لاضير في أن يتحدث السادة أعضاء البرلمان الجدد ويصرحوا بكل ما أوتيت قرائحهم من قوة بلاغة أو بدونها ، فهم أعضاء البرلمان العراقي الجديد الذي أفرزته العملية السياسية كعنصر أساسي من عناصر ديمومتها . ولكن الغريب أن يتحدث عضو في البرلمان بلسان الطائفية وبنغمة التفرقة والتهديد والوعيد وهو حتى لم يصل الى ربع العتبة الأنتخابية للدائرة التي رشح فيه أي أنه بالحرف الواحد لم يرشح من قبل الشعب بل رشح من قبل كتلته النيابية أو حزبه والفضل يعود الى عضو آخر حصل على أصوات بأضعاف العتبة الأنتخابية فقام الحزب بالتصدق ببعض تلك الأصوات لصالحه ...ترى كيف سيكون لذلك العضو صوت في البرلمان ؟ بعيدا عن التملق للحزب والكتلة التي رشحته وكيف ستكون له الثقة بنفسه أن يقف تحت قبة البرلمان ويتحدث بأسم الشعب ؟ لا نعتقد أنه سيكون قادراً على ذلك لكون الشعب لم ينتخبه أولاً ولكون مايحصل تحت قبة البرلمان ليس بالضرورة أن يكون في مصلحة الشعب بل قد يكون لمصلحة فئة أو كتلة برلمانية ما وما هو المتوقع أن يحصل في ظل النتائج التي ثبت عليها حال أعضاءه .
ومن المعروف بعد الأطلاع على نتائج الأنتخابات أن خمسة عشر عضواً فقط ، 5 % من أعضاء البرلمان ، قد تجاوزوا العتبة الأنتخابية وأولئك من سنسميهم \" بأعضاء الشعب\" أما البقية والبالغ عدد 310 عضوا هم \"أعضاء الكتل والأحزاب\" وقد يكونوا ناقمين على الشعب الذي لم ينتخبهم ! ، وهؤلاء نسبتهم 95% وهي نسبة كبيرة جداً تبعث بمؤشر سلبي عن طبيعة البرلمان القادم وحجم العمل المتوقع منه ، كما أن ذلك ما هو إلا مؤشر على ضعف الثقافة السياسية في البلد والتي تعتبر أهم معايير قياس مدى نجاح العملية السياسية .
ومن ملاحظة مجريات الأمور فأن اغلب المسيطرين على الساحة السياسية هم أولئك الخمسة عشر المبشرون بالسلطة في العراق أما البقية من أعضاء البرلمان هم على مسطبة الأحتياط ولم ولن يدخلوا كلاعبين اساسيين لغاية الآن في لعبة العملية السياسية وبعيداً عن ما يجري في الوطن وأضحى همهم الأكبر هو الأستفادة من المنافع المالية والمعنوية المكتسبة من عضويتهم العرجاء تلك وأوكلوا كل حقوقهم السياسية الى قادتهم .. وهم بعيدون جداً عن المحادثات والمداولات والأجتماعات التفاوضية التي تجري بين الكتل باستثناء البعض منهم وهم المقربون من رؤساء الكتل أو من سياسات .
نحن الآن أمام أزمة كبيرة حتمتها علينا مجريات العملية السياسية بمفرداتها من إنتخابات شعبية كبيرة الى فرز أصوات الى أزمة تشكيل الحكومة وآخرها هذا البرلمان الذي سيدخلة الأعضاء بلا ثقة بالنفس ليجاروا بها أحداث العراق الكبيرة ويكونوا على قدر المستقبل الكبير المنتظر !
إن فشلنا في إيجاد الثقافة السياسية التي تتوائم وطبيعة النظام السياسي الجديدة وتثبيت دعائمه وتكون المغذي الحقيقي لجعل العملية السياسية توفر المظلة السياسية الوطنية الإيجابية وتحمل ولاءاً شعبياً مناسباً لتجري تحتها كافة المباحثات والمداولات السياسية ، المشروعة منها ، على طريق تشكيل حكومة وطنية متكاملة تأخذ على عاتقها ردم الفجوة التي أحدثتها الطائفية بين أبناء الشعب والعمل على إشاعة الثقافة السياسية بكافة الوسائل المتاحة منها والمبتكرة إذا ما أردنا ضمان أستمرار العمل السياسي ، أقول إن فشلنا في ذلك فسوف نحكم على العملية السياسية بالموت البطيء وهذا هو مايجري الآن فنسبة المشاركة في الأنتخابات للدورة الأنتخابية الثانية أقل من مثيلتها الأولى على الرغم من مشاركة بعض الطوائف التي لم تشارك في الدورة الأولى .. أنه مؤشر بعيد المدى على مدى الخطأ الذي أوقعنا أنفسنا فيه عندما قدمنا مصالحنا الكتلوية الطائفية على مصلحة وطن مثل العراق .. وطن معروض للبيع .