حجم النص
بثلم :هاني العقاد
ياسر عرفات هذا الاسم الذي أربك الكيان الصهيوني بقادته ومفكريه الاستراتيجيين ومؤسساته العسكرية والأمنية لأكثر من أربعة عقود من الزمان، هذا الاسم الذي دخل كل بيت في إسرائيل وظهر صاحبه على التلفاز ليتحدث ببعض الكلمات التي قد تبث الرعب والخوف في قلوب الإسرائيليين أو بنظرات تحد كبير تخيف تلك الأسر التي تبعث أبناءها إلى الجيش الاحتلالي، ياسر عرفات ظاهرة قيادية فلسطينية وعربية لن تتكرر بالطبع ولن يأتي عرفات بنفس المواصفات الثورية مرة أخرى، فهو الرجل الذي كان يجيد السير على الحافة، ويجيد فن الحرب والسياسة في آن واحد ويتمتع بقدرة عالية على العمل وقت الأزمات وهذه المواصفات لم نعهدها في أي قائد أو زعيم فلسطيني حتى كتابة هذا المقال واكاد اجزم ان التاريخ لن يأتي بمثل هذا الرجل على الإطلاق.
ياسر عرفات عاش محاصرا ثلاث سنوات وشعبه طليقا وليس العكس وقضى شهيدا بخلاف كل الشهداء فلم تستطيع إسرائيل أن تقترب من عرفات وهو محاصر أكثر من وقوف الدبابات على بعد خمسة أمتار أو اقل من غرفته بالمقاطعة في رام الله والتي كان يقيم فيها مع عدد قليل من الحرس الرئاسي ومستشاره الخاص وهو ليس كمثل كل الرؤساء وحتى رؤساء الوزارات في وطننا نحن الفلسطينيون، لا يجلس ولا يمشي وسط مئات الحراس المدججين بالبنادق والقنابل والرشاشات وأجهزة الاتصال التي تعلمهم عن كل حركة حتى لو كانت حركة طائر بالجو يقترب، كان يمسك بندقيته بيد وقلمه باليد الأخرى، يتحدث مع شعبه عبر الفضائيات ويخبرهم انه بخير ويؤكد أن جيش الاحتلال لن يتمكن من إلقاء القبض عليه حيا فهو أما منتصرا أو شهيدا ..شهيدا .. شهيدا، لكن لم يتوقع احد أن يأكل السم جسد القائد أبو عمار في وقت قصير جدا و يعاني كل الآلام والعذابات وهو محاصر و لم يسمح له بالخروج للعلاج إلا بعد أن تأكد القاتل أن السم تمكن من جسد أبو عمار ولا يمكن لأحد معالجته، لم يتوقع احد أن يستشهد أبو عمار بهذه الطريقة، لكن الحقيقة التي يجب أن تعرفها كل الأجيال الثائرة، أن إسرائيل لم تجرؤ على قتل عرفات علنا وكان بإمكانها، ولم تجرؤ على اعتقاله لان الاعتقال والقتل سيقلبان الدنيا على رأس إسرائيل ويكثران من ردات الفعل في فلسطين والشارع العربي ومناطق فلسطيني الداخل، لهذا اختارت إسرائيل ابسط الطرق وأمكرها واحقدها وأسهلها و دست له السم حسب تقديري في بعض الأدوية التي يستخدمها ياسر عرفات والتي كان يتم إدخالها بعد فحص وتمحيص شديدين، وقد تكون بعض الادوية الخاصة التي يتناولها الرئيس تم استبدالها من قبل وحدات الجيش الإسرائيلي بأخرى من صنع مختبرات الجيش الإسرائيلي الخاصة و تم استبدالها بالحقيقية أثناء إخضاع سيارات الإسعاف و الطعام والأدوية للتفتيش الدقيق قبل وصوله لمقر الرئيس أبو عمار والتفتيش بالطبع كان يتم بعيدا عن سائقي السيارات والمسعفين حتى لا يكشفوا أمر العملية و تفشل قبل أسابيع فقط من الذكرى الثامنة لاستشهاد أبو عمار كشفت صحيفة "يدعوت احرنوت" الصهيونية اسم قاتل الشهيد أبو جهاد خليل الوزير رفيق درب أبو عمار ومهندس الانتفاضة الأولى، وقائد العمليات الخاصة في حركة فتح وأسمت الصحيفة بالاسم "ناحوم ليف" قائد المجموعة التابعة لـ"سبيرتهمتكال" الخاضعة لهيئة الأركان الصهيونية العامة الذي أطلق كامل رصاص مدفعه الرشاش على الشهيد أبو جهاد، وكشفت الصحيفة أن الموساد الإسرائيلي كان على الأرض في تونس ليساند قوة الكوماندوالتى قادها "ناحوم ليف" ويزعم أن ناحوم ليف قد قتل في حادث سير حسب زعم الصحيفة في العام 2000 ويزعم ان الصحفي "رونين بيرجمان" قد التقي "ناحوم" واخبره عن العملية و دقائقها وعدد الأفراد الذين نفذوا العملية، وان كانت هذه الحقيقة التي نقلها الصحفي "زونين بيرجمان" فان العملية بحد ذاتها كانت بالفعل لا يمكن أن تتم دون وجود مجموعات دعم وإسناد على الأرض، وبات مع هذا أهم سؤال يتحتم أن نسأله، هل التقى الصحفي "رونين بيرجمان" قاتل ياسر عرفات أيضا؟ وهل تنشر احرنوت أو أي صحيفة إسرائيلية تفاصيل عملية اغتيال ياسر عرفات في القريب العاجل..؟
الإجابة حسب المنطق تقول ليس قبل موت المنفذ الرئيس لعملية التسميم وهذا يعني أن قاتل عرفات مازال حيا يرزق، وقد يكون في عمل هام الآن، وقد يؤدي نشر اسمه لمداخل هامة للتعرف على شركاء آخرين تم تجنيدهم لذات الهدف، لكن إن عاجلا أو أجلا سيعرف الفلسطينيون اسم قاتل ياسر عرفات وصاحب خطة التسميم، وناقل السم إلى أبو عمار والطريقة التي دخل فيها السم جسد الزعيم الراحل أبو عمار، وان كانت إسرائيل تدرك حتى الآن أنها نجحت في قتل ياسر عرفات وإزاحته عن الملعب السياسي الفلسطيني على أمل أن تيسر لها الأمور في تنفيذ سياستها التهويدية الشاملة فنحن نقول أن الأخ الرئيس أبو مازن يسير على نفس النهج السياسي الذي رسمه أبو عمار إلا أن هذا النهج لم يدعم بالمقاومة التي فرضتها الحالة في ذلك الوقت وللأسف ما جني احد من الفلسطينيين ثمارها بالرغم من أنها انتهت باغتيال زعيم يعتبر من آخر الزعماء واقوى الثوار المعاصرين في عالمنا العربي.