في شارعنا الذي يشبه - من حيث الاستواء - تخطيط قلب رجل مدخّن في الستين من عمره، دبّت ذات يوم حركة نشطة لعمال وآليات ورمل وحصى وشتايكر، وحين تبينـّّا جليّة الأمر
اتضح أن هذه \"الهوسة\" من أجل إكساء الأرصفة بهذا البلاط الملون الجميل، والمرء لا يملك إزاء حملة كهذه إلا أن يستبشر خيراً، وهو يتوقع شوارع أنظف وأجمل، مع احتمالات أقل للـ(سيان) في الشتاء الآتي لا محالة.
لكن القضية - يا سادة يا كرام - لا تنتهي عند هذا الحد، بل هي تبدأ هنا، فنحن - ككثير من أحياء بغداد وعموم العراق- لا نزال نشكو ضعف بعض الخدمات وانعدام بعضها الآخر، ولذلك خطرت ببالي ولعلها خطرت ببال كثير من جيراني، جملة أمور وتساؤلات: ألم يكن الأجدى لو جرى العمل في إصلاح الخدمات كالماء والمجاري والاتصالات الأرضية، لأهمية هذه الخدمات وحيويتها للمواطن (لا نقول أن الرصيف ليس ضرورياً، ولكنه أقل أهمية)؟ ثم أليس من الهدر أن ننفق سبعين ألف دينار في إكساء المتر المربع الواحد في حملة شملت العراق من أقصاه إلى أقصاه ( كأن لا مشكلة لدينا ولا هم سوى الرصيف!) ثم نأتي بعد مدة ننفق أموالاً جديدة لاقتلاع تلك الأرصفة ومد أنابيب الماء أو المجاري الجديدة، أو قابلوات الهاتف أو أنابيب الغاز السائل للبيوت (بعد عمر طويل)؟. لقد شاهدت وشاهد العراقيون كثيراً من الأرصفة والجزرات الوسطية التي أنفقت عليها مليارات الدنانير، ولم تلبث أن خربتها الأحداث الأمنية أو الإهمال أو غير ذلك من الأسباب.
وثمة مفارقة صارخة تدعو إلى التساؤل إن لم نقل الريبة، فنسبة العمل والإنجاز في الأرصفة تفوق بعشرات الأضعاف نسب الإنجاز في خدمات أخرى أكثر أهمية وحيوية، وحيثما يلتفت المرء يجد عملاً في الأرصفة، ويندر أن يرى عملاً في سواها، ولسان حال الأجهزة البلدية والمقاولين الأهليين يقول: (رصيف يا محسنين .. من يدلنا على رصيف غير مبلط فله الأجر والثواب!) بينما تـُترك الخدمات الأخرى للزمن على طريقة أم كلثوم في أغنيتها المعروفة \"حسيبك للزمن\".
أمانة بغداد تقوم بأعمال رائعة وهي مشكورة على جهودها، وقد صارت أنموذجاً يُحتذى، ولكن حبذا لو تراجع الأمانة سلم الأولويات في المشاريع، وحبذا لو تـُخضع الأعمال المنجزة للفحص والتقويم المختبري، وأخيراً حبذا لو تـُبلط شارعاً واحداً مقابل كل عشرة أرصفة!
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!