بعد أن استعادت الدولة العراقية هيبتها إلى حد ما في ظل أوضاع أمنية مستقرة نسبيا أكد سياسيون عراقيون على تعديل بعض الفقرات أو النقاط في الدستور العراقي ،تشكلت بموجبها لجنة برلمانية لتقديم المقترحات بهذا الشأن بتاريخ 26 /9/ 2006 حسمت نقاطا كثيرة وبقيت أخرى عالقة مثل قانون النفط والغاز وصلاحيات رئيس الجمهورية، وموضوع الأحوال الشخصية و توزيع الصلاحيات المركزية والإقليمية بسبب اختلاف المصالح والرؤى السياسية أدت إلى عدم التوصل إلى توافق سياسي لتعديل تلك النقاط آنفة الذكر بالدستور الذي شرع في وقت كانت تمر به البلاد بمراحل صعبة تتطلب لملمة ما تبقى من المؤسسات الحكومية الأمنية منها والخدمية بعد دخول القوات الأمريكية الى العراق عام 2003 والإحداث المعروفة الذي رافقته ،خصوصا مع تعدد الجهات العراقية التي عادت الى البلاد والموجودة أصلا والتي كانت معارضة لسياسة النظام العفلقي وتنوع الأفكار والأطروحات التي كانت غالبيتها لا تتعدى عن كونها توجهات حزبية وفئوية ،لعدم تناغمها مع الواقع العملي العراقي الذي اختلف كثيرا مع النظريات التي تحولت الى فقرات في ذلك الدستور عند محاولة تطبيقها إلى واقع ملموس ،او مثل ما يسميه النائب سامي العسكري (بالتطبيق الخاطئ للدستور العراقي خلال السنوات الماضية، والذي يمكن ان يؤدي إلى تفتيت الدولة العراقية تحت عنوان احترام الدستور الذي يهدف الى إبقاء العراق موحدا، إلا أن الممارسات العملية للأقاليم والمحافظات تدل على عكس ذلك، فهي تتصرف وكأنها دول مستقلة من خلال إقامة الممثليات الدبلوماسية الخاصة بها في الدول الخارجية، فضلا عن أنها ترسل قواتها إلى مناطق خارج صلاحياتها، كما حدث في خانقين وغيرها من مناطق العراق. فالذي يمارس على ارض الواقع في العراق هو تطبيق لنظام الكونفدرالية، وهذا الأمر غير مقبول، وإذا ظل الحال كما هو عليه فأن العراق متجه لا محالة نحو التقسيم).
هذه الدعوات أزعجت بعض الأطراف السياسية الكردية التي كانت حينها العنصر الأساس في كتابة الدستور بسبب تعارضها مع مصالحها وتطلعاتها السياسية المستقبلية آخذين بنظر الاعتبار استقرار الأوضاع التي كانت تشهدها مناطق إقليم كردستان العراق مقارنة بالمحافظات العراقية الاخرى التي تمثل ثلثي المساحة الجغرافية العراقية التي كانت تشهد وقتها ظروفا أمنيةُ صعبة رافقتها سياسة إثبات الذات للأحزاب المختلفة مما ادى بالتالي الى التنازل عن بعض المسائل الأساسية الضرورية مما حدا بالإطراف المشاركة بالعملية السياسية حينها الى تثبيت نقطة أتاحت مستقبلا تعديل بعض الفقرات وفق المصالح التي تقتضيها الدولة العراقية
وبالتالي فان هذا الامر ليس بتجربة عراقية صرفة بل هو واقع شهدته دساتير بعض البلدان التي تغيرت على مدى سنين طوال الى ان وصلت بعدها الى دستور يمكن ان يسير وفق الرؤية الإستراتيجية الصحيحة لتلك الدولة..وقامت الدنيا الكردية ولم تقعد وقرعت الطبول وأثيرت التصريحات خاصة على خلفية دعوة رئيس الوزراء نوري المالكي الى تقوية الصلاحيات المعطاة الى الحكومة المركزية على حساب الاقاليم والمحافظات التي ساهمت الفقرة الدستورية المتعلقة بها بخلق مشاكل كبيرة زادت من حجم الخلاف بين الطرفين مما أدى الى تعطيل هذه القوانين التي تصب بالتالي في خانة المواطن العراقي الذي عانى ومازال من واقع اقتصادي متردٍ ابتدئ منذ ثمانينيات القرن الماضي ودخول النظام السابق في حروب كلفت العراق أثمانا باهظة غيرت الواقعين الديموغرافي والطبوغرافي العراقي رافقتها سياسات هوجاء لذلك النظام الفاشستي ارجع العراق الى عهود سابقة تعدتها أمم لا تمتلك مثل العراق المقومات التي يمتلكها ..
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة وهو : هل ان تصريحات او بمعنى أدق التهديدات التي تطلقها بعض القيادات السياسية الكردية ،(والتي كانت آخرها للسيد مسرور بارزاني نجل رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ورئيس جهاز المخابرات في الإقليم، والذي أكد في لقاء مع صحيفة \"لوس أنجلوس تايمز\" الأميركية أن الأكراد لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال عدم احترام بغداد للوضعية الخاصة التي يتمتع بها الإقليم ضمن العراق الفيدرالي..وان الأكراد ينظرون الآن إلى قياداتهم باعتبارها غير حازمة بما فيه الكفاية تجاه ما سماه بالتلكؤ في تنفيذ بعض البنود الدستورية، مضيفا أنه قد يأتي اليوم الذي قد يتوقف فيه الناس عن الإصغاء إلى هذه القيادات، قائلا إنه لا أحد يستطيع التنبؤ بردات فعلهم....)
تنطلق من أرضية صلبة ام هي لا تعدو عن كونها جعجعة إعلامية كالتي رأيناها وسمعناها سابقا في تصريحات محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام في حكومة النظام السابق بالمؤتمر الصحفي الذي عقده أمام فندق فلسطين مرديان والتي قال حينها \" أن القوات الأمريكية انتحرت على أسوار بغداد\" وكانت وقتها الدبابات الأمريكية تسير على جسر الجمهورية والتي تحولت الى مثال للسخرية من قبل الجميع....خاصة اذا أخذنا بالاعتبار عدة أشياء مهمة اولها،ان الجانب الأمريكي وهذا المهم لم يلتفت الى مطاليب الأكراد بالتدخل في حل تلك الخلافات بين الطرفين معتبرة إياها شانا داخليا وان لواشنطن هدفا من وراء ذلك ،وكذلك الموقع الجغرافي للإقليم والذي تحيطه ثلاث دول تقع في مقدمتها اهم دولة في الشرق الأوسط وهي تركيا يرفضون رفضا قاطعا قيام دولة كردية لما لها من مخاطر إستراتيجية على تلك الدول وهذا وما عبر عنه بوضوح رئيس الجمهورية جلال طالباني في تصريحات لصحيفة تركية (من إن إقامة دولة كردية مستقلة في العراق أمر مستحيل ..وأوضح إن دولة كردية مستقلة لا يمكنها البقاء لأن تركيا وإيـــران وسورية المجاورة قد تغلق حدودها ,مضيفا إن حلم الأكراد القومي بكردستان الكبرى هو حلم في قصائد الشعر)....
لذلك أليس الأجدر ببعض الساسة الأكراد الذين حصلوا في العراق فقط على حقوقهم المشروعة من خلال إقامة وضع فيدرالي خاص ان لا يتوسعوا بتطلعاتهم كثيرا وان ينظروا بعين الواقع الى مستقبل العراق السياسي الذي هو بالتالي مستقبلهم السياسي المشترك وليس كما وصفه رئيس الجمهورية ب \"الحلم الموجود في القصائد الشعرية الكردية فقط \"..والتنازل عن بعض المكتسبات التي حققوها في الدستور في ظل أجواء قلقة وصولا الى مشروع وطني يخدم العراقيين جميعا ويمنع انهيار بعض المكتسبات التي تحققت منذ السقوط والى الآن ،ام أن النظرة النرجسية ستبقى طاغية على بعض الإطراف ضاربة وراءها أي عواقب يمكن ان تحصل مستقبلا يكون العراقيون جميعا هم الخاسر الوحيد وبلا استثناء ..