تتميز كلمتي "حبوبة" و"السياح" بعمقهما الجنوبي حيث تشير الاولى الى "الجدة" سواء أكانت والدة الاب ام والدة الام، وتعرف الاخرى بنوع من الخبز يصنع من مادة التمن المطحون (الرز)، تلك الكلمتين عندما تحضر يذهب الذهن الى المحبة، فجميع العراقيين يحبون جداتهم، الا ان اهالي المحافظات الجنوبية وخاصة "اهل العمارة" يكنون الجدة بمفردة "حبوبة" لفرط حبهم لها، فهي المربية الحنونة لهم، كما يحبون بشغف خبز "السياح" المصنوع من طحين الرز، ويفضلون تناوله في الصباح مع البيض او القيمر، فكيف اذا كانت اليد التي تصنعه وتقدمه لهم، يد "حبوبتهم" المطرزة بوشم نساء الهور القديمات، تلك قصة نسردها عن نساء تجاوزت اعمارهن الثمانين ورغم الامراض ما زلن يجلسن على طريق المشاية بين بغداد وكربلاء لتقديم "السياح" للزوار.
منذ 12 عاما
تتوقف السيدة الثمانينية "هيلة حميد" من مدينة الصدر ببغداد عن العمل قليلا لتشرح لوكالة نون قصتها مع الخدمة بالقول انها" تخدم زوار ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) منذ (12) عاما مع احد المواكب الحسينية في منطقتها السكنية، وبدأت على الطريق الرابط بين بغداد وكربلاء المقدسة في العام (2012) بعمل خبز طحين الحنطة بعد توفير خيمة صغيرة لي في الموكب وتنور وكان يساعدني شاب من الموكب يهيئ لي عجين قرص الخبز الواحد "الشنكة"، وكنت اخبز خلالها حوالي (7 ــ 8) اكياس طحين، وتخصصت بصنع خبز "السياح" لان الكثير من اهالي بغداد هم من اصول جنوبية يحبون هذا الخبز ويتناولونه، واشارك بالخدمة في كربلاء المقدسة في الاربعينية، وفي مدينة النجف الاشرف خلال ايام استشهاد الامام علي (عليه السلام)، وفي ايام استشهاد السول الكريم محمـد (صلى الله عليه وآله وسلم) لثلاثة ايام، وابقى في الكاظمية سبعة ايام خلال مناسبة استشهاد الامام الكاظم (عليه السلام)، كما اسافر الى سامراء لتقديم خبز "السياح" للزائرين في مناسبتي استشهاد الامامين العسكريين، واستمر لمدة ثمانية ايام".
طحين وخبز
وتستمر "ام جواد" في توصيف خدمتها بالقول "كنت اخبز حوالي (4 ــ 5) اكياس، ووصلت الان الى نحو (9) اكياس طحين تمن والاستهلاك لخبز "السياح" في موسم الشتاء اكثر من موسم الصيف، بعد ان اقوم بنقل التمن الى احد المطاحن في بغداد بمبلغ (7) الاف دينار للكيس الواحد بمساعدة شاب يقود "الستوتة" وهناك اشخاص متبرعين يقومون بشراء اكياس التمن لي طلبا للاجر والثواب وتتراوح اسعار كيس التمن من (10 ــ 25) الف دينار حسب حجم الكيس صغيرا كان ام كبيرا، ثم انقله الى الموكب في محافظة كربلاء المقدسة، واصبح لدى زبائن كثر يأتون كل عام ليتناولوا خبز "السياح" والبيض، بل ان بعضهم يتبرك بهذا الخبز المصنوع بثواب ابي عبد الله، ويقبل على تناول "السياح" عدد كبير من الزائرين القادمين من ايران، وكذلك عدد من زوار دول الخليج، لانه اكلة خفيفة ولذيذة"، لاسيما مع "البيض او اذا طليت بالبيض او مع القيمر العراقي، وعندما شاهدتني نساء من جيراني وبعد ازدياد عدد "المشاية" عام بعد آخر طلبن العمل معي والتحقن بي منذ سنوات، ورغم معاناتي من امراض الحساسية والضيق في الصدر والتهاب الامعاء الا اني اصر على الحضور للخدمة سنويا ولا اشعر بأي مرض خلال خدمتي بل لا اتناول اي دواء في ايامها".
صويحباتها وجاراتها
تجلس عن يمينها وعن شمالها سيدتان عجوزتان بلغن العقد الثامن من عمرهن، احداهن تخبز معها والاخرى تعجن طحين التمن وتقول صاحبتها وجارتها "فخرية ام قاسم" لوكالة نون الخبرية ان" التحاقي بجارتي "ام جواد" كان منذ حوالي عشر سنوات، بعد ان طلبت منها مشاركتها بالخدمة الحسينية لزوار ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) على الطريق الرابط بين العاصمة بغداد وكربلاء المقدسة فرحبت بالفكرة وباشرت معها العمل، ونحن متمرسات بصناعة خبز "السياح" كوننا مولودات في محافظة ميسان ومن سكنة الاهوار ونخبزه منذ عمر الصبا، وشعرت في اليوم الاول من عملي بفرح غامر كوني اخدم هذه الحشود المليونية من الزائرين، وانا اعاني من مرض التهاب المفاصل وتقوست عظام رجلي وصعب علي المسير نهائيا، لكن من جراء خدمتي وببركة الامام الحسين (عليه السلام) من الله علي واصبحت استطيع السير والخدمة، وحتى لو عجزت ارجلي سأحضر زحفا لأخدم زوار الاربعينية"، وتتناول ثالثتهن "كتبة ام محمـد" الحديث مع وكالة نون الخبرية وتؤكد انها" كانت تسير سنويا الى كربلاء المقدسة لكنها ونتيجة الشيخوخة صعب عليها المسير فقررت ان تلتحق بالخدمة منذ عامين مع اختها "ام قاسم" وجارتها اللواتي يقدمن خبز "السياح" لحشود الزائرين، وتخصصت بتحضير عجين طحين التمن لهن ليقمن بخبزه، وهذه الخدمة عوضتني عن شعوري بالندم على عدم المسير نتيجة المرض، ولن اتركها الا بعد موتي".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- من فاكهة التين والبرتقال والموز والليمون والبطيخ : موكب يقدم عصائر طبيعية تطفئ ظمأ "المشاية" في اجواء الحر اللاهبة
- حوصر وجنوده في الصقلاوية (100) يوما: ضابط ينصب موكبا حسينا لخدمة "المشاية" في محافظة ذي قار
- "ساقيات اللبن" يروين عطش المشاية بطريق الزائرين في البصرة(صور)