- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الثامن)
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
ولنتابع السيرة العطرة لسيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(ع) ونتناول سيرتها في القرآن إذ من المعلوم أن من يُذكر في القرآن الكريم والذي لا يأتيه الباطل من فوقه ومن تحته فهو من لديه منزلة عظيمة لدى الله تبارك وتعالى والذي خص بها تلك السيدة العظيمة الزهراء(ع) وهذا واضح لو رجعنا إلى حديث نبينا الأكرم محمد(ص) والذي يقول ((يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).(1)
وهذا الحديث يدحض كل الكتاب والمؤرخين الذين تناولوا سيرة الزهراء والذي لديهم النفس والهوى الأموي والعباسي في تناول سيرتها وفيه الكثير من التشويه ومحاولة التقليل من هذه السيدة العظيمة وإنها لم يتزوجها أحد ليصل بعض الكتاب ليقولوا وفي تزوير فاضح أنها تزوجت متأخرة في السن وأنها امرأة عادية وكانت تخاصم زوجها في بيتها إلى غير هذه الأمور والتي لاتستند إلى أي دليل أو حجة مقنعة مع العلم أن كل كتب التاريخ الموثقة والمعتمدة وسيرة أئمتنا وأحاديثهم تفيد بأنها استشهدت ولم تتجاوز من عمرها الشريف الثامنة عشر ربيعاً فأي تزوير وتحريف للتاريخ والذي أردنا من كل ذلك تبيان الحقيقة من مصادرهم والتي لدينا عليها الكثير من الملاحظات وفي مقدمتهم البخاري والصحاح الأخرى والتي سوف نشير إليها وبصورة مختصرة عند تناول مظلومية الزهراء وكسر ضلعها واغتصاب حقها في فدك .
ونتيجة لطول المقال فسأورد المواطن التي تناول فيها القرآن العظيم الزهراء روحي لها الفداء معززة بمصادرنا والتي لا يرقى إليها الشك وهي مصادر موثقة لأننا مللنا من ذكر مصادر يشوبها التحريف والتزوير ولاترقى إلى استخدامها كحجة ودليل في بحوثنا وكتاباتنا.
فاطمة الزهراء(عليها السلام)في القرآن :
والتي هي المرأة الوحيدة التي ذكرت في قرآننا الكريم في عدة مواضع ولم تأتي بهذه المنقبة أي من نساء المسلمات وهذا يدلل على علو مكانتها ومنزلتها عند الله ورسوله(ص) ولنطلع على هذه الآيات :
آية ( التَّطهِير ):
وهي قوله عزَّ وجلَّ :
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً }(2)
فقد كان رسول الله (ص)يَمُرُّ على دار فاطمة (ع) صباح كل يوم عند خروجه إلى المسجد للصلاة ، فيأخذُ بِعُضَادَةِ الباب قائلاً : (السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرسالة) ، ثم يقول هذه الآية المباركة .
لفظة «أهل البيت» في اللغة يطلق على من ان في البيت، و في اصطلاح المتشرعة- بالأخص منتحلي التشيع- هم أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؛ و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.أهل البيت في آية التطهير ينحصر في من سكنوا في بيت تسكنه سيدة نساء العالمين عليها السّلام، و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و أراد اللّه في هذه الآية هذا البيت و أراد في الآية السابقة بيوت زوجات النبي صلّى اللّه عليه و اله بقوله «وقرن في بيوتكن» (3)، و المراد منه بيوت النبي صلّى اللّه عليه و اله جميعا التي تسكن فيها زوجاته.هذا ابن تيمية روى في رسالة أهل البيت عليهم السّلام و حقوقهم عن أحمد و الترمذي و غيرهما عن أم سلمة: إنه لما نزلت آية «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» . أدار النبي صلّى اللّه عليه و اله كساءه على علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و إن النبي صلّى اللّه عليه و اله في جواب زيد بن أرقم حين سئل عن أهل بيته و قوله «أ ليس نساؤه من أهل بيته»؟ قال: «أهل بيتي من حرم الصدقة عليه بعدي».
فكل ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الذي يستفاد من الآيات و أخبار أئمة الطاهرين عليهم السّلام من فضل أهل البيت، لا يشمل إلا الخمسة الذين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بشأنهم: هؤلاء أهل بيتي، و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام.
و أهل البيت عليهم السّلام على ما ورد من فضلهم و مكانتهم عند اللّه و عند الرسول صلّى اللّه عليه و اله، كانت فاطمة عليها السّلام مفتاحهم و مدارهم و نقطة الدائرة التي يدورون حولها، كما نرى في حديث الكساء؛ حيث جاء واحد بعد واحد؛ الرسول و الحسن و الحسين و علي عليهم السّلام و ابتدؤوا بفاطمة عليها السّلام و سلّموا عليها و جاؤوا بعدها إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله، و كذا حين عرّف اللّه تعالى الخمسة الطيبة لملائكته، عرّفهم اللّه بها و قال: «هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها»، و كذلك في حديث لولاك و في موارد أخرى.(4)
ولو كان يقصد بأزواج النبي كانت لتأتي الآية على سورة نون النسوة وكما في الآية التي قبلها التي امر الله النبي(ص) وقال له له ((وقرنَّ في بيوتكن)) أما في آية التطهير فهي فيها ميم الجمع وهي (عنكم) وليس نون النسوة.
وهذا ما أشار اليه د. محمد التيجاني في كتابه ثم اهتديت .
ولناخذ هذه الحادثة لتكتمل الجة على اهل البيت وهي.
روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة ، أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرأ قوله تعالى : ( في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل وقال : أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه ؟
فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : بيوت الأنبياء .
فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول اللّه ، وهذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) .
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : نعم من أفاضلها .(5)
أية (المباهلة) :
آية ( المُبَاهَلَة ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ }
وقد نزلت حينما جاءَ وفد نَجْرَان إلى النبي لِيتحدَّثَ معه حول عِيسى، فقرأ النبي عليهم الآية التالية :
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
فلم يقتنع النصارى بذلك ، وكانت عقيدتهم فيه أنه ابنُ الله ، فاعترضوا على النبي ، فنزلت آية المُبَاهلة .
وهي أن يَتَبَاهَلَ الفريقان إلى الله تعالى ، وَيَدعُوَانِ اللهَ تعالى أن يُنزل عذابَهُ وغضبَه على الفريق المُبطِل منهما ، واتفقا على الغد كيوم للمباهلة .
ثم تَحاوَرَ أعضاءُ الوفد بعضهم مع بعض ، فقال كبيرهم الأسقف : إنْ غَداً جَاء بِوَلَدِهِ وأهل بيته فلا تُبَاهلوه ، وإِن جَاء بغيرهم فافعلوا .
فَغَدَا الرسول الأكرم مُحتَضِناً الحسين ، آخذاً الحسن بيده ،وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ خَلفَها .
ثم جثى النبي قائلاً لهم : ( إذا دَعَوتُ فَأَمِّنُوا ) ، أما النَّصارى فرجعوا إلى أسقَفِهِم فقالوا : ماذا ترى ؟
قال : أرى وجوهاً لو سُئِل اللهُ بِها أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مكانِهِ لأَزَالَهُ .
فخافوا وقالوا للنبي : يا أبا القاسم ، أقِلنَا أقال الله عثرتَك .
فَصَالَحُوهُ على أن يدفعوا له الجِزية.
فهذه الصورةٌ تحكي عن حدث تاريخي يَتبَيَّن من خلالهِ عَظمة فاطمة الزهراء، وأهل بيتها ، ومنازلهم العالية عند الله تعالى .(8)
ولنقيم الحجة ونذكر بعض من المصادر الاتية
عن الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه :حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد - وتقاربا في اللفظ - قالا :حدثنا حاتم - وهو ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال :أما ما ذكرت ثلاثا " قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم - إلى أن قال - :ولما نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا " وفاطمة وحسنا " وحسينا " ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.(9)
سورة ( الكَوثَر ) :
وهي قوله عزَّ وجلَّ :
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} .
فالأبتر هو المنقطع نَسلُه ، وقد استفاضت الروايات في أن هذه السورة إنما نَزَلَتْ رداً على من عاب النبي بالبتر ( أي عدم الأولاد ) بعد ما مات أبناء الرسول ، وهم : القاسم ، وعبد الله .
وقصة هذه السورة هي : أن العاص بن وائل السهمي كان قد دخل المسجد بينما كان النبي خارجاً منه ، فالتقَيَا عند باب بني سَهْم ، فَتَحَدَّثَا .
ثم دخل العاص إلى المسجد،فسأله رجال من قريش ، كانوا في المسجد :مع من كنت تتحدث ؟
فقال : مع ذلك الأبتر .
فنزلت سورة الكوثر على النبي ، فالمراد من الكوثر هو : الخير الكثير ، والمراد من الخير الكثير : كَثرَة الذُّرِّيَّة ، لِمَا في ذلك من تَطْييبٍ لِنَفْسِ النبي .
وَرُوِيَ أنه قال لخديجة قبل ولادة فاطمة :
(هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى ، وأَنَّهَا النَّسلَةُ ، الطاهرةُ ، المَيْمُونَةُ ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نَسلِي مِنها ، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة ، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه).(10)
ولنرجع إلى المراد (فصل لربك وانحر)والمراد بالنحر وعلى مارواه الفريقين عن النبي(ص) وعن علي(ع) وروته الشيعة عن الصادق(ع) وغيره من الأئمة هو رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر.
وقيل أيضاً يعني صل لربك واستو قائماً عند رفع رأسك من الركوع وقيل غير ذلك.(11)
وقد اختلفت الروايات في انها مكية أو مدنية لكن الأغلب أنها مكية وهذا يدحض تفسير البعض في تفسير (وأنحر ) هو نحر البدن في مكة إذ أن النحر والحج لم يكن في مكة بحكم محاربة قريش للنبي محمد(ص) والمسلمين وإنما جاء الأمر الإلهي بالحج في المدينة ويثبت وبالدليل القاطع نزولها بحق الزهراء(ع).
سورة الدهر – الإنسان :
آية ( الإِطعَام ) ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً }(12)
وقصتها كما في تفسير الكشاف للزمخشري عن ابن عباس : أن الحسن (ع) والحسين (ع)مَرِضَا ، فعادهما رسول الله (ص)في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نَذرتَ على ولديك .
فَنَذَر عَليٌّ وفاطمةُ وجَارِيَتُهُما فِضَّة (ع)إن برءا (ع)مما بِهِما أن يَصومُوا ثلاثة أيام.
فَشُفِيَا (ع)وما معهم شيء .
فاستقرض عليٌّ (ع)من شَمْعُون الخيبري اليهودي ثلاث أَصْوُعٍ من شعير ، فَطحنت فاطمة (ع)صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم .
فوضعوها بين أيديهم لِيُفطِرُوا ، فَوقَفَ عليهم ( مِسكين ) وقال :
السَّلام عليكم يا أهلَ بيتِ محمدٍ ، مِسكينٌ مِن مَساكِين المُسلمين ، أطعِمُونِي أطعمكمُ اللهُ من موائد الجنة ، فآثروه (ع)وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صياماً .
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم ( يَتِيم ) ، فآثروه(ع).
ووقف عليهم ( أسيرٌ ) في الثالثة ، ففعلوا (ع)مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذَ علي بيد الحسن والحسين ، وأقبلوا إلى رسول الله (ع)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع قال(ص): مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم .
فانطلق (ع)معهم ، فرأى فاطمة (ع)في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه (ع)ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل بيتك، فَأقرَأَهُ السورة .
وفي هذه السورة – أي : سورة الإنسان ، أو : سورة هَلْ أَتَى...
نكتة رائعة جداً ، وقد ذكرها الزمخشري في تفسيره الكشاف ، عند تفسيره لهذه السورة قال :
{إنَّ الله تعالى قد أنزلَ ( هَلْ أَتَى ) في أهلِ البيت (ع)، وَلَيس شَيءٌ مِن نعيم الجَنَّةِ إِلاَّ وَذُكِرَ فيها ، إِلاَّ ( الحُور العِين ) ، وذلك إِجلالاً لفاطمة(ع)} .
فهذا هو إبداع القرآن الكريم ، وهذه هي بلاغته والتفاتاته ، وهذه هي عظمة فاطمة الزهراء (ع)عند ربها العظيم .(13)
ولقد ذكرت كتب التفسير شأن نزول هذه الآيات محل البحث، وقد أورد العلاّمة الأميني في كتابه «الغدير» شأن نزولها من أربعة وثلاثين كتباً من كتب أهل السنّة،(14) ونقل القاضي نورالله الشوشتري هذا المطلب من 36 كتاباً من كتبهم.(15)
ونأتي إلى مسألة مهمة وهي هل سورة الإنسان مكّية؟
حيث قالوا البعض من الكتاب والمؤرخين : إنّ سورة الدهر لم تنزل بالمدينة بل في مكّة، ومن المعلوم أن الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) قد ولدوا بعد الهجرة في السنة الثانية والثالثة من هجرة النبي إلى المدينة، وعليه فإنّ زمان نزول هذه السورة كان قد سبق ولادة هذين السيّدين بعدّة سنين، فما ذكر في شأن نزولها لا يتناسب مع كونها مكّية، ولذلك ذهب البعض إلى أن شأن نزول هذه الآيات كالتالي :
«جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله : سل واستفهم، فقال : يا رسول الله : فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوّة، أفلا رأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنّة ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده انه ليُرى بياض الأسود في الجنّة من مسيرة ألف عام»(16) ثمّ نزلت عليه السورة «هل أتى».(17)
والخلاصة أن ما ذكر في سبب النزول السابق لا يتناسب مع كون السورة مكّية.
الجواب : أوّلاً : إنّ الكثير من المفسّرين والمحدّثين والمؤرّخين يرون أن سورة الدهر نزلت في المدينة، وقد صرّح البعض بهذا المعنى ولكن البعض الآخر لم يصرّحوا بذلك بل ذكروا أن شأن نزولها كان في علي وأهل بيته (عليهم السلام) وهذا يدلّ بالملازمة أن سورة الدهر مدنيّة.
وقد ذكر القاضي نورالله الشوشتري في المجلد الثالث من كتابه «احقاق الحقّ» الصفحة 157 فصاعداً أسماء هؤلاء العلماء الذين نشير إلى طائفة منهم :
1 ـ «الزمخشري» وهو من المفسّرين المعروفين لدى أهل السنّة ومن مشاهيرهم فقد صرّح في كتابه المعروف «الكشّاف» بأن سورة الإنسان مدنية.(18)
2 ـ «الواحدي» وهو عالم آخر من مشاهير أهل السنّة حيث اختار هذا الرأي في «أسباب النزول».(19)
3 ـ «ابن الجوزي» هو الآخر من علماء أهل السنّة حيث يرى مدنية سورة الدهر.(20)
4 ـ «الگنجي» حيث اختار هذه النظرية في كتابه «كفاية الطّالب».(21)
5 ـ «الطبري» حيث اختار هذه الرأي في «ذخائر العقبى».(22)
6 ـ «الآلوسي» يرى أيضاً بأن هذه السورة مدنية.(23)
7 ـ «الفخر الرازي» الذي هو أشهر مفسّري أهل السنّة حيث اختار هذه النظرية أيضاً.(24)
8 ـ «القرطبي» المفسّر المعروف حيث ذكر في تفسيره هذه العبارة :
ذكر الثّعلبي في تفسيره : وقال أهل التفسير انّها نزلت في علي وفاطمة وجارية لهما اسمها فضّة.(25)
وقال أهل التفسير أنها نزلت في عليّ وفاطمة وجارية لهما اسمها فضة.
والخلاصة نقول انه طبقاً لشهادة علماء الإسلام هؤلاء فإنّ سورة الدهر مدنية بلا شكّ.
ثانياً : ويستفاد من الآية الشريفة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَاَسيراً) أن هذه السورة مدنية، لأن الأسير لم يكن له وجود في مكّة حينذاك بل وجد بعد هجرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة وتشريع حكم الجهاد وبعدما حدثت معارك وغزوات النبي (صلى الله عليه وآله)، وعليه فإنّ وجود كلمة «أسير» في هذه الآيات يدلُّ على أن هذه السورة مدنية.
وأمّا ما ذكر في شأن النزول من الغلام الحبشي فإنه لا يتناسب إطلاقاً مع آيات سورة الدهر، لأنّ شأن النزول هذا ليس له ارتباط بإطعام المسكين واليتيم والأسير، وعليه فإنه لا ينسجم مع آيات هذه السورة ولا ينبغي الاعتناء بما يخالف القرآن الكريم من شأن النزول.
ولذلك ونتيجة لطول المقال فأننا سنكتفي بهذا القدر من بخصوص السور التي ورد فيها سيدتي ومولاتي الزهراء وذلك لأننا نريد أن نبحث ونحقق وبالدليل والحجة على من نزلت هذه السور لأننا منهجنا قائم على العلم والمنطق والحجة وهو ما يمتاز به مذهبنا المذهب الجعفري وهو مذهب أعتز وأفتخر بأنني منه لأنه مذهب علمي وقائم على البحث والتحقق ويمثل المرآة الحقيقة لديننا الحنيف بعكس المذاهب الأخرى والتي قد أغلقت باب الاجتهاد والبحث منذ إلف وأربعمائة سنة وهذا ما ذكره المستبصر د.محمد التيجاني في كتابه الرائع (ثم اهتديت) والذي جعله إن يتحول ويبحث ليستشيع ويدخل في المذهب الشيعي وذلك لأنه وجد فيه الضالة الحقيقية لكل مسلم والتي بدوري أعتز بمذهبي والذي سوف لا أبخل بما لدي من جهد وبحث في سبيل توضيح الحقيقية عسى ان تسهم كلماتنا المتواضعة في أن ننال شفاعة وأن نكون في زمرة محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين(صلوات الله وسلام الله عليهم أجمعين).
وفي جزئنا القادم أن شاء الله سوف نستكمل فاطمة الزهراء(ع) في القرآن إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كنز الفوائد : 1/150.
2 ـ [الأحزاب : 33].
3 ـ [الأحزاب : 32].
4 ـ الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها ،ج18،ص:8 – 9
5 ـ تفسير الدر المنثور : 5 / 50 .
6 ـ آل عمران : 61 .
7 ـ آل عمران : 59 .
8 ـ راجع تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي ج 9 ، ص 187
9 ـ ومذكورة في صحيح مسلم : 15 / 175 ( ط . بيروت ) ،مسند أحمد بن حنبل : / 185( ط . مصر). ومصادر أخرى كثيرة ، وراجع راجع شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده : ص 84 ( ط . بيروت ) ، و{ تفسير الطبري : 3 / 192 } ط . مصر.
10 ـ تفسير البرهان /تفسير سورة الكوثر بالجزء الرابع . تفسير الميزان/ الجزء 20، صفحة 372.
بتصرف : اعتمد هذا الرأي في تفسير الأمثل للشيخ ناصر الشيرازي أيضاً (الأمثل/ الجزء 20، صفحة 383)، وكان نقلاً عن مجمع البيان/ الجزء 10، صفحة 549.
و قال الفخرالرازي في التفسير الكبير تفسير سورة الكوثر ، الكوثر أولاده (ص) لأن هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى: أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ بهم ، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به. تفسير الفخر الرازي، ج32، ص124. وكذلك في حاشيته على تفسير البيضاوي ج9ص341 عند تفسير سورة الكوثر.
11 ـ راجع تفسير الميزان ج20 تفسير سورة الكوثر.
12 ـ [الإنسان : 8 - 9].
13 ـ تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي .ج20 ص221
14 ـ الغدير : ج 3، ص 107، ونذكر هنا عشرة مصادر ممّا ذكره الغدير في شأن نزول هذه الآيات : 1 ـ نوادر الاُصول : ص 64، 2 ـ العقد الفريد : ج 3، ص 42، 3 ـ الكشف والبيان : ص 307 ـ 427، 4 ـ المناقب للخوارزمي : ص 180، 5 ـ مطالب السؤول : ص 31، 6 ـ نور الأبصار : ص 12 ـ 14، 7 ـ فتح القدير : ج 5، ص 338، 8 ـ روح البيان : ج 10، ص 268، 9 ـ الاصابة : ج 4، ص 387، 10 ـ الدرّ المنثور : ج 6، ص 299.
15 ـ احقاق الحقّ : ج 3، ص 157، ونذكر هنا عشرة مصادر أيضاً من الكتب التي ذكرها صاحب احقاق الحقّ في شأن نزول الآيات المذكورة 1 ـ الكشاف : ج 4، ص 169، 2 ـ أسباب النزول : ص 331، 3 ـ معالم التنزيل : ج 7، ص 159، 4 ـ التفسير الكبير : ج 3، ص 243، 5 ـ التذكرة لابن الجوزي : ص 322، 6 ـ كفاية الطالب : ص 701، 7 ـ تفسير القرطبي : ج 19، ص 129، 8 ـ ذخائر العقبى : ص 102، 9 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 1، ص 7، 10 ـ تفسير العلاّمة النيشابوري : ج 29، ص 5112.
16 ـ روح المعاني : ج 29، ص 165.
17 ـ تفسير نمونة : ج 25، ص 330.
18 ـ الكشّاف : ج 4، ص 169.
19 ـ أسباب النزول : ص 331.
20 ـ التذكرة : ص 332.
21 ـ كفاية الطّالب : ص 201.
22 ـ ذخائر العقبى : ص 102.
23 ـ روح المعاني : ج 29، ص 157.
24 ـ التفسير الكبير : ج 30، ص 244.
25 ـ تفسير القرطبي : ج 19، ص 19.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول