الجواب بشكل جيد جدا ممتاز، فاذا كان النواب لا يحترمون الوقت فلا يحضرون جلسات البرلمان فكيف نطلب من الآخرين ذلك؟ وهل يحق لهم ان يحاسبوا احدا على ظاهرة الغياب الوظيفي؟ وهل يجرؤوا على استصدار التشريعات الخاصة لمواجهة مثل هذه الظاهرة الخطيرة في الدولة؟. ان النائب الذي يصرف الملايين لانتزاع صوت الناخب من صندوق الاقتراع، مهمته الدوام في المجلس وحضور جلسات البرلمان للتشريع والرقابة والمحاسبة، فهو لا شُغلَ له غير الحضور تحت قبة البرلمان، كما ان شغل المعلم الدوام في المدرسة وشرطي المرور في الشارع والمهندس المقيم في مشروع العمل والفلاح في ارضه، وهكذا، فبماذا يمكن ان ننعت النائب اذا قصّر في الحضور وغاب عن الجلسات؟ الا يحق للناخب ان يسمّيه لصاً يسرق الوقت الذي يتقاضى عنه مرتّباً شهرياً مُكلفاً؟ المْ يمنحهُ المواطن ثقته فيفوّضهُ ليحجز مقعداً تحت قبة البرلمان ليحضر هناك ويؤدي واجبه ازاء المواطن؟ الا يعني غيابه عن جلسات البرلمان انه يخون ثقة الناخب ويسرق من حقوقه ومن وقته؟. ان النائب الّلص والخائن هل يمكنه ان يحاسب الآخرين على التقصير او على التسيّب الوظيفي؟ وهل سيجرؤ على التصدي لمهامه الدستورية في الرقابة والمتابعة والمساءلة والمحاسبة والإقالة اذا كان هو، قبل غيره، بحاجة الى من يراقبه ويحاسبه؟. لا اريد ان أتحدث عن غيابات النواب في المجلسين السابقين، ولكنني أتساءل عن غياب النواب في هذه الدورة على اعتبار اننا نتوقع منهم انهم سيأخذون التجربة السابقة بعين الاعتبار فيتعلّمون من زملائهم أسباب الفشل وعوامل النجاح، خاصة وان البلاد تمر بظروف أمنيّة خطيرة تستدعي منهم مواصلة الليل بالنهار في جلسات برلمانية مستمرّة لا تنقطع على الأقل لحين اجتياز المرحلة الحالية، اذا بنا لم نر لحد هذه اللحظة ولا جلسة برلمانية واحدة يحضرها كل النواب (٣٢٨) فهل سنأمل من البرلمان خيراً وهو يسرق وقت المواطن ويخون الثقة والتفويض؟ واذا كان هذا حال النواب فماذا سيكون حال المسؤولين والموظفين الآخرين؟. انّها بداية مُؤسفة ومُحزنة ومُخجلة وبائسة للدورة النيابية الثالثة، لا تُبشّرُ بخير ابداً، نتمنّى على النّواب تداركها حالا قبل ان يمرّ الوقت فتضيع الفرصة. وصدق ذاك المواطن الشريف الذي وجه خطابه الى النواب بقوله: استحلفكم بغيرتكم اذا كنتم تمتلكون شيئا منها، وبحبّكم للوطن اذا كان عندكم شيء منه، وبدماء الشهداء اذا كنتم تستشعرون مسؤوليتها، واخيرا استحلفكم بالله اذا كنتم تؤمنون به، والا: فبماذا استحلفكم اذن؟. E-mail: nhaidar@hotmail. com