- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في ذكرى رحيل الوالد محمد رضا الشبيبي
حجم النص
بقلم:أسماء محمد رضا الشبيبي فجر الجمعة المصادف 26 تشرين الثاني 1965، فاضت روحك الطاهرة لتسكن في رحاب لله فالسلام عليك وعلى روحك الفاتحة من اولادك واحفادك وكذلك ابناء عراقك الحبيب اليك والذين أجبر البعض منهم على التغرب بسبب قساوة وضعف وطنية من تبوأ مقاليد الحكم. الكل يا أبتي يشكو حال اليوم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فقد كنت وجمع من المثقفين دائما تدعو الى الإصلاح العام كما ع برتَ عنه في بحوثك وقوافيك، منها ما نُشر والباقي في طريقه الى النشر إن وُفقنا بإذن لله. الإصلاح العام كان يراودك منذ أن بدأ شغفك بالادب والسياسة وانت ابن الخامسة عشرة، ولي أن استشهد بأبيات من قصيدتك "نحن في واد" التي تحكي واقع الأزمات الحالية في عام 1934 وملائِمة جد اً لهذا الزمان: صُ دورٌ من الآلام واجِ فةٌ تغلي على أننا من حاضرِ ال لهًوِ في شُ غْ لِ نتحرًى الجِدً فيما نقٍوله وما نتمناه ونَحْنُ إلى الهَزْلِ ؟ أتَرتَفعُ الاقوام عنا مكانةً و نحن نُديرُ الطَرْفَ في عالمٍَ سُفلي ؟ وللناسِ غاياتٌ كبار ترومُها وليس لنا منها سوى الشُ رْبِ والأكلِ على العدلِ فل تبنَ الممالكُ إنْ بَ نتْ وإلا فما معنى البناء على الرمْلِ ؟ ولم تُغْ فلِْ كتاباتك، وكذلك كتب تأريخ العراق الحديث عما قمت به من مناداة متحدية للاستعمار البريطاني وانتدابه على العراق إذ شدًدتَ على انشاء حكومة عراقية مستقلة،كما دوًنَت كتب التاريخ رحلاتك عندما كلفًكَ المثقفون الوطنيون وكبار المرجعيات الدينية والعشائرية لنقل مطالب العراقيين في الحرية والإستقلال وفي إقامة دولة عراقية مُستقلة. وكنت تسافر مرة على ظهور الجِمال واخرى على متن الجياد 2 ، واغلبها كانت رِحلات شاقة للغاية، ما بين سهول وجبالٍ وصحاري " من دون حمايات شخصية مكلفة للغاية لأموال الشعب كالتي نراها اليوم ". كان زادك في تلك الرحلات بعضا من صنوف الفاكهة المجفًفة كل ذلك واضِعا نصب عينيك كرامة العراق وإستقلاله اولا.ً ولم يخلو الذكر ايضا عن جِهادِكَ ضد الإحتلال الانجليزي اثناء وبعد الحرب الكونية الأولى. لقد وُفِقْتَ يا أبتي في مهماتِكَ جميعا ولكن بعد صراع عنيف مع سلطات الإحتلال الانجليزي. ولعله مهما أن نُسَجٍلَ ها هنا موقفك الرائع من الإستفتاء حول مستقبل العراق عام 1919 حيث خاطبت الحاكم العام البريطاني وكالة ويلسون بقولك الحاسم: "إن الشعب العراقي يرتأي أن الموصل جزء لا يتجزأ من العراق، u1608 وأن العراقيين يرون من حقهم أن F. تتألف حكومة وطنية مستقلة إستقلالا تاما، وليس فينا من يفكر في إختيار حاكم أجنبي" 0 i وأقولها للتاريخ، لقد اكتسبنا منك تواضع ا وًنظافة يَدْ ومعروف عَنْك يا أبتي أنكَ كنت ثابت الرأي صادقا في كل شيء وقد خدمت العراق قولا وفِعلا فقد كنت سياسيا شريفا ووطنيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وكان مجلسك كل جُمعة متنوعا بمواضيعه اشبه بجامعة أدبية إنسانية تعالج شؤون الفكر والادب والسياسة واشبه ايضا بحزب وطني مستقل وجامع لا يعرف معنى للتطرف او التعصب. ومن المناسب هنا الاقتطاف من قصيدتك "رجال الغد" المنشورة في 1920 والتي اعتبرها بمثابة وصية لا لذويك فحسب وانما للشعب العراقي وشبابه المخلص الذي يعيش هذه الايام جوا مُضطرِبا في كل النواحي سياسيا واجتماعيا ودينيا، وهذه الأبيات كما يلي: وعد لله بِكم اوطانكم وقد حان نجازُ الموعدِ انتم جيل جديد خلقِوا لعُ صورِ مُقبِلاتٍ جُدُدِ خهادة لا تفس وا الوح كوٍن د رأي والمعتقات النزَع لتعش افكاركم مُبْدِعةً دأبها إيجاد ما لم تَجِدِ ما أبْدعَ هذه الأبيات بما تحمله من معنى مُكَرٍسٍ لوحدة العراق الوطنية ويا ليت أن يتبناها حكًامَ اليوم، وتعتمدها مؤسسات التعليمِ ايضا، كما كانت معتمدة لعقود طوال مكرٍسة مفاهيم الوطن ووحدته لدى الناشئة. 3 وما يسعني اليوم إلا أن أشكو إليكَ حال المستضعفين، وكذلك حال الوطنيين والمثقًفين والكفاءات التي خَدِمتْ العراق بإخلاص ولكنها لا تُكَرًم من حكومات العراق وانما في بلاد أخرى وفي منظمات دولية ايض ا.ً وتجدر الإشارة الى أن الجميع ينتظر العدالة في قضية البنك المركزي التي طالت الشرفاء، ومنهم ولدك سنان وزملائه، وأن يطلعنا القضاء على الحقائق فإن الإصرار على بقاء القضية سِرً اً دليل على عدم شرعية الإجراء التعسفي الذي إتُخذَ بحق محافظه الحريص على أموال شعب العراق الدكتور سنان الشبيبي وزملائه. ومن المُلائِمِ هنا الاستشهاد ببعض أبيات قصيدة الوالد "أبي أسعد" المعنونة " العِلْمُ والمال "ْ كانت موجًهة للشباب المنغمس في الترف أمً ا اليوم فتوجًه للمسؤولين المنغمسين في النِعَمْ وغالبية الشعب تعاني الضيق بل تغرق فيه: العِلْمُ والجهلُ إثراءٌ وإقلال وأمتعَ الثروتينِ العِلمُ لا المالُ ما لي أرى الناس بالأعراضِ قد فتٌنوا والافتِتان بحب الشيء قَتًالُ إذا رأوا داعيا للمُفْتَخَرِ إنقلبوا وإنْ رأوا داعيا للثروة إنهالوا أبتي، لك منا جميعا الرحمة والإجْلال لما قدًمْتَه للعراق وشعبه في ذكرى رحيلك هذه والتي تصادف أيضا ذكرى إختطاف ولدك الأكبرْ المهندس النزيه أسعد من قِبَلِ جلاوزة نظام الحِقد بقيادة المجرم صدًام وكذلك ذكرى مرور سنة ونَيفٍْ على مهزلة استهداف ولدك الاصغر الدكتور سنان وزملائه في البنك المركزي. لقد كنت يا أبتي من الزاهدين رؤوفا رحيم ا نًبيلا في تحمل المسؤولية فنوًرْتَ طريق الإستقامة في الحياة والذي مارساه أحباءَ قلبك أسعد وسنان اثناء تأديتهما لواجبيهما. ما كان أحد يتصور يوما أن دولة او حكومة ما تَغْدُرَ بكفاءاتها إمًا خطفا او قتلا في زمن صدام او تهجيرا بالقسْرِ فأين هو القضاء المسؤول عن حماية حقوق الناس وأين هي الجرأة في العدالة وهي من شِيَمِ الشرفاء ؟ وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتذكر براعتك في رواية الأحاديث في الأماسي التي كنا نقضيها في دارك التي F أمر بهدمها صدام عام 1980 والهدم كان تمهيدا لخطف أسعد رحمة لله عليه في ذكرى وفات 1 ك ii. وأذكر أيضا الأماسي التي كنا نقضيها معك في الحديقة الأمامية لدارك المطلة على شاطيء دجلة الخير والتي أمر صدام بجرفها بعد رحيلك وكنت انا شاهدة على آثار الهدم. 4 وعقب وفاتك أبًنَكَ مَجْمَع اللغة العربية المنعقد في بغداد ومقره القاهرة بسبب عضويتك المتميٍزة كما أب نكَ العديد من أدباء العراق. وقد ختم حفل التأبين نجلك المرحوم أسعد بقصيدة عنوانها "دموعٌ ودماء" إ قتطفتُ منها الأبيات التالية: اتيت وما عندي هوى ونزوع وإنْ جُنً شوقٌ وإستشاط ولوعُ وما أنا آتٍ غير أهلي وموطني وإنْ شِيًعتني لوعة ودموعُ ولا تحسبوا أني أقولُ قصيدة ولكنها دمع همٍي ونجيعُ أرى أبتي في من أراه كأنني بمجلسه والوافدون جُ موعُ أتيتكم والذكريات موائلُ وبعض الذي مَسً الفؤاد وجيعُ فما أنا بالشادي لغيرِ موطني وما كان مِ نيٍ للطغاةِ وقوعُ أنا إبن ذاكَ الشبيبي، نومه حياة، وعيشُ التافهين هُجوعُ فلا الترٍب تُخفيه وليس يضيره دعيٌ تحاشى ذِكرَه ورقيع سلالة أمجادٍ تسابق إن يَمُتْ قريعٌ سيأتي كالشِهابِ قَريعُ 5 سيبقى الدمُ المهدورُ ينعشُ روضةً ويسمو بهامِ الخالدين تليعُ بهذه الأبيات المتحدية لنظام العسكر، كان الشهيد أسعد يؤ ب نكَ متنبئ ا بًإستشهاده هو بعد سنوات من رحيلك . وكانت أبياته أعلاه ت قرٍعُ المتواطئين مع الظلم الذي ناهضته وابنك الشهيد وقد عَ مِ لتما لأجل الوطن والشعب ووحدته، تلك الوحدة التي يحاول البعض تمزيقها بتأجيج الطائفية والعرقية كما بالمال الحَ رامْ. i راجع علي عبد شناوة – الشبيبي في شبابه السياسي: محمد رضا الشبيبي ودوره الفكري والسياسي حتى العام 1932 – دار كوفان للنشر 1995 ص 123 ii. ولا بد هناك من يعلم بخفايا إختطاف الشهيد أسعد، وكذلك من شهد حال أخينا وهو في سجون الطاغية وشناعة تعذيبه، فليطلعنا وله الشكر
أقرأ ايضاً
- جريمة عقوق الوالدين "قول كريم بسيف التجريم"
- حكومتنا وذكرى الامام علي عليه السلام
- محمد الضيف سان الانفاق عرى النفاق