مرة أخرى تصدر منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي الخاص بتحديد مستوى الفساد لدى 178 بلداً من بلدان العالم حيث منحت المنظمة ، في مقياس من 10 درجات ، درجات لمختلف دول العالم بين دول شديدة الفساد ودولا شديدة النزاهة (نظيفة) ، أحتلت الدانيمارك المركز الأول بـ( 9,3) درجة والمركز الأخير للصومال المنكوب بـ (1,1) درجة . أما العراق فقد حصل على 1.5 درجة فقط وهي ماجعلته في المرتبة الرابعة ، ماقبل الأخيرة ، في تلك القائمة حيث كانت أفغانستان وبورما والصومال من تذيلت قعر القائمة .
والفساد أمر مفروغ منه لدينا في ظل ما كابده العراق من حروب وما يواجهه من هجمات أرهابية مركزة تستهدف كل مقاييس السعادة لدى شعبه ودخول العملية السياسية في شهرها الثامن بدون أمل بولادة طبيعية لحكومة معافات من أدران الحقد السياسي ، من الخطر أن تأتي الولادة في الشهر الثامن ولكن قد ينجح الأمر في الشهر السابع !! ، وظهور المحاصصة الطائفية وتمكنها من السيطرة على مرافق الدولة وتخلف واضح في نشر الثقافة السياسية وأبتعاد النخب العلمية المهمة وانزوائها ، برغبتها أو بدونها ، وتولي الأمر لمن لا يستحقونه من أصحاب التعاسة ، سارقي لقمته ، فالكثير من المدراء العامون وبما يقارب 250 مدير عام مطلوبون بقضايا فساد وبما أنهم فاسدون فأن المال العام الذي بعهدتهم سائب وهذا المال سيعلم على السرقة شئنا أم أبينا ، ففي ظل الانحراف الأخلاقي لدى الكثير من الموظفين ممن يعملون في دوائر الدولة وتفشي الرشوة وكما تطالعنا أخبار القبض بالجرم المشهود على عدد من المسؤولين .. لقد أتبعوهم بالباطل فأقتدوه .. ترى الموظف البسيط يقتدي بمديره السارق ويجلس اليوم بطوله يفكر في طريقة السرقة ووسيلتها حتى تعطل فكره عن العمل . والتساؤل هنا الى متى سنبقى ندور في دوامة الفساد ؟ الذي يقرض كل موازناتنا الأتحادية السنوية وكأنك ترى أن التخصيصات المالية التي توضع في مجالات الأعمار والأبواب الأخر تتبخر لتصبح شحوم قذرة على أجساد المرتشين من تجار الحرام ومقاولوا الشيطان الذين أبتدعوا كل أشكال التحايل على الدوائر الحكومية في سبيل تمرير أعمالهم التي لا تتطابق والمواصفات الدولية ، يقابلها ضعف شديد في مستوى الرقابة النوعية من قبل دوائر الدولة فترى أن الأعمال التي تقدم على الرغم من بطئها وأرتفاع أسعارها فهي لا تدوم.. ألاف الحدائق وآلاف الكيلومترات من الشوارع والأرصفة التي صفت لتبلى وتصبح تراباً ورملاً بعد مرور أقل من سنة على أنشاؤها ..عجيب أمر هذا الفساد الذي ينهش في جسد العراق .. ترى هل أنعدمت الكفاءآت التي تكافحه ؟ أم تحولت الكفاءآت الى آفات وأدوات للتدمير ؟
ما جدوى الأجتماعات والمؤتمرات الأقليمية التي تعقد والتي كان آخرها المؤتمر الإقليمي لمكافحة الفساد الذي عقد في الأردن في 26 /10 / 2010 ، وكذلك وجود المبادرة الدولية لمكافحة الفساد .. علينا أن نستغل تلك المؤتمرات والمبادرات الدولية في الدخول الى الأسس التطبيقية في مكافحة الفساد والتعلم من الحكومات العربية والأجنبية عن الأساليب العلمية التي أتبعتها في تحديد مستوى الفساد في بلدانها .. ليكن هدفنا أن نصل الى درجة ( 5- 6 ) درجات على مقياس مستوى الشفافية ، هذا إذا أردنا أن نفتح باب الأستثمار في البلد بجد وأن نغلق باب الهدر الفاسد في ثروات الوطن ، ونتابع الأجراءات التي تحددها المنظمة العالمية في القياس .. أي ان نكون فكرة واضحة عن المعلومات التي تيسرت لدى تلك المنظمة لتضعنا في هذا الموقع من دول العالم وأن نبقي تفكيرنا محدوداً ، كرؤيا، في كيفية الوصول لتلك الدرجة ونضع أهداف الوصول لها وقد نحتاج الى العديد من التشريعات المهمة على مستوى الواقع الأجتماعي العراقي ونحتاج بالمقابل الى مستوى عال من التنفيذ أي الى سلطة تنفيذية فعالة في تنفيذ التشريع وكذلك الى قضاء متمكن من عمليات الفساد .. وبصراحة نحتاج الى نقلة نوعية كبيرة في مجال مكافحة الفساد .. وتلك النقلة يجب أن لا تبقى بحدود الملصقات والأصدارات التي تحارب الفساد وإن لا تبقى في حدود نصب الفخاخ للمفسدين فنحن لا نريد المفسد ولا حتى المال ، بل نريد أن نصلح ما أفسده كي لا يتحول الى سرطان يغزو كل أعضاء جسد الوطن أنها حرب كحربنا على الأرهاب وكحربنا على الأمية وكحربنا على البطالة فما أعظمه زمن الحرب مع أمل بالأنتصار وكيف نصنع هذا الأمل بالأنتصار؟ أنها معارك كبيرة على طريق العراق السليم المعافى ..وعلى الجميع أن يساهم في تلك المعركة ، المعركة ضد الفساد ، لأنها ستطحننا جميعاً يوماً . علينا أن نخلق أرضية صلبة تستند عليها كل تشريعاتنا التي تؤهلها للتطبيق .. فهناك دولاً في العام نأت بنفسها عن الفساد بحكم فعالية أجهزتها التنفيذية وفلاح تشريعاتها الوضعية التي أسست للغرض .
فالدنيمارك ، نيوزلندا ، سنغافورا ، فلندا ، السويد وكندا دولاً أخذت فرصتها في التربع على قائمة الدول \"النظيفة\" والتي حصلت على درجات أكثر من 9 على المقياس .. وهي ذاتها الدول التي حصلت على المركز المتقدمة في مقياس السعادة العالمي فالجميع يعلم بان الفساد لا يخلف إلا الخراب النفسي والأقتصادي والأجتماعي وهو من سيحدث شرخاً كبيراً في النسيج المجتمعي الوطني قد يصعب بعد حين أصلاحه ، وحربنا على الفساد هي من ستمنح السعادة والأستقرار الحقيقي للشعب . لنحاول الأستفادة من تجارب تلك الدول ومجاراتها بأستغلال خبرائنا في أستقصاء الوسائل المتبعة لديهم وتطبيقها بما يتناسب ونظامنا وعقائدنا .. لنخرج من دائرة الفساد وهذا الخروج من سيمنحنا فرصة جلب الأستثمار الضخم الذي يزورنا الآن على خجل !..ونمنح شعبنا فرصة الأستمتاع بالسعادة على المقياس الدولي لا على مقياس المحاصصة الفئوية والطائفية وإلا سنبقى فاسدون الى الأبد ! .
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟