مع كل إقرار لموازنة عامة، تبدي العديد من المحافظات اعتراضها على حجم التخصيصات المالية المخصصة لها، وذلك بسبب الاعتماد على أرقام تقديرية للكثافة السكانية، وفيما تؤكد وزارة التخطيط، أن التعداد سيحلّ هذه الجدلية، ويمنح المحافظات مستحقاتها الحقيقية من الموازنة، يتوقع خبير اقتصادي، أن يُظهر التعداد ارتفاعا بنسبة الفقر والبطالة، في وقت يرجح باحث سياسي، أن يتغير عدد التمثيل النيابي لبعض المحافظات بعد ظهور البيانات الدقيقة للسكان.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن “التعداد السكاني يمثل أهمية كبيرة للكثير من المجالات والملفات، فهذا التعداد سيعطي صورة تفصيلية للواقع العراقي بكل تفاصيله لمجال الصحة والسكن والتعليم والخدمات وغيرها من المجالات، وهذه الصورة سوف تساعد في رسم سياسات مستقبلية مبنية على أسس حقيقية”.
ويضيف “بما يتعلق بإشكالية توزيع الواردات المالية والثروات ما بين المحافظات والعدالة، التي ستتم معالجتها بعد إجراء التعداد السكاني كونه يحل هذه الجدلية ويعطي المستحقات وفق عدد السكان الحقيقي، حيث أن ما يتم اعتماده حاليا في توزيع الثروات يستند إلى معايير تقديرية لعدد السكان في كل محافظة”.
ويشير إلى أن “التعداد السكاني له أهمية وطنية كبرى، خاصة وأنه لم يجر منذ زمن طويل جدا، وهذا التعداد يمثل مشروعا وطنيا والعمل مستمر ومتواصل لإنجاح هذه العملية وهناك تقدم كبير في إنهاء الاستعدادات الفنية واللوجستية لهذه العملية المهمة”.
وكان آخر تعداد أجري في العراق عام 1997، إلا أنه شابته الكثير من المشاكل، فلم يشمل الاستطلاع إلا 15 محافظة بعد استبعاد محافظات إقليم كردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاكتفاء ببيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات في العام 1987 وشمل جميع محافظات العراق.
من جهته، يلفت المحلل السياسي ناصر الكناني، أن “التعداد السكاني بكل تأكيد سيكون له أثر إيجابي بقضية توزيع التخصيصات المالية وكذلك المشاريع بشكل عادل ومنصف على المحافظات وفق ما تشهده من كثافة بشرية”.
ويبين الكناني، أن “نسب الفقر وكذلك البطالة وغيرها من النسب التي تعلن هي غير حقيقية كونها ليست مبنية على تعداد سكاني حقيقي وإنما وفق تعداد سكاني تقديري، ونتوقع بعد إجراء التعداد سيكون هناك ارتفاع ملحوظ بنسبة الفقر والبطالة داخل المجتمع العراقي”.
ويؤكد أن “التعداد السكاني أكيد له علاقة بشكل كبير بالكثير من الملفات الاقتصادية، كما من غير المعقول بلد لا يعرف عدد سكانه بشكل حقيقي ودقيق، ولهذا هناك ضرورة في نجاح عملية إجراء التعداد السكاني، لمعرفة ما تعاني كل محافظة من نقص في الخدمات وفقر وبطالة وكذلك ما تعاني من أزمة سكن حقيقية”.
وكان من المفترض إجراء التعداد السكاني في العام 2007 إلا أن الوضع الأمني في حينها وانتشار التنظيمات الإرهابية والعمليات الانتحارية والهجمات المسلحة التي كانت تستهدف القوات الأمنية والموظفين الحكوميين والمواطنين، وتم إرجاؤه إلى العام 2009، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه أيضا.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ العام 2019، وكان من المؤمل أن يُنفذ في العام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلا على المنظمين تكليف 150 ألف باحث ميداني بالتجول على المنازل في هذه الظروف، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع.
وفي العام 2022، أعلنت الحكومة العراقية السابقة نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضا بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.
من جانبه، يوضح المحلل السياسي أحمد الشريفي، أن “التعداد السكاني مهم لمعرفة الواقع الاقتصادي والسياسي في البلد، فهذا التعداد له علاقة مباشرة بقضية المشهد السياسي والانتخابي، فلا يمكن الاعتماد فقط على بيانات وزارة التجارة المتعلقة بالبطاقة التموينية، والتي تعتمد عليها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات”.
ويشدد على أن “تعطيل التعداد السكاني طيلة السنوات الماضية كان له أهداف سياسية واضحة، فهناك الكثير من الأطراف تريد بقاء العراق بلا أرقام حقيقية للمحافظات ومنها محافظات إقليم كردستان، ولهذا تعطلت العملية وغير مستبعد أن تعطل مجددا في ظل وجود إرادة سياسية لا تريد ذلك”.
وينبه إلى أن “التعداد السكاني ربما سيغير عدد التمثيل النيابي لبعض المحافظات وكذلك في مجالس المحافظات، فالتوزيع الحالي اعتمد على نسبة تقديرية وليس نسبة دقيقة وحقيقية، ولهذا نقول التعداد السكاني سيكون له ارتدادات على مختلف الملفات، أبرزها السياسية والاقتصادية”.
يشار إلى أن وزارة التخطيط أطلقت في 31 أيار الماضي، التعداد السكاني التجريبي في جميع المحافظات العراقية وبضمنها إقليم كردستان، وقال وزير التخطيط محمد علي تميم في حينها، إن التعداد التجريبي يبدأ في مناطق محددة بجميع المحافظات، حيث سينفذ في 86 محلة موزعة بين 18 محافظة بواقع 46 محلة في الريف و40 محلة في الحضر، كما سيشارك بتمثيله 764 باحثا وفنيا وإداريا من كوادر هيئة الإحصاء، مبينا أنه ستكون هناك 6 محلات سكنية في بغداد، ومثلها في البصرة، ومثلها في النجف، وكذلك في بابل، و5 في نينوى، و8 في ذي قار، ومثلها في السليمانية، ومثلها أيضا في دهوك، و3 في أربيل، ومثلها في ديالى، وكذلك 3 في كربلاء، و4 في المثنى، ومثلها في كركوك، و7 في ميسان، ومثلها في الأنبار، و2 في الديوانية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- العراق يقاسم "بي بي" أرباح نفط كركوك.. فهل ينجح بجذب الشركات العالمية؟
- بعد 6 شهور على انعقادها.. هل فشلت مجالس المحافظات باختبار الخدمات؟