هل، نحن العراقيين، ابرياء حقا مما يحدث لنا، فيما (الآخر) البعيد والقريب يرتكب كل هذه الاعمال الشنيعة بحق بلادنا؟ هو الذي يفجر السيارات المفخخة بين الناس، ويهد الاضرحة واماكن العبادة والبنايات على روادها وساكنيها، وينسف شبكات الكهرباء والماء والنفط، وهو وراء الفساد والرشوة واعمال تفكيك الدولة وتحطيم بناها وانصابها وهياكلها وبيعها بالخردة في اسواق العالم، وهو الذي يجند المرتزقة والارهابيين ويهرب الاسلحة عبر الحدود، وهو نفسه الذي يثير الفتن بين طوائفنا والواننا المذهبية والقومية، والذي يضرم الكراهية والحساسية والفرقة وروح الانتقام بيننا، وهو الذي يفتعل الازمات الدورية ذات الصلة بالكهرباء والمرور والنفط والمواصلات والخدمات البلدية والصحية والثقافية والتعليمية ويحشرنا في جحيم هذه الازمات مسلوبي الارادة، ولا حول لنا ولا قوة، ثم يمن علينا بالمساعدات المذلة؟.
اقول ، هل اننا، نحن العراقيين، غير مسؤولين عما يحدث لنا، وان (الآخر) يتحمل حقا كل هذه الخطايا، فقبضنا عليه متلبسا بالجرم المشهود، وادخلناه سجن التاريخ وخرجنا من بابه الثاني ابرياء؟. وهل ان الحديث المكرر عن إخفاق العدو في اضرام الفتنة والقتال بيننا يعفينا عما ارتكبه الكثير منا من اعمال هي الفتنة بعينها؟ بل هل ان هذا الكلام يتطابق تماما مع واقع الحال الذي يقول اشياء اخرى خارج هذا النص الكهنوتي؟ وهل اننا عبرنا الطريق القصير الى معافاة حياتنا العليلة وقطع الطريق على (الآخر) الذي يتربص بنا بالمزيد من اليقضة وروح التكافل وفروض وحدة المصير؟.
ومن هو غيرنا الذي اوصل هذا (الآخر) الاجنبي وجيوشه الى بلادنا غير رعونة البعض منا ممن كانوا يحكموننا حصرا؟. ومن هو الذي جاء بـ(الآخر) الشرير الى حواضرنا واسكنه حاراتنا وزوده بالاختام المزورة والخرائط والمعلومات وحسن الظن غير ابنائنا تحديدا؟ ومن الذي جاء بالدول الطامعة، المجاورة والبعيدة، وباستخباراتها ومرتزقتها وصار لها جسرا من الخدمة والتبريرات غير عراقيين منا أبا عن جد؟ ومن هو غيرنا الذي رصد العدو يعد للمجازر وسكت، ورآه يحضر للفتنة، وتغافل؟ أقول ايضا، إذا كان (الاخر) الشرير مصدر كل هذه الفظائع والخطايا، فلماذا –في الاقل- نرشي الموظف لكي يخون، ونخالف المرور لتعم الفوضى، ونتزاحم على ابواب المخالفات ومنافذ التزوير ونزاول التعدي على الحق العام بالصوت والصورة ليشيع الفساد وتنتشر المفاسد؟ بل لماذا- في الاقل الاقل- نؤدي واجبنا إزاء بلادنا وكأننا مأجورين أو مكرهين على العمل من اجلها؟ اعني لماذا نعمل من دون ايمان بجدارة العمل، ونصلي من غير قناعة بجدوى الصلاة، ما يصفه شيوخنا بالقول “جفيان شر ملا عليوي” واصل المثل، البالغ الحكمة هنا، ما أورده عبدالرحمن التكريتي في (جمهرة الامثال البغدادية) ان رجلا ورعا اسمه “الملا عليوي” كان يحض ابنه، المتهرب، على تأدية الصلاة في اوقاتها، ثم ان الملا عليوي اجبر ابنه يوما على إداء صلاة المغرب مع اضياف كانوا في داره، فوقف الابن معهم للصلاة ورفع يديه من أجل النية، وقال بصوت مسموع: نويت اصلي فرض المغرب جفيان شر ملا عليوي.. وصارت الواقعة مثلا.