- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تربية المواشي في الاحياء السكنية ..ناحية الدواية انموذجا !!
حجم النص
بقلم :لطيف عبد سالم العكيلي
وصلتني مطلع الأسبوع الحالي رسالة من مواطن يقطن ناحية الدواية في محافظة ذي قار يبدي فيها قلقه من تنامي ظاهرة تربية المواشي في مركز مدينته ،اضافة الى استيائه وتذمره من عدم ايلاء السلطات المحلية ممثلة بالمجلس المحلي الاستشاري والقسم البلدي لشكواه التي تقدم بها عند مراجعته اياهم ما تستحقه هذه المسالة من اهتمام .وفي الوقت الذي ارحب فيه بالرسالة ومرسلها الذي لا اعرفه شخصيا ،ادرك ان اتساع مديات ظاهرة تربية المواشي في الاحياء السكنية اصبحت في كثير من مدن البلاد مثيرة للانتباه بعد اهتداء بعض العوائل الى تربية الابقار والاغنام والماعز والدجاج والبط والاوز وغيرها من الحيوانات الاليفة في سطوح المنازل وما اتيح من فضاءاتها التي جرى توظيفها بعشوائية لأغراض معيشية وتجارية لا تليق بمظاهر المدينة العصرية ، فبعد ان كان رعي المواشي مقتصرا على المناطق الريفية ،اضحى منظر المواشي وهي ترعى وتنام في ساحات وشوارع وازقة واماكن جمع قمامة مدننا التواقة للمعاصرة مما مألوف من معالم حياتنا اليومية . ويمكن القول ان وجود المجازر الصحية لم يسهم في تقليص انشطة النحر العشوائي للمواشي التي ماتزال تسود الاسواق والازقة والمنازل والمحلات في العاصمة بغداد والمحافظات على حد سواء ،على الرغم من افتقاره الى أبسط مقتضيات الصحة العامة المتعارف عليها ،ولاسيما ما يتعلق منها باضمحلال اجراءات التخلص من الفضلات والاوساخ التي تستلزمها عمليات تنظيف المواشي المذبوحة ،ما افضى الى تراكم المخلفات والنفايات التي بوسعها الاسهام بشكل فاعل في أنتشار مختلف الامراض بين السكان .ولعل في مقدمة العوامل التي ساعدت على سرعة انتشار هذه الظاهرة هو غياب الرقابة الصحية على محال القصابة مثل غيرها من المهن ،وتعثر المنفذ منها لأسباب معروفة لا يمكن تجاهلها ،اضافة الى انحسار الجهد البلدي الخاص بتفعيل متطلبات النظافة ومتابعة مختلف الفعاليات التي يمكن ان تؤثر سلبا على جمالية المدن ومدنيتها ،فضلا عن غيرها من مهمات الدوائر البلدية التي ينبغي ان يكون لها ولأقسامها حضور فاعل في معاونة اقسام الصحة العامة بمنع ما استجد من ظواهر غير حضارية ؛بسبب الخشية مما تحمله في ثناياها من عناصر بمقدورها التأثير سلبا في كفاءة النظامين الصحي والبيئي اللذين يعتمد عليهما مسار الصحة العامة في البلاد بسبب ما تحمله هذه الممارسات من امكانية تلويث للبيئة والأضرار بها والمساهمة في انتشار الأمراض من خلال مخلفاتها وتكاثر الذباب والحشرات عليها ، فضلا عن الروائح الكريهة التي تنبعث عن أماكن تربيتها .والى جانب قلق المواطنين من صعوبة معالجة هذه الحالات نتيجة تبادل اتهامات الجهات الرسمية حول مسؤولياتها تجاه التداعيات المحتملة لتربية ورعي المواشي في المستوطنات البشرية والاستمرار في نحرها بصورة عشوائية ،اجد من المناسب الاشارة الى الاهمية الاقتصادية لمخلفات ذبح المواشي فيما لو تم استثمارها بشكل منظم في المجازر لأغراض صناعية بوسعها الاسهام في تنمية موارد الدخل والتخفيف من معدلات البطالة التي ماتزال تنهش بمجتمعنا .والى جانب ما تحمله هذه الظواهر من مخاطر تتجسد في تأثيرها بشكل مباشر على صحة الإنسان فضلا عن اثاراها على بيئة الحياة .اذ يفضي رعي الأغنام في الأماكن السكنية وتغذيتها على القمامة الى نقل الأمراض مثل مرض الأكياس المائية الذي يعد من مخلفات الكلاب السائبة التي تجوب أماكن القمامة بحثا عن الغذاء مشاركة مع المواشي ،ما يعرض الانسان الذي يتغذى على هذه اللحوم الى الا صابة بهذا المرض الذي بمقدوره تعريض الانسان إلى الوفاة . ويضاف الى ذلك امكانية هذه الفعالية على نقل أمراض أخرى مثل حمى مالطة وأكثر من مائتي مرض من الامراض المشتركة بين الإنسان والحيوان مثل الحمى القلاعية والجمرة الخبيثة والطاعون والجرب وغيرها من الامراض التي تنتقل إلى الأطفال بسبب ملامستهم لتلك الحيوانات وغيرها من الأمراض في حال تربيتها في المناطق السكنية بسبب مخلفاتها .ان اهمية هذا الموضوع تتطلب وقفة مسؤولة من الجهات المعنية لتفعيل العمل بقانون رقم 3 لعام 1997 المعدل الذي لا يسمح بتربية ورعي الحيوانات في الدور السكنية ،فضلا عن تعريض من يتجاوز على مضامينه إلى المسائلة القانونية ؛بالنظر لخطورة الاثار البيئية والصحية والحضرية التي تخلفها فعاليات هذا النشاط الذي يتأتى ازدهاره من عوامل عدة في مقدمتها هجرة الفلاحين من مناطقهم الزراعية بسبب تراجع مستلزمات النشاط الزراعي واثاره المباشرة على واقع الثروة الحيوانية وغياب ما يفترض من فعاليات الرقابة الصحية والبيئية ،اضافة الى تجاهل الاقسام البلدية المخاطر المحتملة من تنامي الانشطة التي تقدم ذكرها ،ولاسيما ان تربية المواشي ورعيها ونحرها يجري في المجمعات السكنية بعيدا عن المحددات الصحية والبيئية والحضرية .
وعود على بدء املي كبير بتبني الأستاذ طالب الحسن محافظ ذي قار مشكلة الاخ صاحب الرسالة القاطن في الدواية وتوجيه مديرية بيئة المحافظة لوضع محددات بيئية لتربية المواشي ورعيها في مناطق محددة خارج المدينة الى جانب التوجيه بتكثيف الجهد الاعلامي المعني بالتوعية من المخاطر الناجمة عن هذه النشاطات ،اضافة الى توجيه دائرة صحة المحافظة حول تفعيل عمل المجازر الحكومية وتهيئة متطلبات عملها .
Hay_latif@yahoo,com
المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب .